تتسم إيران بخصائص جيو ـ استراتيجية تنبع من موقعها الجغرافي وقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ويمثل الجوار العربي المجال الحيوي لمصالحها وسياساتها، ومن ثم فإن أية متغيرات وتحولات تشهدها المنطقة العربية، لابد وأن تشكل أهمية كبيرة لصانع القرار الإيراني خاصة بالنظر لما يجب أن تكون عليه موازين القوى الإقليمية، وبالتإلى يُعد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط من أبرز التحولات السياسية الإقليمية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة لاسيما في ضوء تداخله مع البعد الدولي الخاص بالعلاقة مع القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والتي تؤثر بالضرورة على مُقدرات العديد من القوى الإقليمية الأخرى.
ويمكن القول إن العقود الأخيرة شهدت العديد من الأحداث التي مهدت للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ومنها اندلاع الحرب الأهلية في لبنان الذي أتاح لإيران الفرصة لإنشاء ميليشيات موالية لها من الطائفة الشيعية، بالإضافة لسقوط الاتحاد السوفيتي الذي أدى لتغيير المشهد الدولي وقيام دول جديدة تحتاج لبناء علاقات جيدة مع إيران ولاسيما تلك التي تشترك معها بروابط ثقافية وتاريخية، كذلك احتلال العراق الذي أتاح لها فرص التمدد والتوسع في السيطرة على مقدرات الدولة العراقية، ومؤخراً اندلاع ثورات الربيع العربي في الدول العربية ما أتاح لإيران موطئ قدم في الدولة السورية على سبيل المثال وكذلك في ليبيا.
”
كما لا ينبغي إغفال عوامل محركة للسياسة الإيرانية أبرزها الرغبة في توظيف أنظمة وحركات موالية لها في المنطقة ما أكسبها أوراق تفاوضية إضافية وعزز موقفها في أي صفقة سياسية محتملة أو قائمة بالإضافة لسعي إيران إلى منافسة احتمالات بروز أي طرف عربي قوي في المحيط الإقليمي.
“
من ثم تسعي هذه الورقة إلى تناول أبعاد ومحاور النفوذ الإيراني المتغلغل بدرجات متفاوتة في العديد من الدول العربية والملفات الإقليمية المطروحة على الساحة، والتركيز بصفة خاصة على آفاق التعاون بين مصر وإيران كنموذج لعلاقة إيران بدول المنطقة في ضوء الدور الذي تلعبه على الساحة الإقليمية.
ويجدر قبل إلقاء نظرة عامة على محاور الدور الإيراني في المنطقة التطرق في البداية إلى المرتكزات المحورية التي تستند إليها السياسة الخارجية الإيرانية.
أولا: محددات السياسة الخارجية الإيرانية
ترتكز السياسة الخارجية الإيرانية على عدد من المحددات أو الأبعاد الحاكمة لعملية صنع القرار والتمهيد له واتخاذه، وهي محددات ضرورية لسبر سياسات طهران في محيطيها الإقليمي والدولي إذ إنها حاكمة وشارحة لطبيعة توجهات الدولة إزاء دوار العمل الخارجية لديها. ويمكن تلخيصها فيما يلي:
ــ البعد السيكولوجي الخاص بمعتقدات مستمدة من خلفية تاريخية عريقة للدولة الإيرانية تتصل بالاعتقاد بانتماء إيران عرقياً إلى السلالة الآرية والتي تُعد من أعرق السلالات البشرية.[1]
ــ بعد المرجعية الأيديولوجية الذي لا تقتصر على البعد الطائفي المذهبي وإنما يمتد إلى البعدين الوطني والقومي.
ــ بعد التركيبة الإثنية المتنوعة للمجتمع الإيراني.
ــ المحدد الإقليمي والدولي المرتبط بمصالح وسياسات القوى الإقليمية الفاعلة والدول الكبرى.
