على الرغم من أن التوتر الحدودي الروسي ــ الأوكراني ليس بالأمر الجديد؛ إلا أن الأحداث الأخيرة جذبت عيون العالم نحوه، خاصة بعد أن حشدت روسيا مئة ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا بشكل أوحى بأن الكرملين يستعد للهجوم في أي لحظة، وقد تزامن ذلك مع تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية بالتصدي لأي هجوم على أوكرانيا.
شأنها شأن سائر بلاد العالم تتابع إيران وضع جارتها وحليفتها روسيا عن كثب، بل واتخذت موقفا ضمنيا مساندا لروسيا من خلال تصريحات رسمية في هذا الصدد، حتى بعد أن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فصل إقليمين مهمين عن أوكرانيا واعترف باستقلالهما.
موقف إيراني رسمي
في صباح الثلاثاء 22 فبراير الراهن أي صبيحة اليوم التالي لاعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال منطقتي “دونيتسك” ولوهانسك” عن أوكرانيا، قال سعيد خطيب زاده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن “إيران تدعو جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس، وتعتقد أنه ينبغي تجنب أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات”.
فُهم من تلك التصريحات الرسمية أن طهران تدعم قرار الرئيس بوتين وتستهدف تثبيت الموقف الراهن الذي خرجت منه روسيا منتصرة على أوكرانيا ومن ورائها حلف شمال الأطلسي “الناتو” من دون الدخول في الحرب.
للبرهنة على ذلك يمكن ذكر التصريح الدال للخارجية الإيرانية التي قالت فيه: “تدخلات الناتو واستفزازاته، بقيادة الولايات المتحدة، أدت إلى تعقيد الوضع في المنطقة”، ما يعني أمرين.
أولا: أن إيران ألقت رسميا باللائمة على الغرب.
ثانيا: أن إيران ألقت بثقلها كاملا خلف الموقف الروسي الذي دانته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي.
هل سيتم حل الأزمة؟
قدمت العديد من المحاولات منذ بداية الأزمة لحل النزاع بين البلدين والذي دائماً ما كان يفضي إلى الفشل، فبعدما فشل كل من البلدين في تنفيذ اتفاقية “منيسك 1” والتي كان يجب بمقتضاها وقف إطلاق النار تم إبرام اتفاقية “مينسك 2” والتي كانت إكمالاً لسابقتها في قمة “نورماندي”.
اقرأ أيضا:
وكانت كل من ألمانيا وفرنسا أطرافاً بها بجانب البلدين المتنازعين لحل النزاع، وبموجبها كان من المفترض وقف إطلاق النار وانسحاب القوات العسكرية من بعض المناطق الأمنية، وأن تضمن روسيا لأوكرانيا السيطرة على حدودها بحلول نهاية عام 2015 لكن تم الإخلال بها.
وفي محاولة آخرى لقمة النورماندي في عام 2019 تم بالفعل العمل بالاتفاقية وتم إيقاف إطلاق النار مدة 7 أشهر وللمرة الأخيرة تم الإخلال بالاتفاقية بسبب القوات الانفصالية المدعومة من روسيا.
مؤخرا بعد إعلان أوكرانيا عن رغبتها في الانضمام لحلف الناتو، وحشد روسيا آلاف الجنود على الحدود بينها وبين أوكرانيا تحت ذريعة القيام بتدريبات عسكرية، وتدخل واشنطن في الصراع داعمة أوكرانيا في موقفها هذا إضافة إلى تهديدها لروسيا بفرض عقوبات عليها، هل سيتم حل النزاع بدون اللجوء إلى الحرب؟
اهتمت الصحافة الإيرانية كثيرا بتلك الأزمة وتناول المحللون الإيرانيون الموضوع بالشرح والرصد والوصف والتحليل، ويمكن مطالعة ما نشرته مريم جعفري في صحيفة “شرق” وقد ذكرت أن هناك أملا في حل النزاع من دون الحاجة للحرب هذا إن رغبت كل من أوروبا وأمريكا في ذلك.
