في الأسابيع الأخيرة تصاعدت حدة التصريحات العدائية والحرب الكلامية بين كل من واشنطن وطهران، في أعقاب الضغوط الأمريكية وفرض العقوبات المتتالية على إيران في عدة قطاعات شملت النفط والصناعات البتروكيماوية والمعادن وغيرها، ما دفع طهران للإعلان عن خفض التزامها ببعض تعهداتها التي جاءت ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي”، وهو الإعلان الذي صاحبه إعلان أمريكي أكثر حدة يتمثل في تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية استعدادها لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، كما دفعت بحاملة الطائرات الأمريكية “إبراهام لنكولن” للدفاع عن المصالح الأمريكية إزاء التهديدات الإيرانية التي رصدتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية وحلفاؤها في منطقة الشرق الأوسط.
التهديدات الإيرانية
على الرغم من التهديدات الإيرانية المتتالية عقب الانسحاب أحادي الجانب من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، ومفادها أن إيران قادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، حتى في حال توجيه ضربة عسكرية لإيران، وما تلاها من تهديدات تؤكد أنها مجرد حديث للاستهلاك الداخلي، ولحفظ ماء وجهها أمام المجتمع الدولي، وحتى لا ينكسر الكبرياء الإيراني أمام الولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد اعتمدت التحركات الأمريكية الأخيرة الخاصة بتحريك حاملة الطائرات الأمريكية “لنكولن” على معلومات وردت من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وذلك عقب جلسة جمعت مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، مع نظيره الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي، إذ عرض الجانب الإسرائيلي على نظيره الأمريكي بعض التهديدات الإيرانية، تلك التي تهدد المصالح الأمريكية في كل من العراق وسوريا بالتحديد.
وهي المعلومات التي تعاملت معها واشنطن بكل جدية وحركت عددًا من القاذفات على حاملات الطائرات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تزويد قاعدة العديد القطرية بعدد من القاذفات المتطورة، حال نفذت طهران تهديداتها.
ورغم ما يحدث من تناطح سياسي بين الطرفين وحالة العداء الواضح بين طهران وواشنطن، إلا أن تقدير الموقف يشير إلى استبعاد حدوث حرب أو ضربة عسكرية لعدة أسباب هي:
1- الدرس الإيراني القديم: في ثمانينيات القرن الماضي وجهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربتين عسكريتين للأسطول البحري الإيراني في عمليتين عرفت إحداهما باسم “الرامي الرشيق” والأخرى باسم “فرس النبي” ردت فيهما الولايات المتحدة الأمريكية على انفجار لغم من ألغام الحرب العراقية – الإيرانية في إحدى البوارج العسكرية الأمريكية التي كانت تمر في الخليج العربي، وتمثلت الضربة العسكرية الأمريكية الأخرى بعد انفجار لغم مائي في ناقلة نفط كويتية كانت ترفع العلم الأمريكي في أثناء مرورها في الخليج العربي، وهما العمليتان العسكريتان اللتان كبدتا الحرس الثوري والأسطول الإيراني خسائر فادحة.
2- ضعف التسليح الإيراني: لم يتم تطوير العسكرية الإيرانية بعد الثورة الخمينية التي اندلعت عام 1979، بسبب الحالة التي ولدت عليها الثورة في تلك الفترة، وما صاحبها من حالة عداء دولي بعض الشيء، فيما اعتمدت العسكرية الإيرانية على بعض الصناعات المحلية، وبعض التسليح المستورد من كل من روسيا والصين، كما لم تقم إيران فعليا منذ تلك الفترة بتحديث الأسطول البحري للحرس الثوري ولا حتى سلاح الطيران، أو القوات البرية.
3- مواجهة حرب إقليمية: قد تبدو التهديدات الإيرانية في ظاهرها أنها قادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي باطن تلك التصريحات العدائية تنشط النية لدى الإدارة الإيرانية للجلوس على مائدة المفاوضات للتفاوض حول التصرفات الأمريكية الأخيرة المتعقلة بالعقوبات، إلا أن ما تشترطه الولايات المتحدة الأمريكية من 12 شرطًا للجلوس على مائدة المفاوضات تمثل شروطًا لا يقبلها الإيرانيون لأنها تأتي على أساس ودعائم قيام النظام الإيراني في الأساس، لذلك فإن أقصى ما يمكن أن تفعله إيران مجرد تمويل الميليشيات في منطقة الشرق الأوسط والتي تزعج الدول العربية وتمثل ورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا من ناحية الجانب الإسرائيلي، لكن مواجهة عسكرية وحرب إقليمية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إيران لا تستطيع مواجهتها.
4- خسارة الحلفاء: يعلم النظام الإيراني جيدًا أن الاستمرار في الاعتماد على الحلفاء الأوروبيين أمر في منتهى الخطورة خاصة بعد البيانات التي تصدر عن الجانب الأوروبي في أوقات سابقة تندد بإصرار إيران على استئناف تطوير البرنامج الصاروخي والباليستي، وما زاد الأمر صعوبة بعد أن أعلنت إيران تنصلها من بعض التزاماتها الخاصة بالاتفاق النووي، فيما يتعلق بتطوير البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم والماء الثقيل، أن حذر الجانب الأوروبي الجانب الإيراني من مغبة تلك التصرفات على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتشير المعلومات إلى أن الأوساط الأوروبية وجهت تحذيرات بفرض عقوبات أوروبية على طهران حال استمرت في سياساتها المستفزة، فضلَا عن خروج الاستثمارات الأوروبية من إيران في أعقاب الانسحاب الأمريكي والتهديد بفرض عقوبات استثنائية على كل الدول المتعاملة مع طهران.
خلاصة
إجمالَا لا يمكن الحكم على التحركات الأمريكية الأخيرة بأنها ضوء أخضر لضربة عسكرية قد توجهها الإدارة الأمريكية إلى طهران، إذ إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يؤكد دائمًا على أنه يريد من النظام الإيراني مجرد تغيير سياساته وليس إسقاطه، ومع ذلك فإن التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة جرس إنذار خطير قد يكلف النظام الإيراني الكثير في حال وجهت الولايات المتحدة الأمريكية أي ضربة ولو كانت محدودة إليه.
الأمر المهم في هذا السياق هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو وكأنها تستفز الجانب الإيراني لأن يبدأ بالتحرش بالقطع البحرية الأمريكية المرابضة في مياه الخليج العربي، ما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية وتعطي شرعية دولية لتلك الضربة من خلال أي تحرك مستفز قد ينتج عن أي تهور إيراني من قبل قوات الحرس الثوري أو الأسطول البحري للقوات المسلحة.