ــ المحدد الأمني الذي يحكمه البعد الديني من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة العلاقات الإيرانية مع القوى الكبرى وباقي الدول في إقليم الشرق الأوسط.
من ثم تستند إيران إلى أسس ثابتة تعتمد عليها في توجهاتها نحو الجوار الإقليمي.
ثانيا: محاور الدور الإيراني في المنطقة
ــ القضية الفلسطينية إذ بادرت إيران ـ في ضوء مركزية القضية الفلسطينية في العالم الإسلامي – إلى التواصل مع الحركات الفلسطينية التي رفضت اتفاقية أوسلو، وقدمت لها أشكالا من الدعم، في الوقت الذي عانت فيه هذه الحركات من تهميش بعض الحكومات العربية ما أتاح لإيران الظهور بمظهر المساند للقضية الفلسطينية.
ــ لبنان إذ اخترقت إيران النظام عبر التمويل والتسليح المقدم لحزب الله، ويمكن القول إنه بهيمنة إيران على الحزب أصبحت تشكل جزءاً محورياً في صنع القرار اللبناني.
ــ ليبيا، تشير العديد من التقارير إلى الدور الخفي الذي تلعبه طهران في دعم مليشيات حكومة الوفاق الليبية لخدمة مصالح تركيا منذ عدة سنوات، وذلك في ضوء التنسيق بين نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والنظام الإيراني فيما يخص التحايل على العقوبات الدولية، حيث كانت إحدى خدمات طهران لأنقرة توفير سفن للشحن غير القانوني للأسلحة من تركيا وبلغاريا والسودان إلى مصراتة، واتصالاً بذلك اتهمت المعارضة الإيرانية طهران بالتورط في إمداد أسلحة لمليشيات إرهابية في ليبيا لخدمة مصالح حليفتيها قطر وتركيا.
على سبيل المثال قيام سفينة “شهر كرد” العابرة للمحيطات بإدخال شحنة من الصواريخ قصيرة المدى في ميناء مصراتة، بالإضافة إلى إرسال إيران مستشارين عسكريين كذلك إلى طرابلس بهدف تدريب عناصر المليشيات هناك على استخدام الصواريخ.[2]
بوجه عام يمكن القول إن منع فوز خصومها الإقليميين في ساحة صراع جديدة، يُعد المصلحة الأولى لطهران في ليبيا[3] كما أن التموضع الإيراني في ليبيا يتماهى مع الدورين القطري والتركي في مواجهة مواقف دول الرباعي العربي السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جانب، فضلاً عن كون ليبيا ساحة مفتوحة للتمدد وبسط النفوذ ليس في شمالي إفريقيا فقط، بل في دول جوار إيران من جهة الجنوب بمنطقة الساحل والصحراء والقارة الإفريقية بشكل عام.
فالدور الإيراني في ليبيا بمثابة حلقة من حلقات النفوذ الإيراني الممتد في دول الجوار العربي والإسلامي، سعياً من جانبها لدعم مصالحها السياسية وامتدادها الاستراتيجي، وفي ضوء ذلك يمكن فهم مراحل التغلغل الإيراني في ليبيا منذ عام 2011، وسعيها لاختراق الأقليات العرقية واستقطاب قادة الميليشيات، ودعمها بالسلاح ورصد التمويل لدعم الحركات الانفصالية>
“
ولا يمكن إغفال التنسيق مع النظام القطري في هذا الإطار، في ضوء تواتر تقارير عن تجنيد طهران مقاتلين من حزب الله وحماس للمشاركة في الحرب الليبية وتدريب المسلحين المحسوبين على تنظيم القاعدة في شرقي ليبيا.
“
وتشير تقارير عدة إلى إمكانية مساهمة سيطرة حفتر على ليبيا في تعزيز محور مصر والسعودية والإمارات على المستوى الإقليمي، ما يحدث تغييرات غير ملائمة للمشروع الإيراني وتصور إيران لما ينبغي أن تكون عليه موازين القوى، علاوة على حرص إيران على عدم استفادة أطراف دولية وعربية معينة من النفط الليبي، والمكاسب الخاصة بإعادة الإعمار.
