في إيران لا يمر أسبوع من دون أن تشهد البلاد حدثا جللا يثير الرأي العام، ويحتل مكانته على مقدمة مناقشات الأوساط السياسية، وهو الأمر الذي يمثل علامة على أن المجتمع الإيراني يشهد فى الوقت الحالي الكثير من التوترات، نتيجة تسارع عجلة الأحداث، وتوالي الأزمات الداخلية والخارجية على حد سواء.
فسوء الإدارة الاقتصادية والفساد المالي بالدولة، كانا سببًا واضحًا لإثارة حالة الغضب والرفض المجتمعي للنظام، فضلا عن أزمة ارتفاع الأسعار وتدهور الحياة المعيشية وركود الاقتصاد، خاصة أن الاقتصاد الإيراني اليوم يعاني من حالة ركود شديدة نتيجة العقوبات الأمريكية وتورط بعض نخب التيارات السياسية والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والعسكرية في قضايا فساد ضخمة، وفقا للصحف الإيرانية.
لكن هل ستقف الأزمات عند هذا الحد؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تبدو واضحة المعالم، فبعد أزمة المنشد الإيراني البارز أحمد قدمي – زوج ابنة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد – الذي أساء لرموز أهل السنة باستخدام ألفاظ مسيئة قبل أيام في ذكرى مولد الإمام الحسن، والذي كان يبث مباشرة على الهواء عبر قناة التلفاز الخامسة والذي أثار غضب الرأي العام في البلاد، تعاملت الإدارة الإيرانية مع تلك الإساءة بشكل ملفت للنظر، فهي لم تبرئ ساحة صحابة الرسول الاجلاء وزوجاته الشريفات بل اكتفت بإدانة ما وصفته بـ”إهانة رموز أهل السنة” وليس رموز دعوة الإسلام!
وقد أحيلت هذه القضية إلي القضاء الذي أكد بدوره أن الفعل الذي قام به المتهم يُصنف في إطار الجرائم المتعمدة وأن السلطات القضائية ستتعامل مع هذه الحالة بشكل جاد، بالإضافة إلى نواب سنة في البرلمان الإيراني كانوا قد بعثوا برسالة إلى المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي وطالبوه بمتابعة القضية بشكل شخصي.
على صعيد آخر وجهت رئاسة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية من جهتها اعتذارا رسميا للمكون السني في البلاد وأكدت طرد مسؤول بث القناة الخامسة تلك التي بثت إساءة المنشد على الهواء مباشرة. وأضافت أن ما حدث لم يكن سوى خطأ غير مقصود وأن سياسة التلفزيون تسير في إطار توجيهات القائد خامنئي بـ”احترام مقدسات أهل السنة”.
لكن عددا من المحللين (قاسم دراني نموذجا) يرى أن المسألة أعقد من كونها مجرد تصرف فردي من منشد، ففي كل سنة من شهر رمضان الكريم تقوم الاستخبارات الإيرانية باغتيال واحد أو مجموعة من العلماء والمثقفين والشخصيات السنية البارزة والناشطة في داخل إيران أو خارجها، وهذه الاغتيالات بطبيعة الحال تحرك مشاعر السنة وحين ينتشر الخبر يتخذ أهل السنة موقفا صارما تجاه هذه الجرائم.
عندها تعمل السلطات على إسكات هذه الأصوات المنددة بأسلوب مختلف، فتأمر فردا أو مجموعة من العاملين في الراديو والتلفزيون بسب الصحابة ورموز أهل الإسلام فينسى الناس تلكم الدماء وينشغلون بالرد علي إهانة الراديو والتلفزيون أو الصحف والجرائد، وفقا لـ”دراني”.
هذا العام بعد أن قامت استخبارات الحرس الثوري بإغتيال الدكتور إبراهيم صفي زاده في المهجر في هرات بأفغانستان وتحديدا يوم الجمعة ١٢ من رمضان الجاري الموافق ١٧ مايو الراهن تحرك أهل السنة في موقف موحد منددين بما فعلته استخبارات الحرس الثوري، لذلك عملت الحكومة على صرف الأنظار بموضوع إهانة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبي بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم في القناة الخامسة الحكومية في ٢٤ من مايو، وبالفعل تحقق ما أراده النظام ونسي الناس والعالم مسألة مقتل أحد علماء السنة الإيرانيين في مقابل الانتفاضة ضد إهانة الرموز.
الخلاصة أن هذه الواقعة تعني أن النظام الإيراني معرض لكثير من الأزمات ومرشح لبلوغ مرحلة جديدة من المشاكل الاجتماعية؛ لأنه لو وجد في مسألة سب الصحابة وأمهات المؤمنين (رضي الله عنهم) مخرجا من إحدى تحركاته الداخلية، فماذا سيفعل في واقعة قتل عمدة طهران السابق، زوجته رميا بالرصاص؟!