ألقت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قصر البركة بالعاصمة العُمانية مسقط، جانبا من الضوء على الدور العماني العربي في الوساطات السرية بين إيران والأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن مسقط لعبت دور الوسيط كثيراً في مفاوضات مشابهة سابقة، على رأسها مفاوضات الاتفاق النووي بين جواد ظريف وجون كيري، وتعتبرا طرفا مقبولا لكل الأطراف في الأمور ذات الصلة، مع بروز مطالبات في الأوساط الأمريكية بتحول إيران من دولة إلى أمة عن طريق اعترافها بإسرائيل.
أولاً: الدور التاريخي للسلطنة في القنوات السرية
بحلول عام 1975م واستتباب حكم مسقط للسلطان قابوس اتسمت السياسة الخارجية لسلطنة عمان بالواقعية، والحياد وعدم الانحياز للأطراف المتصارعة وبخاصة في الإقليم العربي والإسلامي، ما جعلها قادرة على أدوار وساطة أو على الأقل ليست طرفا في أي صراع، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هذا الدور حاضرا في كثير من صراعات المنطقة المعبئة بالصراعات، ولعل المثال الأبرز في هذه الوساطة هو أن جانبا من المفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني كان على أراضيها.
بعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في عام 1978م، كانت سلطنة عمان واحدة من ثلاث دول عربية فقط لم تقاطع مصر، كما دعمت توقيع إسرائيل والأردن معاهدة السلام الشاملة، وزار إسحاق رابين مسقط بعد أشهر فقط من توقيع معاهدة السلام الشاملة. وبالرغم من أن الزيارة كانت في البداية سرية، إلا أنه تم الإعلان عنها عند عودة رابين إلى إسرائيل.
وبعد اغتيال رابين أظهر السلطان قابوس التزامه بعملية السلام من خلال إيفاد وزير الخارجية العُماني للمشاركة في جنازة رابين، كما زار شمعون بيريز مسقط عام 1995م، وبعد الانتفاضة الثانية 2000م قطعت العلاقات الدبلوماسية الرسمية، لكن الزيارات السرية ربما تكررت على مدار السنوات ولعل هذا ما تكشفه الصحافة الإسرائيلية بأن العلاقات مستمرة وجيدة، إلى أن أتت زيارة نتنياهو لقصر البركة في 25 أكتوبر 2018م.
في الجانب الإيراني اتسمت العلاقات العمانية ـ الإيرانية بالاستقرار والهدوء منذ مرحلة ما قبل الثورة الإيرانية ثم مرحلة ما بعدها، وتنامت تلك العلاقات على وقع المشتركات الجغرافية والأيدلوجية، فإيران الجار الأقرب إليها، وهما تشتركان معاً بالإطلالة على مضيق هرمز ذلك الذي يعتبر من أهم المضايق الاستراتيجية عبر العالم، ويهم السلطنة أن لا يكون هناك توترا فيه، علاوة على العلاقات الاقتصاديّة التي تجمع البلدين، وكانت أول زيارة للرئيس روحاني خارج إيران إلى مسقط، كما توجد اتفاقات اقتصادية كبيرة بينهما، فالعلاقة الاستراتيجية لها دور فاعل في قيام عمان بالوساطة في الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى (5+1) منذ 2011م.
وتنتهج السياسة الخارجية العمانية نهج الوساطة وحل الصراعات سلمياً ليس فقط مع طهران وواشنطن أو إسرائيل لكن متواجدة بالنهج نفسه في الصراع السوري والصراع اليمني، وأيضا تسعى لتهدئة الصراع الخليجي الإيراني.