ــ اليمن، ازداد تمدد النفوذ الإيراني في اليمن بعد ثورة فبراير 2011 نتيجة الفوضى السياسية وغياب دور الدولة، حيث يمثل اليمن منطقة نفوذ مهمة لإيران، فأحد العوامل الدافعة لتحجيم دور الحوثيين في اليمن يتعلق بحماية الموانئ اليمنية الغربية من أن تقع ضمن النفوذ الإيراني[4]، حيث نجد أن من أبرز الأدوات التى تنتهجها إيران فى اليمن تدعيم علاقتها بالحوثيين، وعلى سبيل المثال دعم إيران الإعلامى للحوثيين من خلال بث قناة المسيرة التلفزيونية التابعة لهم من بيروت، علاوة على استمرار الدعم الإيراني للحوثيين بمزيد من الصواريخ الباليستية والأسلحة، كما تجدد إيران استعدادها للمساهمة في إرسال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، وتطالب طهران المنظمات الدولية بالعمل على مساعدة اليمن من خلال جمعية الهلال الأحمر الإيرانية لإيصال المساعدات الإيرانية الى الشعب اليمني، وذلك بتنسيق كامل مع مؤسسات الإغاثة والإمداد التابعة للأمم المتحدة.
”
من جهة أخرى على المستوى الدبلوماسي الرسمي، يرى الرئيس الإيراني روحاني ضرورة تأييد المحادثات اليمنية اليمنية، ويؤكد على أنه لا خيار سوى نهج السلام والاستقرار، ولكن يُعبر الواقع عن تغلغل إيراني سافر يتناقض مع الانطباع السطحى المستمد من التصريحات الرسمية المعتادة.
“
ــ سوريا فيما يخص الأزمة السورية يتضح أن الخطاب الإيراني الرسمي يقوم على فكرة أن الاستقرار والأمن التام في سوريا بمثابة هدف إقليمى لإيران، ويؤكد الرئيس الإيراني على أن بلاده ليس لديها أي قوات نظامية في سوريا، وإنما مستشارون عسكريون فقط، مشيراً إلى أن أحد أغراض إيران على الأراضي السورية هو إلحاق الهزيمة التامة بالتنظيمات الإرهابية الناشطة فى هذا البلد، وفى هذا الإطار أبدى روحاني رضاه عن تحقيق إنجازات في محاربة الإرهاب في سوريا، مؤكداً أن التعاون مع روسيا وتركيا أفضى إلى تخفيف حدة التوتر فى إدلب والمنطقة عموما.
لكن الواقع يشير إلى أنه بعد اندلاع الثورة السورية، تدخلت إيران بصورة سافرة فى الصراع المسلح، وأرسلت عناصر من الحرس الثورى وفيلق القدس للقتال جنباً إلى جنب مع قوات النظام، وأخذت فى تأييد وجهة نظر النظام الرسمي السوري بأن ما حدث فى سوريا ليس ثورة شعبية، وبالتالي أدى وجود الميليشيات الموالية لإيران على الأراضي السورية إلى إحكام قبضتها على سوريا، وأصبح النظام السوري ساحة تسيطر عليها مصالح كل من إيران وروسيا.
ــ دول الخليج العربي إذ سعت إيران إلى السيطرة على الأقليات الشيعية في هذه الدول من خلال الدعم المالي، ومع اندلاع ثورات الربيع العربي استغلت هذه الثورات في تحريك الأقليات الشيعية مجدداً خاصة في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية، غير أنها فشلت في ذلك بسبب تماسك الدول الخليجية وضعف الخطاب الإيراني الموجه إلى هذه الدول إلى جانب التكاتف المجتمعي المصطف خلف حكوماته بها.
