في صباح الأحد 27 أكتوبر 2024 أي بعد يوم وليلتين من الهجوم الإسرائيلي على إيران خرج المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وأثبت المثبت مرة أخرى، إذ قال إنه لا يجب تضخيم العدوان الإسرائيلي على إيران كما لا يجب التقليل منه.
اقرأ أيضا:
خامنئ أكد أن “قادة الكيان الصهيوني أخطأوا في الحسابات وعليهم أن يفهموا قوة وإرادة ومبادرة الشعب الإيراني وشباب البلاد، والمسؤولون سيقررون كيفية تفهيم الكيان إرادة الشعب الإيراني ويجب القيام بما يضمن مصلحة الشعب والبلاد”، ما فهم منه طبيعة طريقة التفكير الإستراتيجي لمتخذ القرار الأعلى في إيران، واستوجب حتمية الرد على تلك العملية الإسرائيلية.
عملية “أيام التوبة”
في الساعات الأولى من صباح السبت 26 أكتوبر 2024 حين خلد الإيرانيون إلى النوم معتقدين أن غريمتهم لن تقوم بأي عدوان في ليلتها المقدسة، شنت إسرائيل ثلاث حملات جوية على إيران أسمتها “أيام التوبة”، واتضح أنها لم تدخل بطائراتها إلى المجال الجوي الإيراني؛ بل اكتفت بإطلاق الصواريخ من خارج الأجواء الإيرانية باستخدام المقاتلات من طرازات إف 15 وإف 16 وإف 35 فضلا عن طائرات مسيرة أخرى.
اعتمدت إسرائيل في هذه العملية على الحرب الهجينة مستخدمة الإعلام الكاذب كرافعة لتعزيز صورتها الذهنية ولتضخيم العملية وتعظيم أي عمل عسكري في الإقليم حتى لو كان محدودا وخجولا ولم يحقق أي هدف من أهدافه المعلنة على مدى 26 يوما.
وقد اتضح أن المقاطع المصورة التي بثها الإعلام الإسرائيلي لهذه العملية لا صحة لها وهي تتعلق بـ”انفجار مصفاة طهران في يونيو 2021″ و”تفجير بيروت في أكتوبر 2024″، ولا علاقة لها بما حدث في إيران في هذه الليلة التي اختلط فيها الخوف بالأمل والرجاء.
الأهداف الإسرائيلية المعلنة
بعد عملية الوعد الصادق الثانية يوم 1 أكتوبر 2024 حددت إسرائيل 4 أهداف أساسية لضرب إيران وهي: البرنامج النووي ــ مصافي النفط ــ منشآت البنى التحتية ــ اغتيال شخصيات كبرى في قلب النظام السياسي، ومن خلال عملية اليوم اتضح أن إسرائيل لم تستهدف ولم تحقق أي من هذه الأهداف.
يعني ذلك هشاشة تل أبيب وعجزها عن القيام بعملية كبيرة ضد دولة لها دفاعات جوية ولها جيش نظامي في الإقليم، واتضح أن تل أبيب لا تستقو إلا على جماعات المقاومة بتفوقها الجوي، ولا تستأسد إلا على الدول التي لا جيوش نظامية حقيقية لها.
اللافت في هذه العملية هو التأكيد الأمريكي والإسرائيلي والروسي أن هذه الدول الثلاث أخبرت إيران قبل بدء العملية بساعات من خلال تفاصيل ما سيتم وهو ما اتضح من خلال صورة استعداد الدفاعات الجوية الإيرانية التي قالت إنها تصدت بنجاح إلى أغلب الصواريخ الموجهة غير أن بعض الصواريخ أصابت أهدافها في منشآت عسكرية خاصة بالصواريخ الباليستية مع وقوع أضرار محدودة.
سقوط سردية المسرحية
المهم في هذه العملية هذه المرة أنها أسقطت وإلى الأبد سردية “مسرحية” الصراع الإيراني ــ الإسرائيلي، وحكاية أنه صراع غير حقيقي وعلى أراضي لا تخص الدولتين، وقد رأى الجميع رأي العين كيف أن الصراع على أشده في ساعات الغسق المعتمة، وفي القلب من العاصمتين طهران وتل أبيب.
مع الأخذ في الحسبان أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية التي تستهدف فيها عاصمتها طهران منذ الحرب العراقية 1980 ــ 1988 وهي التي ظن أهلها أنها محصنة من أي هجوم بعد أن نقل القاجاريون مقر حكمهم إليها في اليوم الأخير من العام الفارسي 1173 ش (1794 ميلاديا) ظنا منهم أن طهران الواقعة أسفل جبال البرز ستبقى منيعة ضد أي عدوان خارجي إلى الأبد.
اقرأ أيضا:
في إيران تدور الآن اتهامات موجهة إلى دولة قطر التي يقال إن الطائرات الأمريكية انطلقت منها لتذويد طائرات إسرائيل بالوقود، واتهامات أخرى إلى دولة الأردن التي يقال إن الطيارين الإسرائيليين استخدموا مجالها الجوي في تلك العملية، بالرغم من الإدانة القطرية للعملية والنفسي الأردني للسماح لطائرات إسرائيل باستخدام مجالها الجوي؛ وهو ما يعني في صورته الشاملة أن إيران تريد أن تدخل دولتين عربيتين إلى خط الأزمة المشتعلة مع إسرائيل، لأسباب لها ما بعدها في التصور الإيراني لمستقبل الصراع.
خاتمة
وفق ما أعلاه يتضح أن إيران لابد لها أن تقوم بالرد الحتمي على “أيام التوبة” وفق آلية “الوعد الصادق 3” وهو ما يمكن التنبؤ به؛ ثأرا لكبرياء العاصمة طهران، حتى لو تم تحدث العملية الإسرائيلية “الاستعراضية” خسائر ذات بال، كما أنه من المتوقع أن تلجأ طهران إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تحفظ بها لنفسها حق الرد في الوقت الذي تراه مناسبا، وهو قريب.