تتسارع الأحداث في إيران بوتيرة لم يسبق لها مثيل منذ أن تم اكتشاف مصابين بفيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19″، وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية صباح اليوم الإثنين ارتفاع حصيلة وفيات الفيروس في البلاد إلى 66 حالة والإصابات إلى 1501 حالة، وتعافي 291 شخصا، مع العلم أن الوضع يشير إلى مزيد من التفاقم بسبب نقص التجهيزات الطبية من مطهرات وأقنعة وخلافه، في الأقاليم الحدودية غير المركزية وعلى رأسها الإقليمي العربي الأحوازي وأقاليم سيستان بلوشستان وتركمانستان وكردستان.
على إثره أفادت تقارير إخبارية بتجمع عائلات السجناء المحتجزين في سجن أرومية أمام باب السجن لإطلاق سراح ذويهم، بعد أن توفي أحد السجناء بسبب فيروس كورونا وبعد أن تم نقل خمسة آخرين إلى مراكز طبية لإصابتهم بالعدوى، وهو ما أصاب هؤلاء الأهالي بالجنون خشية من إعادة الخبرات التاريخية الدرامية إلى الأذهان تلك التي راح ضحيتها آلاف الإيرانيين في مناسبات سابقة.
في غضون ذلك أعلنت شركة الخطوط الجوية الألمانية “لوفتهانزا” عن إلغاء رحلات الطيران إلى إيران وتعليقها حتى نهاية شهر إبريل المقبل، خاصة أن المركز البيئي بأذربيجان الشرقية، أوصى بإغلاق جميع المدارس والمراكز التعليمية ومدارس العلوم واللغات في المقاطعة حتى يوم الخميس المقبل لحين تدبر الوضع برمته.
وخلال تلك الأحداث أعلنت وزارة الصحة الإيرانية اليوم الإثنين أنه خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية فقط أصيب ٥٢٣ شخصا وتوفي ١٢ آخرين جراء إصابتهم بالفيروس، علما بأن السلطات الإيرانية أعلنت أمس الأحد ارتفاع عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا إلى 54 حالة، وتسجيل 385 إصابة جديدة، وبهذا يبلغ إجمالي عدد المصابين 1510 أشخاص وفقا للإحصاء الرسمي.
لكن منظمة مجاهدي خلق المعارضة التي تتخذ من العاصمتين الفرنسية باريس والألبانية تيرانا، مقرا لها قالت “إن عدد الوفيات حتى نهاية أمس الأحد تجاوز 650 شخصا”، كما قالت شبكة بي بي سي فارسي التي تمارس عملها من داخل إيران إن “عدد الوفيات نحو 200 شخص”، وهو ما نفته الحكومة الإيرانية.
في تلك الحالات نأخذ بمتوسطات الأرقام الرسمية وغير الرسمية، خاصة أن وسائل الإعلام الدولية قالت إن عدد الوفيات يتجاوز ما أعلنت عنه الحكومة بكل تأكيد، وعليه يكون الرقم المرجح هو نحو 250 وفاة.
اللافت في تعاطي الحكومة الإيرانية مع تلك الأزمة أنها قالت إن فريقًا من المتخصصين يعمل على اكتشاف مصل مضاد للفيروس لكنها قالت أيضا على لسان مستشار الرئيس حسن روحاني، حسام الدين آشنا، “إن العقوبات الأمريكية لا تُمكِّن الحكومة من مواجهة الفيروس المواجهة المطلوبة”، وهو أمر منطقي بسبب نقص التكنولوجيا الدوائية لديها، والتي لا تملكها إلا واشنطن.
وأغلب الرأي أن إعلان إيران أنها تعمل على اكتشاف مصل للفيروس ينطوي على مبالغة اعتاد الإيرانيون ترويجها في وسائل الإعلام، بالرغم من تقدمهم الملحوظ في عدد من القطاعات الطبيبة وعلى رأسها قطاع الأدوية المشعة، وتصدر إيران هذا النوع من الأدوية الدقيقة إلى بعض الدول العربية ومنها مصر.
بتحليل الأرقام الرسمية يتضح أن نسبة الوفيات في إيران هي الأعلى في العالم بالمقارنة مع عدد الإصابات. على سبيل المثال: أعلنت الصين إصابة نحو 80 ألف مواطن في حين توفي نحو 3 آلاف فقط؛ ما يعني أن نسبة الوفيات في الصين نحو 4 بالمئة، بينما في إيران نحو 25 بالمئة، وهو ما يجعل من إيران أخطر بؤر انتشار وتفشي الفيروس في البلدان الستين التي ظهر بها الفيروس.