ــ العراق مارست إيران دوراً لا يستهان به على الساحة العراقية، وقد تجلى في أقوى مظاهره مع الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003 ومازال قائماً بالطبع حتى الآن، إذ استند الموقف الإيرانى من الأوضاع السياسية فى العراق على عدة مرتكزات أبرزها ضرورة تكوين حكومة عراقية صديقة أو غير معادية.[5]
واعتبرت إيران أن ما يحدث فى العراق ماساً بالأمن القومى الإيرانى المباشر نتيجة الحدود الجغرافية المشتركة علاوة على اعتقادها أن امتلاك النفوذ والتأثير داخل النظام السياسي للعراق الجديد يصب في صالح الدولة الإيرانية ويفيدها في مواجهة الطوق الأمريكى المحيط بها لاسيما كورقة تفاوضية في الملف النووي الإيراني.
بالتالى يتضح أن إيران تمتد وتتشعب كنفوذ سياسي ملحوظ ولافت في العديد من البلدان العربية، فكيف ينعكس ذلك على علاقتها بمصر كنموذج ـ فى ضوء ما سبق ـ خاصة في ظل الخلفية التاريخية للعلاقات المصرية ـ الإيرانية التى لا تخفى على المتابعين عبر العقود الماضية.
ثالثاً: تحديات العلاقات المصرية ـ الإيرانية وآفاق التعاون بين البلدين
تمتد العلاقات المصرية ـ الإيرانية إلى عمق التاريخ، ولقد شهد مسار العلاقات الثنائية بين الدولتين درجات متفاوتة من التقارب والتباعد عبر المراحل التاريخية المختلفة تبعاً للتغيرات التى طرأت على مستوى القيادة فى البلدين، ومنها: الأيديولوجية المتبناة من جانب النظام الحاكم، الحليف الدولي، طبيعة النظام السياسي، بالإضافة إلى أن رؤى الدولتين وسياستهما تتقاطع وتتصادم فى الكثير من القضايا الإقليمية الرئيسة مثل الأمن الإقليمى الخليجي، المشروعات الأمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، والنفوذ الإيرانى في العراق وأسلوب التعامل مع القضية الفلسطينية وباقى ملفات الصراع العربي ـ الإسرائيلي>
“
كذلك يوضح تأمل العلاقات بين مصر وإيران أنها لا تتأثر فقط في تطورها بالمتغيرات الداخلية في كل منهما، بل أيضاً بالمتغيرات الكامنة في البيئة الخارجية سواء على المستوى الدولي أو المستوى الإقليمي.
“
ومن ثم من المهم إلقاء الضوء على فرص التعاون والصدام بين مصر وإيران انطلاقاً من رؤية كل من الدولتين لأبرز القضايا الإقليمية وأسلوب التعامل معها، وإلى أى مدى يمكن أن تتقارب الدولتان في ضوء المعطيات الإقليمية والدولية الحالية، في مرحلة ما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.
أ ـ تحديات العلاقات المصرية ـ الايرانية
بداية يمكن القول إن هناك مجموعة من التحديات على المستوى السياسي تحكم مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، سواء على نحو صريح أو ضمني، فلا يشترط أن يتم الإعلان عنها أو ظهورها بشكل لافت، ولكنها تنتج أثرها الفعال الممتد في الغالب إلى المرحلة الحالية، وهي كما يلى:
ــ الدور الإيرانى فى العراق والمنطقة العربية بوجه عام، فقد أدى الدور الإيرانى المتزايد إلى إثارة حفيظة القيادة المصرية خاصة فى ضوء اختلاف منطلقات كل من الدولتين من حيث الميل إلى النهج الدبلوماسي (مصر) على النقيض من إيران التى تتدخل على نحو مباشر. ويعد العراق من أبرز الأمثلة في هذا الصدد الذي يوضح التباين في المواقف والنهج السياسي لكل من مصر وإيران.
