منذ أن نجحت الثورة الإيرانية في الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي في يناير من العام 1979 عملت على أن تكون القضية الفلسطينية، ومناهضة الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بمثابة الرافعة الكبرى التي تخترق من خلالها العالمين العربي والإسلامي، بهدف زرع الشكوك في ضمائر الشعوب حول نوايا حكوماتهم تلك التي أبرمت اتفاقيات السلام مع إسرائيل أو حتى تلك التي لا تناصبها العداء بنبرة صاخبة، وهو ما أدى إلى أن تكون إيران أحد اللاعبين المركزيين في المسألة الفلسطينية جنبا إلى جنب من القوى التاريخية التي قدمت المال والرجال إلى القضية وحولتها من مجرد قضية لاجئين إلى قضية سياسية متكاملة الأركان.
تمتعت إيران لسنوات عديدة بعلاقات وثيقة مع حركة حماس والفلسطينيين والجهاد الإسلامي في القطاع، ودعمت أغلب تلك التنظيمات، وتمثل هذا الدعم في المساعدات العسكرية والأسلحة وتدريب المقاتلين، ومن أجل وضع القضية الفلسطينية على جدول الأعمال العالمي.
على الصعيد الآخر خلقت الحرب في سوريا شرخًا كبيراً بين إيران وحماس عندما قررت حماس مغادرة دمشق، ودعم نظام الإخوان المسلمين في مصر ورفض دعم بشار الأسد ولكن بعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر اضطرت حماس إلى التقرب من إيران وشكل هذا الموضوع خلافا جوهريا بين الجناح العسكري لحركة حماس التي تحرص على استئناف التعاون مع الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية والجناح السياسي ذلك الذي يرى أهمية كبرى في العلاقات مع الدول العربية السنية. وعلى خلفية هذا النزاع الداخلي عملت إيران وحماس في وقت لاحق لإصلاح الضرر بينهما.
سياسة إيران في غزة
تستمد طهران سياستها تجاه قطاع غزة من رغبتها في الهيمنة على المنطقة، ومساعدة كل حزب إقليمي معارض لإسرائيل، فمن وجهة نظر إيران تعد إسرائيل زرعا أجنبيا في الشرق الأوسط وعلاوة على ذلك فإن العداء لإسرائيل يسمح للنظام الإيراني باكتساب التأثير والهيمنة في العالم العربي، الذي بدوره يغذي طموحها في قيادة العالم الإسلامي فمن أهم أدوات إيران لتعزيز مصالحها وتأثيرها الإقليمي هو دعمها للدول والمنظمات التي تستخدم “الإرهاب” ضد إسرائيل والولايات المتحدة بهدف “تخريب” المؤسسات السياسية للدول الموالية للغرب.
وبالرغم من أن الفصائل الفلسطينية التي تدعمها إيران في غزة من السنة إلا أن إيران ترى فيهم وسيلة لتعزيز مصالحها ضد إسرائيل. وفي مقابل ذلك وجدت أيضا المنظمات الفلسطينية في إيران حليفا قويا يقدم المساعدات السياسية والاقتصادية.
أما بالنسبة لإيران فتستثمر موارد هائلة في وضع القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية، فهي تستضيف المؤتمرات لتعزيز هذه القضية وتعين يوما سنويا للاحتفال الوطني للتعبير عن معارضتها للصهيونية، ذلك أن علاقة إيران بالمنظمات الفلسطينية تظهر بشكل واضح في خطابات كبار مسؤولي النظام الإيراني وتأكيدهم على استمرار التزام الجمهورية الإسلامية بالقضية الفلسطينية بشكل عام وحلفائهم الفلسطينيين على وجه الخصوص.
على سبيل المثال في أكتوبر من العام 2000 صرح المرشد الأعلى علي خامئني قائلا: “نحن نعتبر فلسطين عضوًا من جسدنا ودعم الشعب الفلسطيني فخر الشعب الإيراني ويجب على الأمة الفلسطينية أن تواصل جهادها وتبقى حازمة ضد أعداء الإسلام، وينبغي على حماس والجهاد الإسلامي وفتح مواصلة كفاحهم كجبهة موحدة.