وبالرغم أن بعض التحليلات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعية ذهبت إلى أن اكتشاف كل حالات الإصابة بالفيروس لمواطنين خليجيين قادمين من إيران حصرا معناه أن العلاقات الإيرانية ـ الخليجية في أفضل حالاتها، إلا أن هذا رأي جانبه الصواب تماما.
ففي أغلب دول الخليج العربي يوجد مواطنون من الأقليات الشيعية، وهؤلاء المواطنون من حقهم الذهاب إلى المشاعر الدينية في قم ومشهد بإيران، كما أن حكومات الخليج لا تمنع مواطنيها من ممارسة حقهم في السياحة الدينية إلى إيران، وتكفل لهم حرية الاعتقاد المذهبي.
كما أنه برغم العقوبات الأمريكية على إيران إلا أن الأخيرة تعد مقصدا سياحيا ممتازا نظيفا ورخيصا لكثير من مواطني الخليج، العراق عامة، وقاطني إقليم كردستان العراق على وجه الخصوص، وهو ما تحريته بعد اتصال بمسؤول كردي رفيع المستوى يقيم في مدينة السليمانية الواقعة على بعد ساعة ونصف الساعة بالسيارة من إيران، وقال لي “إنه يقضي عطلته في الإقليم الإيراني الغربي نظرا لرخص أسعار المقاصد السياحية فيه”.
وقد نبهني المسؤول الكردي الذي تجمعني علاقة وطيدة به منذ زيارتي إلى كردستان قبل نحو عامين إلى أن العاملين الإيرانيين في مجال السياحة يتضورون فقرا بسبب العقوبات الأمريكية وأنهم عندما يرون سائحا يعاملونه معاملة الملوك نظرا لضعف الإقبال الشديد على إيران، ولفت نظري إلى أن السياحة في الجمهورية الإسلامية رخيصة لدرجة أنه استأجر سيارة دفع رباعي مقابل 25 دولارا فقط في اليوم.
بالعودة إلى أسباب ظهور الفيروس في بعض دول الخليج نجد مثلا أن دولا مثل الكويت وقطر وسلطنة عمان، مكتظة بالمواطنين الإيرانيين الذين إما فروا من بلادهم إليها بسبب الفقر ويعملون في المهن الدنيا مثل عمالة المقاهي ومسح الأحذية وخلافه، أو في مهن استراتيجية مثل قطاع الصرافة الذي كان الإيرانيون يسيطرون عليه كليا في الكويت على سبيل التحديد.
ففي زيارة لي إلى الكويت قبل بضعة أشهر رأيت في سوق المباركية سوادا كاسحا لشركات صرافة إيرانية – أغلقتها الحكومة فيما بعد بعد ثبوت عملها في غسل الأموال – وفي هذه السوق التاريخية تعرفت على عدد من عاملي المقاهي الإيرانيين الذين يقدمون الشاي بالنكهات وقال لي أحدهم “إنه يعمل مقابل 50 دينارا في الشهر (150 دولارا تقريبا) وإن هذا الرقم أفضل كثيرا من جلوسه في المنزل بقريته في هرمزكان”.
عليه فإنه من المرجح أن يكون هذا الفيروس إحدى وسائل الحرب البيولوجية الكبيرة التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية لتركيع خصومها خاصة أنها في حالة سجال محتدم مع إيران، وفي حالة حرب تجارية مفتوحة مع الصين. ويشير تمركز الفيروس في هاتين الدولتين إلى أساسه ومنبعه.
على جانب آخر من الحدث أظهرت الحكومة المصرية صلابة رسمية في مواجهة الفيروس واتضح أن القاهرة لديها منظومة متماسكة في مجال مكافحة الأوبئة وانتشار العدوى، وهي منظومة تم تدريب كوادرها في الولايات المتحدة الأمريكية على عهد الوزير إسماعيل سلام (1996 ـ 2002)، وبالرغم من اكتشاف حالتين لسائحين في مصر إلا أن المرجح كذلك أنهما أصيبا خارج مصر بسبب طول فترة الحضانة للفيروس والتي تصل إلى 6 أسابيع وليس أسبوعين فقط.
مجمل ما أعلاه أن تبادل الرحلات بين بعض دول الخليج وإيران أمر معروف وهو أقل كثيرا من المعدل الطبيعي في ظل مقاطعة الخليج لإيران، وأن دول الخليج لديها إمكانات تمكنها من مكافحة الفيروس والتغلب عليه، وأن مصر لديها العزم للتصدي للفيروس، وأن الفيروس دخل في مرحلة تفشي خطيرة بإيران قد يصعب السيطرة عليها.