ــ الموقف الإيرانى الداعم للمقاومة الفلسطينية، في مقابل الموقف المصري القائم على المفاوضات والتنسيق بين أطراف الصراع في إطار السلطة الفلسطينية الشرعية.
ــ رفض إيران أو تحفظها على مشاركة مصر في ترتيبات الأمن الإقليمي الخليجي، بينما يتضح أن أحد أهم المعادلات المصرية الرئيسة في لإدارة التوازنات الإقليمية تتمثل في الحفاظ على أوضاع المنطقة الراهنة وقواها من دون أي إخلال بها، بمعنى الحفاظ على القوى القائمة من دون حدوث اضطرابات، فمصر تُعد من جانبها بمثابة قوة إقليمية مؤهلة للمشاركة في ترتيبات أمن الخليج حماية لمصالحها ووفاء بالتزاماتها حيال أشقائها العرب بدون نزعات توسعية.
ــ إشكالية التنافس على الدور الإقليمى واعتبار مصر أن مثلث إيران ـ سوريا ـ حزب الله يُمثل الطرف الراديكالي في منطقة الشرق الأوسط، ويتفاقم تأثير قضية التنافس بين البلدين في ضوء تداخل دوائر المصالح واتساع دور الفاعلين السياسيين على الساحة الإقليمية ما لا يتفق مع المصالح المصرية في الأحوال كافة.
ــ العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة: فعلى الرغم من دعم إيران حركات المقاومة ورفض الولايات المتحدة سياسات إيران على المستوى الإقليمي والأنشطة النووية الإيرانية، يثور الحديث دوماً عن وجود تنسيق بين إيران والولايات المتحدة يتجاوز المعلن عنه فى وسائل الإعلام ما يثير تحفظ النظام المصري على مستوى العلاقات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، وكيف ينعكس ذلك على الوزن المصري في منطقة الشرق الأوسط. كذلك إذا ما تم الاقتصار ـ ولو من باب الافتراض ـ على الواجهة الرسمية لعلاقة كل من مصر وإيران بالولايات المتحدة، يُلاحَظ أن التناقض يبدو سافراً من حيث التزام مصر بالنهج الرسمي الدبلوماسي الخالي من النزعة الناقدة المتشددة على النقيض من إيران.
ــ موقف مصر من البرنامج النووى الإيراني: تنطلق الرؤية المصرية للبرنامج النووي الإيراني من حرص مصر على استقرار المنطقة، والتأكيد على ضرورة وفاء إيران بالتزاماتها الكاملة، وفقاً لمعاهدة عدم الانتشار النووي واتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يضمن استمرار وضعيتها كدولة غير حائزة للسلاح النووي طرف بالمعاهدة، ويعزز من فرص إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعضد من السلام بالمنطقة.
ــ موقف إيران ومصر من أبرز القضايا الإقليمية والعلاقة مع الولايات المتحدة بعد 2011 ويمكن تلخيص تلك القضايا فيما يلي:
1 ـ الساحة العراقية: لا يرتقى الدور المصرى فى العراق إلى مرتبة النفوذ بكل معانيه وأشكاله وإنما يرتكز على محاور دبلوماسية وسياسية تهدف لدعم التعاون وجهود العراق على صعيد بناء الدولة وإعادة الإعمار، وعلى النقيض يُلاحظ استمرار إيران كفاعل رئيس ومحوري في العراق حيث يتغلغل نفوذها عبر عدة وسائل أبرزها إيصال حلفائها من الساسة الشيعة فى العراق إلى السلطة، والمليشيات المنضوية تحت لافتة الحشد الشعبى[6] بالإضافة للدور الاقتصادي والديني والاجتماعي الذي تمارسه إيران بالعراق، ويأتى ذلك في سياق حرص السلطة الإيرانية على استخدام الملف العراقي كورقة في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
2 ـ أمن الخليج: ترى القيادة المصرية أن حدود التحرك المصري في التعاطي مع أزمات المنطقة مرتهن بإمكانيات مصر وقدراتها التي تصطدم بحالة الانكشاف الاستراتيجي التى تخيم على المنطقة منذ عام 2011، لكن تبقى مصر الطرف الإقليمي الأكثر جاهزية لملء الفراغ الناجم عن التحول الجيو ـ استراتيجى الأمريكي المحتمل عن المنطقة صوب شرقي أسيا بفضل ما تحوزه مصر من مقومات ليس أقلها قدرة الجيش المصري على الاضطلاع بمقتضيات أمن الخليج.
