الخلايا النائمة هي سلاح إيران الفعال في الدول العربية بشكل عام، وفى دول الخليج بشكل خاص منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979م، وهي أهم أدواتها التي تستخدمها كذراع قوي للمد الثوري، خاصة أن الخلايا النائمة سلاح شديد الخطورة لارتباطه بمفهوم الطابور الخامس، وهو الأشد فتكاً من القوات العسكرية النظامية كما أنها تعد قوات سرية متخفية يصعب معرفة عددها وطرق تمويلها.
والخلايا النائمة هي مجموعات منظمة تعمل في الخفاء، وتـُستخدم من قبل الجهات المنتمية إليها أو التي تدين لها بالولاء الفكري أو العقائدي أو الأيديولوجي، للقيام بمهام محددة داخل المجتمع الذي تعيش فيه، وتكمن خطورة الخلايا النائمة في أنها تستخدم إما للتجسس بغرض جمع المعلومات سواء العسكرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها لصالح الجهة المنتمية إليها، أو للقيام بأعمال تخريبية كنشر الفتن، أو ممارسة العنف، أو زعزعة الأمن والاستقرار، وتكوين ميليشيات مسلحة والإضرار بالاقتصاد الوطني لصالح الجهة نفسها.[1]
الخلايا النائمة.. لماذا؟
الخلايا النائمة سلاح خطير له دلالة لا يمكن تجاهلها، خاصة إن إيران تسعى إلى زيادة عدد خلاياها النائمة بما يتماشى مع مصالحها ومتطلبات الظروف التي يمر بها العالم، بل وتسعى إلى تطويرها بما يتماشى مع متطلبات الظروف الحالية، وهو أشبه بتوجيه ضربات صاروخية للمصالح الأمريكية والغربية في دول الخليج العربي.
يرى النظام في إيران أن الخلايا النائمة خاصة في منطقة الخليج العربي، هي خط دفاعها لمواجهه أية مخاطر أو مخططات أمريكية ـ إسرائيلية، كذلك فهي سلاح نافذ في إدارة الصراع الإقليمي بمنطقة الخليج العربي وورقة ضغط لإيقاف أي هجوم عسكري عليها.[2]
من جهه أخرى فان الخلايا النائمة في دول الخليج هي أداة لسيطرة القومية الفارسية على القومية العربية، وذلك من خلال تحويل ولاء أبناء الوطن العربي إلى المذهب الشيعي، ثم فرض نفوذهم في الوطن العربي ومن ثم السيطرة علي ثرواته، وتحقيق نفوذ قومي فارسي علي المستوى الإقليمي.
حقيقة مؤكدة
يعد وجود خلايا نائمة لإيران في الخليج حقيقة مؤكدة، ففي عام 2003م، أكد السفير عادل الأسدي المنشق عن النظام الإيراني وقنصل إيران بدبي أن الخلايا النائمة منتشرة في كل الدول الخليجية من دون استثناء، وفى 2006 فعّل الحرس الثوري الإيراني فيلق الخليج الذي سبق تشكيله على شكل كتائب تتخذ أسماء مختلفة منها كتائب البحرين وكتائب المنطقة الشرقية بالسعودية وكتائب اليمن وإدخالهم في دورات تدريبية خارج إيران.[3]
فى 2007م صرح الجنرال على فدوي قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، عن استعداد البسيج للقيام بأعمال عنف في دول الخليج العربي باستخدام انتحاريين، وفى سبتمبر 2008م قرر المرشد الأعلى آية الله على خامنئي تحويل مسؤولية الخلايا في الخليج من قوات البحرية التابعة للجيش الإيراني النظامي إلى قوات الحرس الثوري الإيراني التي تستخدم الاقتصاد كأحد أهم أدواتها في تجنيد تلك الخلايا.[4]
إحصاءات
وفقا لمصادر استخباراتية ألمانية سنة 2009م فإن عدد عملاء إيران في دول مجلس التعاون الخليجي الست وحدها يتراوح بين 2000 و3000 غالبيتهم من حزب الله اللبناني، ويمتلك النظام الإيراني نحو 800 عميل إيراني معظمهم يعمل في السفارات والقنصليات الإيرانية في الخليج تحت حصانة دبلوماسية.[5]
تؤكد الوقائع أن حزب الله هو ذراع إيران لتجنيد شبكة الخلايا النائمة في الخليج من خلال تقديم الدعم الكامل لها، إذ أعلن حسن نصر الله في فبراير 2012م أن حزبه يتلقى كل أنواع الدعم الممكنة والمتاحة السياسية والعسكرية والمادية والمعنوية من إيران منذ 1982م.
