تعد جماعة مجاهدي خلق الإيرانية إحدى أبرز الجماعات المعارضة لنظام الحكم الإيراني الحالي القائم على نظرية ولاية الفقيه، بالرغم من التحالف التاريخي بينهما ذلك الذي نشأ وانتهى في سبعينيات القرن الماضي إبان الثورة على الأسرة البهلوية تلك التي انتهت بالإطاحة بآخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي وإقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية 1979، وفي كل المرات التي يبدو فيها النظام الإيراني مترنحا بفعل الضربات الخارجية والداخلية التي من شأنها زعزعة أركان حكمه، يثور السؤال: هل تصلح جماعة “مجاهدي خلق” لحكم إيران حال سقوط ولاية الفقيه؟
إطلالة على التاريخ
تغيرت أيديولوجية التوجه والفكر الخاص بمنظمة مجاهدي خلق فبعد أن كانت ذات توجه مناوئ للشاه تحولت إلى توجه مناهض لمرشد الجمهورية الإيرانية، ومن المفارقات في التاريخ الإيراني المعاصر أن المنظمة كانت مناصرة للثورة الإسلامية ثم أصبحت مناهضة لها ومتهمة إياها بالفاشية الدينية والوقوف ضد الحريات، ثم انتقلت إلى فرنسا وألبانيا، ومن هناك بدأت في التنسيق مع الغرب لمناهضة النظام الحالي.
الواقع أن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية تأسست عام 1965 علی يد محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وعلي أصغر بديع زادکان، وكانت في البداية ذات ملامح إسلامية، إلا أنها كانت تبث أفكارا تقدمية كانت شائعة في دول العالم الثالث، ذاع صيتها في عهد الدكتور محمد مصدق، ثم أصبحت أحد أعضاء حركة التحرير التي كان يقودها آية الله محمود طالقاني، وكان لأعضاء خلق نشاط سياسي كبير في أثناء حكم الشاه محمد رضا بهلوي، سعياَ إلى اتباع نظام سياسي ديمقراطي حر يفرض سيادة الشعب على سلطة الشاه.
ويعتبر الكثيرون أن خلق الإيرانية هي منظمة حملت راية النضال والتحرر الإسلامي واتخذت “فضّل الله المجاهدين علی القاعدين أجراً عظيماً” شعارا لها، وكان أول قتيل في منظمة مجاهدي خلق هو أحمد رضائي الذى قتل على يد المخابرات الإيرانية في عهد الشاه “السافاك” في يناير من العام 1971م.
عانى أعضاء مجاهدي خلق في عهد الشاه من اضطهاده لهم نظراَ لإعلانهم الدائم عن تمسكهم بالمعتقدات الإسلامية فكانت لهم شعبية كبيرة في الشارع الإيراني بكل طوائفة من طلاب جامعات ورجال دين تقدميين وطلاب الحوزات مروراَ بالبازارات وصولا إلى المثقفين المتدينين، فكانت مجاهدي خلق هي رأس حربة للمعارضة ضد النظام، بل إنها حظيت بدعم كبير حتى أصبح الانضمام لها فخرا كبيرا، لدى بعض الأوساط.
الثورة الإيرانية
كما لعب أعضاء مجاهدي خلق دورا قويا كأقوی تيار سياسي واجتماعي خلال الفترة التي سبقت الثورة الإيرانية وإسقاط نظام الشاه، وبعد الثورة الإسلامية في إيران حمل نظام ولاية الفقيه فى يونيو 1981، مجاهدي خلق مسؤولية استهداف مقر الحزب الجمهورى بقنبلة ما خلف 74 قتيلا بينهم المسئول الثانى في النظام آية الله محمد بهشتى، وأعلن النظام أن المنظمة خارجة عن القانون.
وانتهى الأمر بطرد أعضاء المنظمة من إيران إلى أنحاء مختلفة في العالم خاصة فرنسا حيث استقروا في أوفير – سور – واز قرب باريس مع زعيمهم مسعود رجوي الذى أسس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في 1981، ثم ما لبث أن طرد مسعود رجوي من فرنسا، في ظل سياسة تقارب إيراني ـ فرنسي فتمركزوا في العراق خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية، وقاتلوا إلى جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ما كان فرصة لنظام الملالي لوصفهم بالـ”خونة”، ولا يزال يستخدم هذا الوصف حتى اليوم، وبعد انتهاء الحرب مع العراق تلك التي استمرت حتى 1988 شنت المنظمة هجوماَ عسكرياَ على إيران من خلال ذراعها المسلحة والتى عرفت باسم “جيش التحرير الوطني لإيران” واستطاعت السيطرة على مدن حدودية إلا أن القوات الإيرانية أخرجتها من تلك المناطق.