“
وفي المقابل تعتبر إيران نفسها منذ ما قبل الثورة الإيرانية بمثابة شرطي الخليج وذلك على الرغم من تصريحاتها الدبلوماسية التي تؤكد على عدم وجود نظرة عدائية تجاه دور مصر في ترتيبات أمن الخليج، فالواقع أن إيران تؤمن بقدرتها على حماية أمن الخليج من دون الحاجة لمشاركة القوات الأجنبية والعربية الأخرى ومن ضمنها مصر.
“
3 ـ القضية السورية: يسود التفاهم النسبي بين مصر وبين إيران فيما يخص هذا الملف (حتى على حساب حلفاء مصر الخليجيين) فالقاهرة تدعم الرئيس السوري بشكل صريح (وهو حليف طهران التاريخي) فعلى سبيل المثال قامت مصر عام 2016 بالتصويت في مجلس الأمن لصالح قرار روسي خاص بسوريا، وتدعمه إيران بينما تعارضه المملكة العربية السعودية، ما تسبب في اعتراض الأخيرة، ومن ثم يمكن القول إن مجالات التنسيق السياسي متاحة في هذا الملف بين الدولتين.
4 ـ الملف الليبى: يرى بعض المتابعين للشأن الإيراني أن إيران ستستخدم الملف الليبي لتحسين علاقاتها مع دول مثل فرنسا ومصر والإمارات كورقة مقايضة فى البحث عن تسوية للأزمة السورية بالنظر إلى خريطة المصالح المتبادلة تلك التي فرضتها طبيعة التحالفات السياسية القائمة، لاسيما بعد تقارب وجهتي النظر الإماراتية المصرية مع طهران في الملف السوري من خلال دعم كل البلدين لنظام الأسد ـ كما سبقت الإشارة – فى استعادته لسيطرته على كامل سوريا وإعادة مقعد الدولة السورية في الجامعة العربية.
ب ـ آفاق التعاون بين مصر وبين إيران
بوجه عام ليس مطروحا في الوقت الحالى أولوية التنافس والصراع بين القاهرة وبين طهران، خاصة في ضوء مواجهة مصر للتهديد المزدوج من تركيا وقطر اللذين يدعمان المشروع الراديكالي في المنطقة، ومن ثم تتراجع أولوية مواجهة الخطر الإيراني بالنسبة لمصر ومن ناحية أخرى بالنظر للمؤشرات الدالة على حدوث التقارب بين الدولتين، يتضح أنها تتغير دوما ما بين الصعود والهبوط. على سبيل المثال لا الحصر: يتجلى ذلك الموقف فى التصريحات السياسية المصرية تجاه إيران، ففى تصريح للرئيس السيسي خلال نوفمبر 2017، أشار إلى معارضته توجيه ضربات عسكرية لإيران أو حزب الله منعاً لزيادة الاضطرابات في المنطقة، ولكن في أكتوبر من العام المشار إليه، نفى الرئيس المصري في حوار مع قناة فرانس 24 وجود علاقة مع إيران، وقال إن العلاقات مقطوعة منذ قرابة أربعين عاماً قبل أن يستدرك قائلاً: “إن مصر تسعى لتخفيف التوتر الموجود وضمان أمن الأشقاء العرب في الخليج”، وبالتالي فهم من كلام الرئيس السيسي أن مصر تسعى إلى أن تنتهج إيران سياسة معتدلة ولا يكون ذلك على حساب دول الخليج.
