دخلت الأحداث في العراق منعطفا خطيرا بعد التظاهرات التي شهدتها مدينة البصرة بالأيام الأخيرة، فضلا عن هجوم المتظاهرين على مقرات تابعة لأحزاب تعد أذرعا سياسية لقوات الحشد الشعبي الممولة من إيران، وهو ما يدفع إلى محاولة الإجابة عن السؤال المهم في هذا الظرف الراهن، وهو: هل تظاهرات العراق استياء شعبي أم محاولة لتقويض النفوذ الإيراني في هذا البلد العربي المهم؟! يجيب عن هذا السؤال خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب“.
استياء شعبي عام
تقديرا للموقف الراهن رأى الدكتور محمد مجاهد الزيات، عضو الهيئة الاكاديمية الاستشارية بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” أن تلك الأحداث تحتاج متابعة جيدة لمعرفة هل ما إذا كانت تعبر عن استياء شعبي لطبقات تعانى من الأزمة الاقتصادية أم لها أبعاد سياسية، موضحًا أن تلك المحافظات تعاني من إجراءات إيرانية أدت لنقص المياه والكهرباء ولكن ذلك يرتبط فى النهاية بمواقف سياسية يمكن أن تستثمر فى إطار محاصرة النفوذ الايراني.
ورأى الزيات أنه رغم كل ما يثار حول أن هناك تغيرا فى توجهات بعض الكتل والشخصيات العراقية مثل مقتضى الصدر، إلا أن الواقع والمتابعة الدقيقة تؤكد أن إيران لن تسمح بأن تأتى حكومة لا تتفق تماما معها وما يجرى الآن هو صياغة كتلة أغلبية لا تتجاوز الإطار المذهبى السابق، وأن أي حديث عن دور عربي مؤثر في العراق خلال المرحلة القادمة يحتاج إلى فحص وتقدير في الوقت الذي لا يوجد له أي ملامح مؤثرة.
وقال الزيات إن العراق سيكون مجال المواجهة مع أمريكا ليس عسكريا، ولكنه سيكون نافذة الاختراق للعقوبات، وبالتالى سيكون تشكيل الحكومة الجديدة نوعا من أنواع استعراض القوة وتأكيد النفوذ الإيرانى.
المظاهرات بدفع إيراني
في زاوية أخرى قال ناظم الجبوري، عضو مجلس خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” أن أيادي الأجهزة الإيرانية في العراق هي التي أججت الوضع من أجل إرسال رسالة أنها تستطيع أن تؤثر على إنتاج النفط في المنطقة وتؤثر على الكميات المنتجة ولكن سرعان ما انقلبت هذه المظاهرات ضدها كون أغلب العراقيين يعلمون أن كل ما حدث للعراق من أزمات هو بسبب السيطرة التي تفرضها الحكومة على الساسة العراقيين وتمنع محاسبتهم أو تغييرهم دون أن تعي مصلحة الطائفة الشيعية؛ لأنها فقط تعرف مصالحها.
ونوه الجبوري إلى أن كثرة الأزمات وتمادي الساسة في الفساد وعدم تقديم الخدمات أدى كله في النهاية إلى انتفاضة جماهيرية ضد الحكومة العراقية وأكثر ما يميزها هذه المرة أنها ترفع شعارات ضد إيران وغلقت بعض المنافذ الحدودية مع إيران ومن نتائجها أن أوفدت الحكومة العراقية وزير الكهرباء إلى المملكة العربية السعودية لغرض المساعدة في حل أزمة الطاقة وهي العصب الحيوي لاستمرار الحياة ومحاولة التقليل من الاعتماد على إيران لما تفرضه المرحلة القادمة والعقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على تلك البلاد، وهي فرصة ثمينة كي تتخلص الحكومة العراقية من القيود التي تفرضها إيران عليها من خلال أذرعها المسلحة داخل العراق وبانتظار ما تسفر عنه نتائج هذه التظاهرات.
التموضع الإيراني في العراق
ويرى أحمد فارق الباحث في الشؤون الإيرانية بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية أن المظاهرات الحادثة الآن في العراق نابعة عن استياء شعبي من تردي الأوضاع في محافظة البصرة تحديدًا، ولذلك تم الهجوم على مقرات للأحزاب الموالية لإيران بشكل أو بآخر، خاصة أن إيران هي الأخرى أوقفت تصدير الكهرباء منذ فترة بسبب الضغط المفروض على شبكة الكهرباء المحلية ومحاولة سد العجز الحاصل لديها.
وأضاف أن النفوذ الإيراني في العراق أصبح بالضخامة التي لا يمكن نزعها بسهولة خلال فترة زمنية قليلة ومن خلال بعض الاحتجاجات الفئوية، مضيفا أن فراغا كبيرا ينشأ الآن في السلطة نتيجة انتهاء الدورة القانونية للبرلمان، كما أن رئيس الوزراء مكلف بتسيير الأعمال، هذا إلى جانب موضوع التحالفات المتغيرة والاتجاه نحو تشكيل حكومة أقلية في ظل توافق عدد من الكتل صاحبة المقاعد الأقل في البرلمان.
المحصلة أنه على الرغم من عدم مساهمات إيران في محاولات إعادة إعمار العراق بعد القضاء شبه النهائي على تنظيم داعش وكسب أسواق لها في العراق، إلا أنها تظل لاعبًا أساسيًا في الملف.