وفي تحليل آخر نشر في وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية، وهو غير موقع من أحد كتابها، ذكرت الوكالة: “أنه لا يحق لأمريكا فرض أية عقوبات على روسيا. وبناءً على هذا يجب أن تقام مفاوضات لتناول الأزمة وحلها بشكل سلمي”، ما فهم منه أن المجتمع البحثي في إيران مال نحو الموقف الروسي ميلا كاملا، وهو ما يعبر كذلك عن وجهة النظر الدولة في المقام الأول.
أزمة الطاقة العالمية
تحتكر روسيا تصدير الغاز إلى كثير من دول الاتحاد الأوروبي وهي تصدر وحدها نحو 40% من إجمالي الغاز الوارد إلى أوروبا، ويعود هذا الاحتكار بالازدهار على أوكرانيا التي تعتمد على رسوم مرور الغاز عبر أراضيها لإنعاش اقتصادها.
اقرأ ايضا:
ومن المفترض أن يمكن مشروع “نورد استريم2” روسيا من إيصال الغاز مباشرة إلى ألمانيا من دون المرور بالأراضي الأوكرانية، ما سيؤثر بالسلب على كييف وبالإيجاب على موسكو.
تسببت الأحداث الراهنة في أزمة بالطاقة بسبب توقف إصدار روسيا للغاز، وقد تنبأت مقالة نشرها موقع “راديو فردا” بوصول سعر البرميل إلى ما يزيد عن 120 دولارا.
وتزامناً مع إقتراب نهاية مباحثات فيينا النووية الإيرانية تخيل يرى المحلل الإيراني، فريد صفري، أنه في حالة رفع العقوبات عن إيران ستزيد صادرات النفط الإيراني إلى 2,5 مليون برميل يومياً، وفي حالة تمكنت أمريكا من فرض عقوبات على روسيا فستتمكن إيران من احتكار سوق إمدادات الطاقة بدلاً من روسيا، وإن حدث هذا ستتمكن إيران من تعويض آثار عقوبات الاتفاق النووي؛ ما سينعش اقتصادها.
روسيا تتخذ أولى الخطوات
منذ بداية الأزمة الأوكرانية بدا واضحا أن كل التجهيزات التي تقوم بها روسيا بذريعة التدريب العسكري ما هى الا استعدادات للهجوم على أوكرانيا، وقد أنكرت روسيا هذا الأمر برمته.
وأمام قلق الجميع من رد فعل أوكرانيا ومع زياد احتمالية قيام حرب بين البلدين وتنفيذ أمريكا تهديدها بالدخول في حرب ضد روسيا رأت أقلام إيرانية متخصصة أنه من الجلي أن بوتين لن يتراجع عن مطالبه الأمنية التي تتمثل في الحد من توسع “الناتو” تجاه الشرق.
اقرأ أيضا:
على سبيل المثال: ذهب المحلل الإيراني الدكتور هادي آجيلي، في مقالة له بصحيفة “جام جم” إلى أن رغبة “بوتين” في ضمان عدم انضمام أوكرانيا للناتو ليس بدون سبب، وأن نتيجة هذا النزاع لن تعود بالخير على أوكرانيا وأنها أصبحت ساحة لعب خطيرة في النظام الدولي.
خاتمة
مما سبق يتضح أن إيران تراقب تطور أحداث الصراع الروسي ــ الأوكراني عن كثب، وهي في أولى خطواتها لمحاولة التدخل في الأزمة الأوكرانية بشكل سلمي أماطت اللثام عن انحيازها المطلق للجانب الروسي وانتقادها الشديد للغرب، بالرغم من أن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أجرى محادثة هاتفية مع نظيره الأوكراني، قال له فيها إن إيران مستعدة لاتخاذ أي مساعدة وإجراءات ضرورية لحل الأزمة سلميا، وهو ما يعني لكل ذي عينين أنه في حالة حدوث صدام عسكري ستتدخل طهران وتدعم حليفتها موسكو في مواجهة كييف.