وتبنت الذراع المسلحة لمجاهدي “جيش التحرير الوطنى لايران” عمليات عدة في إيران وخاصة هجمات فى 1993 استهدفت أنابيب نفط ومسجد الإمام الخميني قرب طهران. كما نسبت إليها عشرات الوقائع، وفي 1993م ترأست مريم رجوي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، إلا أنه تم توقيفها في فرنسا مع 160 شخصا آخرين، ثم أفرج عنهم بعد احتجاجات لأنصارها استمرت أسبوعين وتخللها إحراق شخصين نفسيهما، وأجرى تحقيق قضائي واسع على خلفية شبهات بأنشطة إرهابية.
بعد سقوط نظام صدام حسين فى 2003، نُزع سلاح أعضاء خلق وتم جمعهم في معسكر أشرف شمال شرقي بغداد، وفي فبراير 2012 وافقوا على مغادرة المعسكر للإقامة قرب بغداد، قبل أن يغادروا العراق إلى ألبانيا بناء على طلب السلطات الأمريكية والأمم المتحدة فتم ذلك فى مايو 2013.
مجاهدي خلق على لائحة الإرهاب
واستطاع قياديو خلق إقناع أوروبا بشطبهم فى يناير 2009 من قائمة الاتحاد الأوروبى للمنظمات الإرهابية، بعد ما أدرجوا عليها منذ مايو 2002، على خلفية تفاهمات بين بروكسل وحكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وتبعتها الولايات المتحدة في الخطوة نفسها فى سبتمبر 2012، وهو الأمر الذي صب في مصلحة النظام الإيراني بالدرجة الأولى.
في 2015 هاجمت مريم رجوي الاتفاق الذي توصلت إليه القوى الكبرى مع إيران حول برنامجها النووي، واتهمت المجتمع الدولي بـ”التساهل” مع إيران في موضوع عقوبة الإعدام، كما تحتج الحكومة الإيرانية لدى فرنسا في كل عام على التجمع السنوي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس الذي تعتبره طهران أن “يديه ملطخة بدماء الشعب الإيراني”.
ويبرز تنظيم مجاهدي خلق كل مساوئ النظام الإيراني الحالي والمعتمد على الدكتاتورية وكبت الحريات والتصفية الجسدية والمحاصرة المعنوية للمعارضين له خاصة أن مجاهدي خلق يحاولون إثارة الداخل من منفاهم في الخارج وهو ما يعود بالسلب على الحركة نفسها إذ يعطي فرصة للنظام بتشوية صورتهم وإبراز أنهم يسعون لتركيع إيران أمام الولايات المتحدة وهو ما يعد نقطة مهمة تثير الكثير من الحساسية لدى الشخصية الإيرانية حيث يعتمد النظام الإيراني على إثارة القومية والنزعة الفارسية.
وقد دأبت حركة فتح على تدريب عناصر المنظمة في مخيماتها وقواعدها في لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي، وبعد الثورة الإيرانية شارك أعضاء من فتح يقيمون في العراق مع مسلحي المنظمة في معارك خلال الحرب على إيران، أبرزها معركة “الثريا” التي مكنت المنظمة من السيطرة على بلدة مِهران الإيرانية خلال الأسابيع الأخيرة قبل انتهاء الحرب عام 1988.
وتعقد مجاهدي خلق اجتماعا سنويا لأنصارها في باريس كل عام وفي خلال المؤتمر الأخير للمنظمة صرح الدكتور سنابرق زاهدي، رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، خلال المؤتمر السنوى العام للمقاومة الإيرانية أن منظمة مجاهدي خلق لديها خارطة طريق لإسقاط النظام الايراني، تتمثل في “توسيع معاقل الانتفاضة” في أنحاء إيران، وتشكيل مجالس للمقاومة في الداخل، وترجع أهمية مؤتمر هذا العام إلى أنه الاجتماع التالي لاندلاع الانتفاضة الشعبية الإيرانية فى ديسمبر 2017، بالإضافة إلى انتهاء سياسة المهادنة والمداهنة الغربية حيال النظام الإيراني، فضلا عن بدء طور جديد من نشاطات المقاومة الإيرانية بعد انتقال مجاهدي خلق من العراق إلى ألبانيا.