ثانياً: أسباب زيارة نتنياهو لمسقط وعلاقة إيران بها
في أول زيارة رسمية هي الأولى منذ عام 1996، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة سلطنة عمان التقى خلالها بالسلطان قابوس بن سعيد بالعاصمة العمانية مسقط، وصرح وزير الخارجية العماني بأن: “إسرائيل دولة موجودة بالمنطقة ونحن جميعا ندرك هذا”، مضيفا “العالم أيضا يدرك هذه الحقيقة وربما حان الوقت لمعاملة إسرائيل بالمثل وتحملها الالتزامات نفسها” كما قال ابن علوي “نشعر بتفاؤل شديد حيال هذا الاقتراح لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيكون الحل مفيدا للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء” واستكمل وزير الشؤون الخارجية العماني “التاريخ يقول إن التوراة رأت النور في الشرق الأوسط واليهود كانوا يعيشون في هذه المنطقة من العالم”.
فلما كانت تلك الزيارة ولما هذا التوقيت بالتحديد؟
1- عودة العلاقات بصورة رسمية مع الاحتفاظ بما هو سري في المفاوضات، وعودة العلاقات طبيعية كما كانت.
2- فتح الباب أمام المفاوضات فيما هو خاص بتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي أو ما اصطلح على تسميته بـ”صفقة القرن”
3- حلحلة الأمور في فتح مفاوضات إسرائيلية أمريكية ـ إيرانية بوساطة عمانية.
4- بداية لمحاولة تسوية شاملة لصراعات المنطقة.
هذه المرة تريد الولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات ترضى عنها إسرائيل، وتستطيع الاستفادة من المكاسب الناتجة عن الضغوط الأمريكية على إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية المؤلمة للاقتصاد الإيراني، فدخول إسرائيل كأحد جوانب التفاوض مهم لمحاولة تصفير الأزمات الإسرائيلية مع إيران، وعمان كاختيار جيد في هذا السيناريو إذ إنها من خلال انتمائها لمجلس التعاون الخليجي لها حضور مهم في الصراع.
ثالثاً: التجديد النصفي وعلاقته بالعقوبات الأمريكية على إيران
قال وزير الخزانة الأمريكية ستيف منوتشين في 5 نوفمبر 2018م إن “الضغط الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية سيتصاعد من هذه الخطوة”، وفي بيان قال “إن الولايات المتحدة مصممة على التأكد من أن النظام الإيراني سيتوقف عن تحويل احتياطاته من العملة الصعبة إلى استثمارات فاسدة وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين”.
وأتت العقوبات بعد أن قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أما فيما يتعلق بالهدف وراء إعادة العقوبات فقد قالت وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية لمكافحة الإرهاب، سيجال مانديلكر إن الهدف هو “منع البنوك الإيرانية التي تساهم في عملية قمع الداخل الإيراني وفي التدخلات الخارجية، من أن تكون جزءا من النظام المالي الدولي، وتسليط الضوء على الطبيعة الحقيقية للقمع الذي يمارسه النظام الإيراني على النظام المصرفي المحلي”، في ظل تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بمواصلة بيع نفط بلاده، وأضاف أن بلاده سوف “تخرق بفخر العقوبات الجائرة”.
أما انتخابات التجديد النصفي والتي حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم فيها من خلال مجلس الشيوخ، وانتزع الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب، ما يمكنهم من تقويض بعض سياسات الرئيس ومخططاته، والتي تزامنت مع العقوبات على إيران، وجاءت النتائج مخيبة للآمال لترامب وحزبه إذ خسر أغلبية مجلس النواب، وغالبا الأسباب داخلية لا علاقة لها بالسياسة الخارجية كما في معظم الانتخابات، بمعنى أن العقوبات الأمريكية على إيران لا تهم الناخب الأمريكي قدر ما يهمه برنامج الرعاية الصحية، كما أن تهور الرئيس في بعض القضايا الداخلية والخارجية ربما سبب آخر، وعليه يمكن القول إنه من الصعب الربط بين نتائج انتخابات التجديد النصفي والعقوبات الأمريكية على إيران وبخاصة بعد النتائج إلا بوصفها نتائج سلبية.