ولكن جاء الربيع العربي ليجلب معه أزمة في العلاقات بين إيران وحماس، أهم منظمات المقاومة الفلسطينية، بعد قرار حماس بالتخلي عن النظام السوري حليف إيران، ودعم مصر بعهد الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، ما أدى إلى أن تخفض إيران مساعداتها لغزة.
على إثر ذلك عانى الشعب الإيراني أيضاً من الشعور بالاغتراب عن القضية الفلسطينية، ولكن حتى لو كان هناك تغيير في نطاق التعاون ودرجة القرب، وهذا ليس كذلك ما يكفي لوقف مساعدة إيران المستمرة للمنظمات الفلسطينية في قطاع غزة.
علاقات إيران مع حماس
احتفظت حماس بعلاقات فضفاضة مع إيران؛ وذلك لارتباطها مع جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ورغبة منها في العمل مع حركة مستقلة، وعلى الجانب العملي فإن إيران أنشأت علاقة دائمة ومستمرة مع حماس فقط في أوائل التسعينيات، عندما ساعدت الجمهورية نشاط حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وتم توثيق العلاقات بينهما بعد المؤتمر الذي عقد في إيران وحضره وفد رفيع المستوى من حماس التقى مع كبار رجال الدولة الإيرانيين، وبعد ذلك بدأت إيران دعمها الاقتصادي والعسكري لحماس.
في أعقاب سيطرة حماس على غزة يونيو 2007 قامت إيران بزيادة مساعدة حماس لاعتقادها بأن حماس أداة مهمة لقيادة الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وبدأت إيران بتسليح حماس واستمرت بترقية ترسانة حماس وشحن أسلحة ذات جودة عالية مباشرة من ترابها إلى غزة، كما أعطت إيران حماس تقدمًا في المعرفة التكنولوجية لتطوير صناعة صواريخ مستقلة داخل القطاع. وقد سمح انتقال المعرفة إلى الحركة بزيادة نطاق صواريخها وقنابلها ومقذوفاتها.
الواقع أن المساعدات الإيرانية قوت موقف حماس خلال عملية الرصاص المصبوب. وكانت معظم الأسلحة التي تستخدمها حماس قادمة من طهران كما أكد خالد مشعل ذلك قائلاً: “إنه بفضل إيران استطاعت حماس التصدى لهجمات إسرائيل، وأنها لعبت دورًا مهماً في فوز حماس في المعركة ضد إسرائيل.
وبالرغم من المساعدات الضخمة التي قدمتها إيران لحماس في السنوات الأخيرة إلا أنه حدث صدع عميق في العلاقات بينهما عام 2011 بسبب الحرب المدنية في سوريا، وردًا على ذلك علقت إيران الدعم العسكري والمالي لحماس وأتاحت عملية عامود سحاب نوفمبر 2012 فرصة لإعادة تأهيل جزئي للعلاقات، وتحسنت العلاقات أكثر بعد عملية “تزوك إيتان” عندما صرح القائد الأعلى الإيراني علي خامئني خلال كلمته في اليوم العالمي للقدس يوليو 2014، بدعوة استثنائية لتسليح الضفة الغربية.
كما قدمت إيران مساعدات مالية خاصة لإعادة تأهيل قطاع غزة وبناء شبكة من الأنفاق، وقبلت حماس هذه المساعدات لحاجتها لتجديد مخازن الأسلحة ومساعدة سكان القطاع التي تضررت خلال أسابيع القتال. ولكن الوضع المتغير في الشرق الأوسط استمر في تعميق العقبات في طريق المصالحة.
الحقيقة أن القتال في اليمن أدى إلى تقارب مفاجئ في العلاقات بين حماس والمملكة العربية السعودية ودعم المنظمة لشرعية الرئيس منصور هادي بعد سيطرة الحوثيين على الدولة، فالمملكة العربية السعودية استقبلت حماس بحرارة في عام 2015 واستضافت وفدا رسميا من حماس، حيث أدى هذا التطور في العلاقات إلى أزمة أخرى في علاقة حماس مع إيران، ولكن هذا التطور لم يؤد إلى قطع العلاقات وفي أكتوبر 2016 أعلن علي شمخاني سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني أن إيران ستواصل تقديم السلاح للفلسطينيين، وتوفير الأسلحة لزيادة قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات من قبل النظام الصهيوني.