وتشير التقديرات إلى أن التمويل الإيراني يبلغ حوالي مليار دولار سنويا، ويتلقى الحزب معظم التمويل من المؤسسات والمنظمات الخيرية التي تتبع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي، علاوة على ما يتلقاه الحزب من تمويل مالي من الحرس الثوري الإيراني وأجهزة الاستخبارات الإيرانية.[6]
ولخلايا إيران النائمة تاريخ في إثارة أعمال العنف والقلاقل في دول الخليج بلا استثناء، ففي البحرين: اتهمت الحكومة البحرينية نظام الملالي منذ عام 1994م بمسئوليته عن أعمال العنف على أراضيها، وفى 2010م أحالت النيابة العامة بالبحرين مواطن بحريني وإيرانيين إلى المحاكمة بعد ثبوت تورطهم في التخابر مع الحرس الثوري الإيراني وإمداده بمعلومات عسكرية واقتصادية في الفترة من 2002 وحتى 2010، كما طلبت من سفير إيران بالبحرين من مغادرة البلاد لانتمائه إلى شبكة تجسس إيرانية.[7]
أما في ديسمبر من العام 2015 فقد تم ضبط أسلحة إيرانية إلى البحرين، بالإضافة إلى ضبط مخزن ومخبأ للأسلحة[8]، وفي مايو 2013 أعلن وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، ضبط طائرة إيرانية من دون طيار لغرض التجسس في مياه الخليج، وكشف حينها عن تكرار ضبط متفجرات يتم تهريبها من إيران إلى بلاده، كما تم إحباط أربعة مخطّطات إرهابية، منها شحنة أسلحة عبر البحر آتية من العراق، إضافة إلى إحباط محاولة تهريب مطلوبين إلى إيران.[9]
خلايا إيران في الكويت
فى الكويت قامت الخلايا الإيرانية بمحاولة اغتيال أمير الكويت في العام 1985، واختطاف طائرة كويتية للإفراج عن سجناء شيعة[10]، وفى مايو 2010م استطاعت الكويت القبض على أول شبكة تجسس إيرانية تعمل على رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية.
وفي سبتمبر 2012م تمكنت أجهزة الأمن الكويتية من تفكيك خلية تجسس إيرانية في إحدى الحسينيات في منطقة بنيد القار وبلغ عدد أعضائها 39 من ضباط الحرس الثوري الإيراني، و58 آخرين من رتب مختلفة.[11]
كما أعلنت حكومة الكويت عام 2013م أن شبكات التجسس الإيرانية قامت بتصوير المنشآت العسكرية الكويتية والأمريكية وسلمتها إلى الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية، كما زرعت أعضاءها في المؤسسة العسكرية، إذ أعلنت عن خلية تضم ستة عسكريين كويتيين في وزارة الدفاع.[12]
اليمن والسعودية والإمارات
استطاع الإيرانيون زرع الحوثيين باليمن، ما تسبب في ست حروب دامية كلّفت اليمن الكثير، كما أن إيران لها نشاط استخباراتي كبير داخل الأراضي اليمنية كما شمل نشاط عملاء وخلايا إيران في اليمن إنشاء معسكرات تدريب، في منطقة رأس قصار شمال اريتريا وتنتشر في اليمن خلايا المخابرات والتخريب الإيرانية.[13]
وأكد الرئيس اليمني عبد ربة منصور هادى إنه “تم الكشف عن خمس شبكات تجسس تعمل لصالح إيران”، كذلك أعلنت وزارة الدفاع اليمنية في أنه تم الكشف عن خلية من الجواسيس الإيرانيين كانوا يستوردون أجهزة عسكرية إلى اليمن، أثبتت أنهم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني.[14]
أما في السعودية ففي فبراير 2016م شرع قضاء الرياض في بالنظر في قضية خلية التجسس المكونة من 32 شخصًا، وتضمنت لائحة الاتهام تكوين خلية تجسس بالتعاون والارتباط والتخابر مع عناصر من المخابرات الإيرانية، وإفشاء سر من أسرار الدفاع، والسعي لارتكاب أعمال تخريبية ضد المصالح الوطنية وإشاعة الفوضى، وإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية، والقيام بأعمال عدائية ضد السعودية.[15]
كما تم إلقاء القبض على أكاديمي يحمل درجة الدكتوراه، ويعمل بإحدى الجامعات السعودية، وآخر عمل في السلك التعليمي لمدة 25 سنة تحت اسم باحث تطوير، بالإضافة إلى مسئول في أحد البنوك وناشط اجتماعي واستشاري طبي ورجل أمن وفيزيائي إيراني وأفغاني.[16]
وفي الإمارات أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في يناير من العام 2012 حكما بالسجن سبع سنوات على المتهم سالم موسى فيروز خميس، لتخابره لصالح إيران وإمدادها بمعلومات تضر بالأمن الوطني ومنشآت الدولة وعلاقاتها مع الدول الصديقة[17]، إلا إن الخلايا النائمة بالإمارات تظهر اقتصاديا بشكل كبير حيث يبلغ مقدار التعامل التجاري بين الإمارات وإيران أكثر من 11 مليار دولار أمريكي.
