تُمثل كل من إيران وقطر معضلة شائكة في دوائر السياسة الشرق أوسطية، حيث تُعد كلاهما بمثابة علامة استفهام مسيطرة على المشهد الإقليمي منذ عقود، فالأولى ركيزة أساسية لا تنفصل عن السياسة العالمية والإقليمية من حيث تداعيات التوجهات السياسية والعسكرية الخاصة بها، بينما أثارت قطر جدلاً واسعاً منذ عقود حول نطاق دورها الإقليمي وكيف يمكن أن تُغير من مفهوم الدولة الصغرى من المنظور الجغرافي والمساحة التي يمكن أن تشغلها في محيطها الإقليمي العالمي.
وساطة قطر بين إيران وجيرانها
ترتبط قطر وإيران بعلاقات ثنائية متعددة الأبعاد، وكل من الدولتين عضوين في منظمات مشتركة أبرزها الأوبك، وحركة عدم الإنحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، كما تستخدم قطر علاقاتها بإيران في إطار سعيها للعب دور إقليمي يدعم مكانتها في المنطقة.
على سبيل المثال: سبق وأن صرح وزير الخارجية القطري خلال العام الجاري أن بلاده مستعدة للقيام بدور فاعل في المفاوضات بين إيران وبين الدول الخليجية، وذلك في ضوء الإشكاليات والمخاوف الإقليمية التي تعانيها تلك الدول من إيران التي تسعى دوما إلى ترسيخ أقدامها من خلال تعظيم مجال قوتها العسكرية والإقليمية وفي أعماقها يكمن دوماً مفهوم شرطي الخليج الذي لم تتخل عنه رغم تغير الظروف والسياق السياسي السائد في إيران.
وقد دعت قطر إلى إقامة حوار مع إيران في مساعي لخفض التصعيد بالمنطقة وتحسين العلاقات الإيرانية ــ الخليجية.
فعلى المستوى التحليلي يمكن القول إن خطوات قطر تستمر دوماً في اتجاه ترسيخ إلغاء المعايير التقليدية الخاصة بقوة الدول والمؤهلات المناسبة ــ إذا جاز التعبير ــ للعب دور وساطة بين قوى إقليمية تفوقها من حيث العديد من الاعتبارات التاريخية والسياسية.
مخاوف كامنة من الدور الإيراني ــ القطري
كذلك تجدر الإشارة إلى الوجه الآخر للموقف المتمثل في النظرة الإقليمية للثنائي القطري الإيراني (التي سادت وربما مازالت مستمرة بوجه عام) من حيث إمكانية تشكيلهما لمحور يهدد استقرار دول المنطقة وأمنها، وذلك في ضوء خلفية إقليمية لم تتلاش من الذاكرة، والمقصود بها هو قرار دول الرباعي العربي عام 2017 بمقاطعة قطر عقب ثبوت تورطها في دعم جماعات متطرفة وإيواء عناصر إرهابية تستهدف الإضرار بالأمن القومي العربي وزعزعة الاستقرار الإقليمي.
على الرغم من تغير الأوضاع في الوقت الحالي والتحسن في مسار العلاقات القطرية ــ الخليجية والعلاقات القطرية ــ المصرية، إلا أن السياسة لا تعرف الوجه الواحد، وربما يطغى توجه إيجابي ويطفو على السطح لكن تظل المحاذير كامنة في الأعماق لحين إشعار آخر يقلب الموازين في الاتجاه المضاد، بحيث تعود الأمور إلى سيرتها الأولى.
لكن بوجه عام يرى الكثير من المحللين أن قطر تُعد حليفا لطهران على المستوى الدبلوماسي والسياسي، فهي التي دعمت بقوة علاقتها الإستراتيجية مع طهران ورسخت دعمها لذكرى مرور أربعين عاماً على الثورة الإيرانية في تأكيد بارز على إيجابية العلاقات الثنائية فيما بينهما.
قطر والأوراق الإقليمية في يد إيران
من المنظور الإيراني، يمكن القول إنه كعادة السياسة الإيرانية التي تسعى لجمع أكبر حصيلة من الأوراق الإقليمية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ينظر البعض إلى إيران من منطلق كونها حاولت أن تلعب دوراً مع قطر كجزء للخروج من أزمة المواجهة والعقوبات الأمريكية من خلال الاستفادة من قطر اقتصاديا.
وربما تظل قطر وغيرها من الدول أوراقا ثابتة في يد إيران كضمانة بصرف النظر عن التحسن في موضوع العقوبات المفروضة عليها، وما يمكن أن يحمله المستقبل في هذا الصدد.
ومن الجدير بالذكر في هذا الإطار قيام إيران وقطر بالتوقيع خلال العام الماضي على وثيقة للتعاون الاقتصادي بينهما خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين الذي عقد في دورته السابعة في محافظة أصفهان بإيران، حيث نصت الوثيقة المشار إليها على اتفاق طهران والدوحة على تشكيل فريق تجاري مشترك ودعم الشراكة بين القطاع الخاص في كلا البلدين من خلال إنشاء مراكز تجارية مشتركة فضلاً عن إيفاد مستشار تجاري إلى سفارتي البلدين في طهران والدوحة والاستفادة من الموانئ الخاصة بكل منهما بهدف تطوير عمليات الاستيراد والتصدير.
تشتمل التصريحات الإيرانية على ترحيب ضمني بالدور القطري، ومن ذلك ترحيب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية خلال العام الحالي بالجهود القطرية نحو دعم إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
كذلك أشار الرئيس الإيراني إلى الشراكة الإقليمية الإيجابية بين قطر وإيران، وأن لطهران مصلحة خاصة في العلاقات مع الدوحة، وذلك في ضوء أن أولوية السياسة الخارجية الإيرانية تتضمن تطوير العلاقات مع دول الجوار والتشارك في ترسيخ الأمن الإقليمي بعيداً عن التدخلات الخارجية.
خاتمة
وفقا لما تقدم يمكن القول إن المشهد السياسي الحالي ينبئ بعدة تحولات متوقعة أبرزها استمرار مساعي قطر للعب دور سياسي بين دول الخليج وبين إيران خاصة في ظل عودة العلاقات بين قطر ودول المقاطعة، وأيضاً في ضوء ترحيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي باستمرارية العلاقات الإيجابية بين البلدين.
وبالطبع ستسعى كل من إيران وقطر إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية في ظل رغبة إيران على وجه الخصوص في كسب الأوراق السياسية وضمان المنافذ الاقتصادية لها بصرف النظر عن تراتبية أهمية العلاقات الثنائية من المنظور الإيراني.
ويبقى التأكيد على أن العلاقات بين إيران وبين قطر، وتنامي نفوذ الأخيرة يرتبط بعصر الاقتصاد وهيمنته على السياسة الدولية، ومن ثم تختلف المقاييس والأسس التي تقوم أدوار الدول بناءً عليها مما ينبئ بالعديد من التحولات التي قد تشهدها الساحة الإقليمية والدولية في المستقبل سواء فيما يخص الدور القطري، والدور الإيراني أو اختلاف موازين القوى على الساحة الدولية بوجه عام.