“
وبالتالي يمكن القول إنه على الرغم من عدم وجود مناخ سياسي يسمح بعودة العلاقات على المستوى الاستراتيجي بين مصر وبين إيران، لكن يرى بعض المحللين أنه يمكن أن تساهم مصر فى الوساطة بين الخليج وبين إيران شريطة أن تقبل ذلك كل من السعودية وإيران.
“
وعلى الرغم من حديث العديد من المعلقين على الشأن الإيراني والعلاقات المصرية ـ الإيرانية عن ضرورة اتخاذ ترتيبات اقتصادية تعاونية دبلوماسية بين البلدين عن طريق دعم اللقاءات بين المثقفين ورجال الأعمال المصريين والإيرانيين، وإنشاء مركز ثقافي لدعم التقارب بين شباب البلدين، لكن ينبغى عدم إغفال نقطة في غاية الأهمية عند النظر إلى مسار تطور العلاقات المصرية ـ الإيرانية وهى تبعية العلاقات الاقتصادية والثقافية لمستوى وطبيعة العلاقات السياسية بين النظامين وليس العكس، فإعطاء دفعة قوية على المستوى الرسمي ستكون بمثابة قوة دافعة لتفعيل كل أبعاد العلاقات الثنائية فيما بينهما.
علاوة على ذلك يُلاحظ أن موقف مصر من إيران يرتهن بسلوك الأخيرة في العديد من القضايا الإقليمية والذي لا يُتوقع تغييره فقط لتحسين علاقة مع دولة عربية حتى ولو كانت في حجم الدولة المصرية وتأثيرها، خاصة إذا ما كان توجه السياسة الخارجية الإيرانية يهدف إلى صالح الدولة بالأساس ودعم نفوذها الإقليمي.
بالتالي لا يمكن التكهن بشكل مطلق ـ في ضوء المعطيات الحالية ـ بمدى إمكانية حدوث التحول النوعي في العلاقات المصرية ـ الإيرانية وذلك في ظل التغير الدائم في مؤشر التحالفات والظروف الدولية والإقليمية وما يطرأ من تطورات على أنماط العلاقات الدولية ومساراتها بصفة عامة وإن كان النفوذ الإيرانى مرشح للاستمرار كقوة فاعلة في المستقبل على الرغم من كل الضغوط الدولية والمواقف الإقليمية التي تتأرجح بين الاعتراض والقبول وفقاً لاعتبارات المصلحة الوطنية لكل دولة من دول النظام الإقليمي العربي.
ـــــــــــــــــــــ
[1] مستقبل النفوذ الإيراني فى منطقة الشرق الأوسط فى ظل العقوبات الأمريكية، موقع دورية “رؤية تركية”، السنة 8، العدد 2، 9 مايو 2019. رابط: https://bit.ly/38XzvV7
[2] حسين عبد الراضى، إيران والصراع الليبي مخاطر التسلل المرن إلى المتوسط، موقع المرصد المصرى، 26 يونيو 2020، الرابط: https://bit.ly/2ZvMlqs
[3] بهاء الدين عياد، استنساخ السيناريو السورى يثير التساؤلات حول موقع إيران في ليبيا، موقع اندبندنت عربية، الاربعاء 3 يونيو 2020، الرابط: https://bit.ly/3j3YQBj
[4] محمد عبد الهادي، أدوات النفوذ الإيراني والوجود التركي وانعكاسهما على الاستقرار السياسي في اليمن، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات، 4 ديسمبر 2019، الرابط: https://bit.ly/2B0Vb66
[5] سالى نبيل شعراوى، العلاقات المصرية ـ الإيرانية بعد الاحنلال الأمريكى للعراق، العربى للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، ص107.
[6] سالي نبيل شعراوي، مرجع سابق، ص215.