خاتمة
ما سبق عرضة له دلالة على قدرة إيران على اختراق دول الخليج العربي وزعزعة أمنه واستقراره خاصة وأن ردود أفعال دول الخليج تكاد تكون محدودة ومنحصرة إما نفى وجود تلك الخلايا من الأساس خوفا من اتساع نطاق عمليات العنف[18]، أو سجن المتورطين أو إعدامهم[19]، وقامت السعودية خلال السنوات الأخيرة باستخدام ورقة المعارضة للضغط على النظام الإيراني وهو الأمر الذي يعد خطوة للبدء في مواجهه مخططات نظام الملالي[20].
ولخطورة النهج الذي يتبعة النظام الإيراني يمكن التوصية بالآتي:
1- استخدام الخلايا النائمة لإيران بالخليج هو انتحار سياسي للنظام كما أنه اعتراف صريح برعايته للإرهاب ما سينتج مزيدا من الخسائر السياسية والاقتصادية.
2- على دول الخليج وخاصة السعودية المضي قدما في استخدام ورقة المعارضة الإيرانية بشكل أكبر للضغط على النظام الإيراني للتراجع عن مخططاته.
3- مواجهه التوغل الإيراني في المجتمعات العربية بنشر صحيح الدين نظرا لاعتماد إيران على نشر مخططهم باستخدام سلاح التشيع.
4- نشر المساواة بين أبناء الوطن الواحد بصرف النظر عن المذهب والعمل على إدماج معتنقي المذهب الشيعي في المجتمعات السنية حتى يفوت الفرصة على النظام الإيراني في استغلال أبناء الدول العربية في تخريب أوطانهم.
5- تضافر الجهود العربية للتضييق على حزب الله ومنع تمويل إيران له لإيقاف نشاطه داخل دول الخليج.
6- اتخاذ قنوات دبلوماسية عن طريق بعض الوساطات الدولية للضغط على إيران لإيقاف نشاطها التخريبية.
ـــــــــ
1 محمد محمود مهدي: خلايا نائمة في الخليج العربي.. لماذا التجاهل؟، موقع آراء حول الخليج، http://cutt.us/PoItU وانظر: الخلايا النائمة، العربية نت، فبراير 2017، http://ara.tv/wxqsn
2 محمد محمود مهدي: خلايا نائمة في الخليج العربي.. لماذا التجاهل؟
4 محمد محمود مهدي : خلايا نائمة في الخليج العربي، سبق ذكره. وانظر: عبد الله حاتم: هل بدأت إيران الإعداد لساعة الصفر لقضم “التفاحة الكبرى”؟، ديسمبر 2014، الخليج أونلاين، http://cutt.us/0Lpkk
5 محمد محمود مهدي : خلايا نائمة في الخليج العربي، سبق ذكره.
6 رانيا على فهمي: “ماب نيوز” تفتح ملف تجسس إيران على الخليج، ديسمبر 2016، موقع ماب نيوز، http://cutt.us/T5uvj
7 محمد فوزي على: إيران وحزب الله: علاقة خاصة جدا، حوليات آداب عين شمس، مج 44، يونيو 2016، ص468.
8 رانيا على فهمي: “ماب نيوز” تفتح ملف تجسس إيران على الخليج، سبق ذكره.
9 صلاح الجودر: إيران وزراعة الخلايا النائمة، نوفمبر 2015، موقع الأيام، http://cutt.us/POKGy
10 رانيا على فهمي : “ماب نيوز” تفتح ملف تجسس إيران على الخليج، سبق ذكره
12 محمد السلمي: دقائق عن شبكات التجسس الإيرانية في دول الخليج العربي، فبراير 2014، موقع الراصد نقلا عن جريدة مكة المكرمة، http://cutt.us/6xE3B
13 محمد محمود مهدي: خلايا نائمة في الخليج العربي.. لماذا التجاهل؟، سبق ذكره.
14 خلايا إيران النائمة، موقع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، 2010، http://cutt.us/YcQwH وانظر: عبد الله حاتم: هل بدأت إيران الإعداد لساعة الصفر لقضم “التفاحة الكبرى”؟، ديسمبر 2014، موقع الخليج أون لاين، http://cutt.us/eKhDP
15 رانيا على فهمي، مرجع سبق ذكره.
16 محمد السلمي، مرجع سبق ذكره.
17 رانيا على فهمي، سبق ذكره
18 محمد محمود مهدي: خلايا نائمة في الخليج العربي، سبق ذكره.
19 علاء الدين مصطفى: خلايا إيران النائمة تشعل دول الخليج، أغسطس 2018، موقع النهار، http://cutt.us/QFj1f
20 تقرير الحالة الإيرانية، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، أغسطس 2016، ص 8.