بالرغم من أن السفارة الإيرانية في العراق أصدرت بيانا دانت فيه عملية اغتيال الخبير والمحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي، إلا أن هناك عددا من المؤشرات الأولية ربما تفضي ـ بعد تتبع حلقاتها ـ إلى أن طهران متورطة بأشكال متعددة في هذه العملية.
ففي تمام التاسعة مساء أمس الإثنين وأمام منزله في العاصمة بغداد، اغتال ملثمون كانوا يستقلون دراجة نارية الخبير الأمني هشام الهاشمي، وهو الباحث العراقي الضليع في شؤون الجماعات المسلحة، وذلك إثر رصد حركة سيارته بعد إجرائه مقابلة متلفزة تحدث فيها عن تلك الجماعات وسلوكها التخريبي في العراق ودور إيران المحرك لهذا السلوك.
“ولقد تمت عملية الاغتيال بعد أن توقفت سيارته أمام منزله ومن ثم أطلق ملثمون النار بشكل مباشر عليه من خلال عدة طلقات أودت بحياته. وبعد أن تأكدوا من نجاح العملية لاذوا بالفرار من موقع مسرح الجريمة، كما ورد في التقارير الإخبارية”.
لكن تلك الواقعة تقتضي الإجابة عن سؤالين اثنين: من هو هشام الهاشمي؟ وهل هناك مؤشرات فعلية على تورط إيران في عملية اغتياله؟
حول هشام الهاشمي
يعد هشام الهاشمي أحد أبرز الباحثين العرب الخبراء في مجال الحركات الإسلامية وهو من مواليد العاصمة العراقية بغداد سنة 1973 عمل باحثا في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة.
وفي بغداد طالما وصف بأنه متابع حثيث لجماعات العنف المسلح منذ عام 1997، وقد عمل في تحقيق المخطوطات التراثية، ودرس علم الإدارة والاقتصاد بقسم الإحصاء، واعتقل وحكم عليه بالسجن إبان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وخرج من السجن في عام 2002، ثم انصرف للعمل في الصحافة عام 2003 بعد الغزو الأمريكي لبلاده.
بعدها شارك في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية، وكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق، وهو ما أدى إلى أن تنتقده جماعات متطرفة وتهاجمه بشدة بسبب مواقفة المناهضة لها، وبسبب أنه حاول تعريتها أمام الرأي العام الداخلي.
“في السنوات الأخيرة تلقى الهاشمي عددا من التهديدات من تلك الجماعات على خلفية توسيعه وتيرة انتقادها ونشره معلومات حول دورها الميليشياوي التخريبي في إضعاف السلطة المركزية للدولة العراقية”
بعض الأوساط العراقية وصفته بأنه كان من المقربين من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وقد أصدر الهاشمي دراسة أمنية حول ولاء 45 ميليشيا في هيئة الحشد الشعبي العراقي لإيران والتي عنونها بـ”الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي” وكان من المفترض وفقا لمذيعة قناة الحدث أن يجري لقاء متلفز بقناة العربية الحدث مساء ذات اليوم للوقوف حول تلك الدراسة ومخاطر تفلت السلاح خارج نطاق الدولة العراقية.
وقد كشف في دراسته خلافا حاصلا بين تيارين قياديين في هيئة الحشد، ورأى أن الأول كان بقيادة أبو مهدي المهندس والذي يرجع بالتقليد إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بينما التيار الثاني وهو مكون من الفصائل المرتبطة بشكل وثيق بالعتبات في العراق في النجف بقيادة آية الله السيستاني.
ردات الفعل
فور وقوع الجريمة طالب رئيس مجلس الوزراء “مصطفى الكاظمي” بإقالة قائد الفرقة الأولى بالشرطة الاتحادية من منصبه، وتوعد القتلة بملاحقتهم لينالوا جزاءهم العادل، وقال إنه لن يسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي.
كما تقدم نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق قباد طالباني بالتعازي في اغتيال الهاشمي، وشجب بأشد عبارات الإدانة والاستنكار من قام بالعملية ووصفه بأنه من الأيادي الآثمة التي تجرأت على هذا الإنسان الرائع الذي كان يحمل هم العراق أينما حل وارتحل.
وبذات السياق حمّل سياسون عراقيون مسؤولية الاغتيال للجانب الإيراني والحرس الثوري بشكل خاص، وذلك بسبب دعمهم وإشرافهم المباشر على عمليات اغتيال سابقة طالت معارضين عراقيين.
“وقد أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” اليوم الثلاثاء بأشد العبارات اغتيال هشام الهاشمي، وشدد على ضرورة حصر السلاح المنفلت بيد الدولة العراقية”
ووصفت السفارة الأمريكية بالعاصمة العراقية “الهاشمي” بأنه كان كنزاً وطنيا للعراق ويجب محاسبة القتلةـ فيما أكد مسؤول عسكري أمريكي سابق أنه يشتبه بضلوع ميليشيا العصائب التابعة لحزب الله العراقي التي تحظى بدعم كبير من إيران في العملية.
الدور الإيراني في الاغتيال
المعلومات الأمنية الأولية تشير إلى تورط حزب الله العراقي في عملية الاغتيال وذلك إثر تلقي الهاشمي تهديدات بشكل مباشر، وقد عرض تلك التهديدات زميله غيث التميمي عبر قناة الحرة الأمريكية ببرنامج الحرة الليلة مفادها “أن الهاشمي تلقى تهديدات عن طريق طرف سياسي معروف يتبع لحزب الله العراقي وتحدث معه التميمي باتصال قرابة الساعة وتباحثا حول ماهية تلك التهديدات فيما قدم له النصح بأن خصوم ميليشيا حزب الله يقتلون وأن حياته أهم من عمله وأن حياته وأطفاله مهمة ويجب عليه أخذ تلك التهديدات على محمل الجد”.
غير أن الهاشمي أصر على متابعة عمله وكتابة الدراسات حول هيئة الحشد الشعبي والتي استدعت الرد المباشر بتصفيته أمام منزله في بغداد، فيما نشر التميمي تغريدة عبر تويتر بأنه سيكشف الطرف المتورط بعملية الاغتيال وعلى إثر التغريدة بدأت تنهال التهديدات مباشرة من طرف معروف بحزب الله وفقا لتصريحات التميمي.
ولعل هذا أيضا مؤشر صريح الدلالة على تورط ميليشيا حزب الله العراقي التابعة لإيران في عملية الاغتيال، إلى جانب ما أكده الدكتور رائد العزاوي في مقابلة له مساء الاثنين على فضائية الغد إذ أكد أن الهاشمي أخبره بتلقيه عدة تهديدات من حزب الله في العراق بالاغتيال حال واصل دراساته وأطروحاته التي تنتقد علاقة الحزب بالحكومة العراقية.
وفي المحصلة يمكن القول إن حزب الله في العراق لم يكن ليقدم على عملية بهذا القدر أعاد فيها بغداد إلى عصور الاغتيالات السياسية إلا بإملاءات من طهران أو على الأقل بضوء أخضر من إسماعيل قاآني الذي حل محل قاسم سليماني في صنع القرار بالعراق.