رابعاً: تداعيات المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران
كشف برايان هوك مبعوث الولايات المتحدة الخاص بشأن إيران في 19 سبتمبر 2018، أن الولايات المتحدة تسعى للتفاوض على معاهدة جديدة مع إيران تشمل برنامجها للصواريخ الباليستية وبرنامجها النووي، مضيفا أن “الاتفاق الجديد الذي نأمل أن نبرمه مع إيران لن يكون اتفاقا شخصيا بين حكومتين مثل الاتفاق الأخير نحن نسعى لإبرام معاهدة”، ولكن في العلن دائما ما تمانع إيران.
يذكر أن وزير الخارجية الأمريكي خلال عرضه “الاستراتيجية الجديدة” للولايات المتحدة مساء يوم 21 من مايو صرح بأنه في مقابل القيام بتغييرات كبيرة في إيران بتنفيذ (12 شرطا)، فإن الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات في نهاية المطاف، وإعادة جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، ودعم الاقتصاد الإيراني.
وعلقت سلطنة عمان على التقارير التي أفادت بوجود وساطة جديدة تقودها السلطنة لتهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، بقول وزير خارجية السلطنة، يوسف بن علوي بن عبد الله، إن “بلاده مستعدة لتقديم المساعدة لتجنب الصراع بين إيران والولايات المتحدة” وتابع “أولا ليس لدينا رسالة من أحد، سواء من الإيرانيين أو من الإدارة الأمريكية، في اعتقادي من الممكن أن يبدأ حوار، وأعتقد أن الطرفين بحاجة وسط خضم هذه الانشغالات إلى أن يجدا الفرصة في ألا يدخلا في صراع غير مفيد لهما أو للمنطقة”.
على الجانب الآخر رفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، تأكيد نبأ زيارة وزير الخارجية العماني إلى طهران، وأشار قاسمي في تصريحات نقلتها وكالة “فارس” إلى الخبر الذي جرى تداوله مؤخرا عن زيارة بن علوي لطهران يوم الجمعة المقبلة قائلا: “لم نتلق أي اتصال عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية لإجراء التنسيق اللازم بهدف اتخاذ الترتيبات لهذه الزيارة”.
هذا ما وضح في العلن من محاولات للمفاوضات قد لا تؤتي أي ثمار، فهل تلعب عمان دوراً جديداً في محاولة لاتفاق جديد أم مازالت إيران تمانع؟! وهل العقوبات تجعل إيران تتراجع وتعود للمفاوضات ولو بطريقة سرية؟! وهل تنجح المفاوضات إن كانت علنية؟! وهل زيارة نتنياهو لسلطنة عمان لها علاقة بتلك المفاوضات أو مرحلة جديدة فيها؟! تكمن الإجابة عن تلك الأسئلة في أن المفاوضات بين إيران وأمريكا مستمرة طوال الوقت وما يظهر على الشاشات وعلى صفحات الجرائد جزء لابد منه لكنه لا يعبر بشكل واضح عن حقيقة الصورة وتفاصيلها، وربما تجري المفاوضات الآن بين الممثلين الرسميين لتلك الدول أو عن طريق وسطاء ليسوا أصحاب أعمال رسمية أو جهات أمنية، لذا اعتبر زيارة نتنياهو نقطة فاصلة ومرحلة جديدة لتلك المفاوضات.
خلاصة
نجحت المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية بوساطة عمانية في توقيع الاتفاق النووي عام 2015م الذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية عام 2018م في ظل البحث عن اتفاق أو معاهدة جديدة، وقد عرضت المؤسسات الأمريكية الجلوس على طاولة المفاوضات أكثر من مرة إلا أن إيران تعتبر الجلوس للتفاوض بشروط مسبقة أمر مخل بالاتفاق النووي، ولكن على ما يبدو فإن القنوات السرية بدأت في العمل، وبزيارة نتنياهو لعمان وعلاقتها بالشأن الفلسطيني وترتيبات صفقة القرن، يبدو الشأن الإيراني حاضرا دائما على طاولات المفاوضات.