اكتسب مضيق هرمز أهمية كبيرة في خلال القرون الماضية، فالنفط والموقع الجغرافي الاستراتيجي قد أضفى عليه أهمية فائقة أخرى خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية المرتبطة معه في السنوات الماضية على حد تعبير خبراء الطاقة، ويعد ممرا دوليا للنفط يربط منطقة تمتلك أكبر إنتاج للنفط في العالم بالأسواق العالمية وأكبر احتياطي بحيث أصبح المنفذ لمرور ناقلات النفط إلى سائر أرجاء العالم.
على هذا الاعتبار فإن مصالح العديد من دول العالم وعلى اختلاف أحجامها وأوزانها الدولية ونظمها السياسية ومواقعها الجغرافية ومستوياتها الاقتصادية ترتبط بهذه النقطة الاستراتيجية التي تربط الخليج العربي بالمحيط الهندي برغم التباينات في درجات المصالح المرتبطة بهذا المضيق فهي توصف عامة بأنها حيوية ومهمة وتكفي الإشارة إلى أنه في عام 1978 شهد المضيق مرور ثلثي احتياجات العالم من النفط.
جعلت المكانة التي تمثلها المنطقة في إنتاج النفط والذي يمر أغلبه عبر المضيق منه ممرا استراتيجيا بكل المقاييس، ويعد مضيق هرمز من أكثر الممرات في العالم كثافة في حركة الناقلات والبواخر التي تحمل النفط، ولم تكن كل صيغ التعامل الأمني مع المنطقة تكفي لدرء الأخطار المحتملة التأثير على جريان النفط عبر المضيق.
لهذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتواجد بشكل مباشر على شكل قوات حماية، بالقرب من المضيق وأحكمت سيطرتها ليس عليه فحسب؛ وإنما على النفط ذاته ولمضيق هرمز أهمية اقتصادية للولايات المتحدة الأمريكة وأوروبا الغربية، فمع حلول الثمانينيات وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ما زالت معتمدة على النفط المستورد خاصة نفط الخليج العربي.
وقد استمر هذا الوضع منذ أكثرمن 15 عاما إلا أنه ومنذ زمن قريب نسبيا وعلى سبيل المثال في عام 1973 وقبل اندلاع الحرب العربية ــ الإسرائيلية كان الشعب الأمريكي قد استكان إلى تأكيد وسائل الإعلام الأمريكية بأن الولايات المتحدة لا تعتمد على نفط المنطقة إلا في حدود أقل من 3% من استهلاكها وبالطبع فإن الحقيقة التي أبرزتها الحرب دلت على عدم مصداقية تلك المقولة إذ وصلت الواردات في ذلك الوقت إلى ما يقارب 10% من اقتصاد الولايات المتحدة.
تؤكد تلك الحقيقة مجلة فورتشون الأمريكية في مقال عام 1973 تحت عنوان (تهديد نقطة الاختناق) بقولها: “إن العواقب ستكون مخيفة بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إذا ما انقطع تدفق نفط الشرق الأوسط خاصة السعودية، فأكثر من نصف استهلاك أوربا من النفط الخام و85% من استهلاك اليابان يأتي من السعودية وعمان والإمارات وقطر وإيران والكويت والعراق والبحرين.
يشكل النفط المستورد نسبة 18% من واردات الولايات المتحدة الأمريكية كذلك لم يخفِ الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) تلك الأهمية بل وأكدها بقوله (مع التزايد السريع لواردات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط أصبح للخليج أهمية حيوية بالنسبة للبلاد وأيضا بالنسبة لحلفائها.
وقد ذهب إلى أبعد من ذلك بالتهديد بمقاطعة البلدان التي تلجأ إلى فرض حظر على واردات الولايات المتحدة الأمريكية من البترول بقوله: “إنني أعد هذا الفعل بمثابة إعلان حرب اقتصادية وسوف أتخذ الإجراءات اللازمة وسوف أفعل كل ما من شأنه منع وصول أي شيء إلى ذلك البلد المعلن الحظر على ما يصل إليه من الولايات المتحدة الأمريكية (لا أسلحة ولا قطع غيار ولا أجهزة للتنقيب عن البترول ولا أنابيب لخطوطه ولا شيء مطلقا).
وقد عزمت الولايات المتحدة على تطوير قوة التدخل السريع في منطقة الخليج العربـي والمناطق المتاخمة له في حالة الطوارئ وذلك لربط تلك المنطقة أمنيا بها، لذلك جهزت القـوة بأسـلحة متطورة، وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها أن احتمال تعرض ناقلات النفط عبر مـضيق هرمز لهجومات تخريبية تعرقل وصول الإمدادات النفطية للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية.
في نهاية عام 1991 عد الخليج العربي منطقة نفوذ أمريكية تبعاً لموقعه وثرواته ولكي تحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على هيبتها ومصالحها فيه أقامت الكثير من القواعد العسكرية به، وأخذت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن وجود عسكري أمريكي في المنطقة وشكلت الأسطول الخامس في عام 1995 وارتبط ذلك بنجاح الولايات المتحدة الأمريكية في الحصول على موقف تأييدي واضح من بعض دول المنطقة.
فضلا عن ذلك تشير الخبرات السابقة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بأية محاولة من قبل أي جهة محلية أو دولية للهيمنة على المخزون النفطي في الخليج العربي، فقد تحول الخليج العربي إلى ما وصفته الأوساط الأمريكية بـ”مصلحة قومية للولايات المتحدة الأمريكية” وأصبحت هذه المنطقة بحيرة عسكرية أمريكية تزج فيها قواتها متى تشاء لحماية مصالحها وضمان تدفق النفط إليها وبالتالي ضمان الهيمنة على منابع النفط بهدف توجيه وإدارة الاقتصاد العالمي ضمن أهدافها واستراتيجياتها.
تؤكد إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن إمدادات النفط عبر مضيق هرمز تشكل نحو (40%) من إجمالي المعروض النفطي المتداول عالميا، ويتذبذب الرقم مع تغير إنتاج أوبك، وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن (13.4) مليون برميل يومياً من النفط الخام تعبر الممر المائي على ظهر الناقلات نزولاً من (16 إلى 17) مليون برميل يوميا قبل جولة من تخفيضات إنتاج أوبك ويجري تصدير مليوني برميل إضافية من المشتقات النفطية مثل زيت الوقود عبر المضيق يوميا فضلا عن الغاز الطبيعي المسال، كما تمر صادرات قطر أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم عبر المضيق في طريقها إلى أسيا وأوروبا، وتبلغ هذه الشحنات (31) مليون طن سنوياً و(90%) من صادرات نفط دول الخليج تنقل على ظهر ناقلات النفط عبر المضيق.