مع ذلك شهد العام الماضي جهودًا متجددة لتحسين العلاقات وظهر هذا التحسن في قرار إيران مايو 2017 باستئناف المساعدات المالية لحماس، بالإضافة إلى التغيرات التي حدثت في قيادة حماس ولاقت ترحيبا من جانب طهران، كما أعرب خامئني عن أمله في استئناف التعاون مع حماس.
إيران والجهاد الإسلامي
يعد تنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني أقرب حليف لإيران في غزة، وأنشأه فتحي عبد العزيز السيقاقي، وتأسس في السبعينيات من القرن الماضي كفرع للإخوان المسلمين العاملة في مصر. وتبنت المنظمة مبادئ خامئني للجهاد وفكرة أن فلسطين يجب أن تتحرر من خلال الكفاح المسلح، وفي الواقع فإن إيران هي الراعي الوحيد للمنظمة الذي يوفر أنشطتها في كل مستوى من الأسلحة إلى الرواتب، فضلا عن أن التنظيم لديه ممثل دائم في إيران، تلك التي تحافظ على اتصالات مستمرة مع الأحزاب الإيراينة للحفاظ على توسيع العلاقات على مر السنين، فكانت المساعدات الاقتصادية والعسكرية الإيرانية للجهاد الإسلامي في فلسطين تنمو بشكل متناسب مع أنشطة المنظمة الإرهابية الموجهة ضد إسرائيل خاصة مع ارتفاع التنظيم في المكانة والنجاح في ترسيخ نفسه كمصدر رئيس للنفوذ في غزة.
ووفقًا لكبار المسؤولين الأمريكيين فإن طهران قدمت لـPIJ”” مكافآت بملايين الدولارات لكل هجوم ضد إسرائيل. ولكن خلال عام 2015 حدثت أزمة جزئية في العلاقات بين طهران والجهاد الإسلامي في فلسطين، وذلك عندما رفضت جماعة الجهاد الإسلامي تأييد الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن وبناءً عليه خفضت طهران 90% من دعمها المالي للمنظمة.
وفي منتصف 2016 جددت إيران دعمها الكامل للجهاد الإسلامي في فلسطين وبعد زيارة رمضان شلح زعيم المنظمة إلى إيران أعلن أن “إيران هي الدولة الوحيدة التي تقدم المساعدة للانتفاضة وعائلات الشهداء”.
الملخص
تعكس المساعدات التي تقدمها إيران للمنظمات في قطاع غزة رغبتها في أن تكون لاعبا مهما في الساحة الفلسطينية وأن تكون اللاعب الرئيس والمؤيد لمواصلة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، فمنذ بداية الثورة الإسلامية سعت إيران إلى الهيمنة الإقليمية والرغبة في توسيع نفوذها على الساحة الفلسطينية ولتحقيق هذا فإن إيران قدمت مساعدات مالية وعسكرية لمنظمات فلسطينية عاملة في القطاع، الذي يعتبر جناحًا عسكريًا ضد إسرائيل ووسيلة لمواجهة قيادة السلطة الفلسطينية التي عبرت عن الرغبة في المفاوضات السياسية.
إن الجناح العسكري لحركة حماس ينظر إلى العلاقة المستمرة مع إيران كونها مهمة جدًا، على الرغم من الاختلافات في الرؤى تلك التي نشأت في السنوات الأخيرة بين منظمات غزة وإيران ومعظمها بسبب انقسام العالم العربي والقتال المستمر في سوريا، ويبدو أن إيران ليست مستعدة للتنازل عن حصتها في القطاع، وفي المستقبل سوف تستمر في تقديم المساعدة للأحزاب التي تظهر معارضة نشطة لإسرائيل.
فصل من كتاب “أزمة غزة.. رد على التحدي” باللغة العبرية، تأليف سيما شاين وآنا كاتران.
نقلته إلى العربية، دينا زيدان