لم يكن انخراط روسيا في الأزمة السورية عسكرية خريف العام 2015 ليمر مرور الكرام على صناع السياسات العامة في إيران، فقد أدركوا أن المعادلة القائمة على توزيع النفوذ بين طهران وموسكو بحيث تسيطر روسيا على العسكرتاريا وتستحوذ إيران على الاقتصاد، ليست مواتية لتحقيق استراتيجية إيران الكبري من الوجود في سوريا تلك التي تعد لآيات الله أهم من الأحواز وفقا لما قاله، رجل الدين مهدي طائب قبل سنوات.
تعويض إيران
للدلالة على ذلك يمكن تحري ما قاله وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إذ أكد أن اتفاق التعاون الدفاعي المبرم بين طهران ودمشق يخص إعادة بناء الجيش السوري تعويضا عن الخسائر التي تكبدها خلال سنوات الحرب، إلى جانب تعويض إيران عن الخط الائتماني المفتوح الذي خصصته لسوريا منذ اندلاع الأزمة في مارس 2011.
هنا تبرز أهمية اتفاقية التعاون الدفاعي والتقني المبرمة بين إيران وسوريا بالنظر إلى جملة الظروف العامة في البلاد التي مزقتها الحرب من خلال رؤية طهران إلى أن الأمور “تتحسن أكثر فأكثر، وأن أهم موضوع مطروح الآن هو البحث في مسألة إعادة بناء سوريا”.
إذن يمكن استخلاص أن موقف إيران يريد الجمع بين النفوذ السياسي والمكاسب الاقتصادية من خلال إعادة بناء سوريا مدنيا إلى جانب مقاسمة روسيا في النفوذ العسكري من خلال إعادة بناء الجيش ولذلك قال الوزير: “نعتقد أن الأهم هو حفظ أمن سوريا وشعبها، وقواتها المسلحة هي التي تتحمل المسؤولية عن ذلك، لكن لكي تستطيع أن تقوم بحفظ الأمن عليها أن تُعيد بناء قواتها العسكرية وبناء البلد بشكل كامل”، وفقا لنص حديث له خص به قناة الميادين الناطقة باسم حزب الله الذراع العسكرية لإيران في لبنان.
مقايضة دمشق بقزوين
اللافت في هذا التطور أنه جاء بعد قمة دول بحر الخرز “قزوين” حيث تنازلت إيران عن جزء من حصتها لروسيا، وهنا يبدو أن مقايضةً على نحوٍ ما تمت بين موسكو وطهران، بحيث تقوم المعادلة على تبادل النفوذ بين قزوين ودمشق، ويتضح ذلك من خلال التمعن في أهم بند في هذه الاتفاقية وهو “إعادة بناء القوات المسلحة والصناعات العسكرية الدفاعية السورية لتتمكن من العودة إلى قدراتها الكاملة، وبإمكان الجمهورية الإسلامية تقديم خدمات جيدة في هذا المجال والمشاركة في إعادة بناء القوات والصناعات العسكرية بسوريا”، وفقا لنص الاتفاقية.
لذلك شدد الوزير على أن الاتفاقية المبرمة مهدت الطريق لإطلاق عملية إعادة بناء الصناعات الحربية السورية، وأضاف أن طهران مستعدة لتقديم كل ما بوسعها من أنواع الدعم العسكري بموجب هذه الاتفاقية إلى الحكومة السورية لضمان أمن الدولة الصديقة والشقيقة، وفقا لتعبيره.
ويمكن قراءة ذلك من خلال نص الوثيقة، تلك التي تؤكد على تطوير التعاون الدفاعي/ العسكرى، بعد أن أشار وزير الدفاع الإيراني خلال المراسم إلى أن الاتفاقية تمهد أرضية واسعة أمام التعاون الثنائي، خاصة أن طهران تريد تعويض رأس المال الاقتصادي والسياسي الذي أنفقته في البلاد منذ مارس 2011 وحتى الآن.
علاقات عميقة
وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب والإيراني العميد أمير حاتمي أكدا من جانبيهما على عمق العلاقات الاستراتيجية بين طهران ودمشق، وقالا إن سوريا تعبر من مرحلة الأزمة وتدخل مرحلة إعادة الإعمار، وعليه يمكن أن تمهد تلك الاتفاقية العسكرية الأرضية للحضور والمشاركة والتعاون الثنائي بين طهران ودمشق، في مرحلة ما بعد تحرير البلاد بالكامل من الفصائل المسلحة.
من الواضح أن سوريا تريد رد الجميل إلى إيران من خلال إشراكها في النفوذ العسكري بالبلاد وهو ما يبرز بجلاء من خلال حديث وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب الذي أكد أن “الانتصارات الكبيرة على الجماعات الإرهابية جاءت في ظل دعم وتعاون إيران”، وفقا لنص قوله.
مجمل القول إن الإسفين الإيراني الذي دقه حاتمي في العلاقات بين دمشق وموسكو ظهر كذلك من خلال قول العماد أيوب بأنه “في ظل هذا التعاون الثنائي ستتحقق المصالح الوطنية، ولن يسمح لأي جانب ودولة المساس بالعلاقات الراسخة والثابتة للبلدين”، وهنا إشارة ضمنية إلى الرغبة الروسية في إبعاد إيران عن سوريا بعد تصريح بوتين بضرورة إنسحاب كل القوات من سوريا باستثناء روسيا.