سيظل حادث إطلاق النار على الحرس الثوري الإيراني في أثناء العرض العسكري الذي نظمته القوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري ذلك الذي أقيم في إقليم الأحواز جنوب غربي إيران؛ للاحتفال بما يعرف بـ”أسبوع الدفاع المقدس” في ذكرى اندلاع حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق 1980 – 1988، ماثلا في أذهان النخب الإيرانية ربما لسنوات طويلة، ومن المرجح أنه سيشكل علامة فارقة في تعاطي النظام مع متغيرات الأوضاع داخليا وخارجيا، خاصة أنه أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 29 شخصاً بينهم 8 من عناصر الحرس الثوري الإيراني وجُرح 70 آخرين، وأدى في أحد أهم نتائجه إلى بروز المسألة الأحوازية إلى واجهة الأحداث حول العالم.
هناك عدة دلالات ومآلات يعبر عنها الهجوم على العرض العسكري:
أولا: تهدف عملية المنصة إلى إهانة الحرس الثوري الإيرانى حيث يعتبر هو المسؤول عن الأمن الداخلي بالإضافة إلى أمن الحدود، وهو سلاح الدولة الإيرانية في ميادين القتال البرية والبحرية والجوية جنباَ إلى جنب مع القوة التقليدية للجيش الإيراني، ويتحكم الحرس الثورى أيضاَ في تنظيم “الباسيج” القائم على متطوعين والذي يبلغ عدد المنتسبين له ما يزيد عن 90000 من الجنود النظاميين و30000 آخرين من جنود الاحتياط، كما أن الحرس الثورى يعد ظهيرا موازيا على نحو رسمي للجيش الإيرانى وذلك بموجب المادة 150 من الدستور الايراني، تلك التي تنص على أن “تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست فـي الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة راسخة ثابتة من أجل أداء دورها فـي حراسة الثورة، ومكاسبها. ويعين القانون حدود وظائف هذه القوات، ونطاق مسؤولياتها فيما يخص وظائف ونطاق مسؤولية القوات المسلحة الأخرى مع التأكيد على التعاون والتنسيق الأخوي فيما بينها”. وعليه يمكن القول إن عملية السبت 22 سبتمبر 2018 كسرت حالة المهابة التي يتمتع بها الحرس الثوري داخليا وخارجيا خاصة أن الحرس الثوري الإيراني هو سلاح إيران في نشر نفوذها ومخطاطتها التوسعية في سوريا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين.
ثانيا: ركزت العملية على إحداث شكل من أشكال زعزعة الأمن الداخلي في إيران فالحادث يعني أن إيران مخترقة خاصة أن التكتيك الذي تمت به العملية يؤكد أن المخططين له والمنفذين له على علم كبير بمخطط العرض وثغراته الأمنية، ما يؤكد أن الأجهزة الإيرانية مخترقة وهو ما يعنى نقل التوتر إلى داخل إيران نفسها وعلى أراضيها. هذا المعنى أكد عليه أمين مجمّع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي في أثناء مراسم التشييع إذ قال إن على أعداء إيران أن يدركوا أنهم لن يتمكنوا من زعزعة أمنها واستقرارها، كما توعد وزير الأمن الإيراني محمود علوى المتورطين وقال إن إيران ليست مسرحاً للعمليات الإجرامية التي تستهدف المواطنين.
ثالثا: هدف الهجوم في هذا التوقيت إلى إحراج نظام الملالي خاصة أن العرض هو أحد العروض العسكرية المهمة وهو دليل على استهانة منفذى العملية العسكرية بالاحتفالات الخاصة بالدولة الفارسية كما أن الحادث جاء قبل أيام من إلقاء روحانى خطابة بالأمم المتحدة وهو الأمر الذي يعد سلاحا ذو حدين، وهي رسالة مفادها أن الحرب التي نشبت مع العراق لا تمثل الشعب العربي الأحوازي وأنها كانت عبثية بما يكفي للقيام بعملية نوعية على هذا النحو من الضخامة في ذكراها.
رابعا: من المرجح أن تتخذ ايران من تلك الحادثة سلاحا للتلويح به ضد أمريكا وحلفائها من ناحية ودول الخليج وعلى رأسها السعودية، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده تعتبر أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الهجوم على العرض العسكري في مدينة الأحواز، كما اتهمت وزارة الخارجية الايرانية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتدريب وتمويل المهاجمين، وهو أيضا ما صرح به الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال إن “واشنطن توفر موارد لدول الخليج لارتكاب مثل هذه الجرائم”.
خامسا: ليس من المستبعد أن تتخذ إيران من هذا الحادث ذريعة لملاحقة كل ناشطي الحركات المدنية والسياسية من عرب الاحواز بحجة أنهم تكفيريين وقد جاء تكرار وصف الحادث من قبل المسئولين الإيرانيين على أنه حادث إجرامي وإرهابي وهو ما يؤكد أن إيران ستستثمر هذا الحادث لصالحها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي فهى محاولة لتفعيل دور الأحواز في اللعبة السياسية الدولية، وهو ما قد يهيئ لإيران المناخ المناسب للعمل بوتيرة أسرع من أي وقت مضى على تفعيل سياسات التغيير الديموجرافي لإقليم الاحواز وهو الأمر الذي يسعى له النظام الإيرانى منذ تسعة عقود.
سادسا: يتمتع إقليم الأحواز بثروة نفطية تجعل منه وجهة لمحاربة إيران اقتصادياَ ما يسبب ضغطا مضاعفا على النظام الإيرانى خاصة في ظل ما تعانيه من أزمات اقتصادية طاحنة، وجدير بالذكر أن إقليم الأحواز يتمتع بثروة نفطية ومائية وزراعية تشكل عصبا محوريا من أعصاب الاقتصاد الإيراني ويمكن هنا استحضار وصف الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الأحواز بأنها قلب إيران النابض من الناحية الاقتصادية وحسب الاحصاءات الحكومية فإن الثروات في الإحواز تشكل 90% من حصاد الدخل الإيراني، وهو ما يعنى أن أحد تداعيات الحادث ستتمثل في أن تكون الأراضي الأحوازية ميادين جديدة مفتوحة لمواجهة النظام المركزي في طهران.
سابعا: يمكن أن تشكل تلك الحادثة نقطة إنطلاق للمقاومة الأحوازية خاصة في ظل تدهور العلاقات الإيرانية ـ السعودية والإيرانية ـ الأمريكية وهو الأمر الذي سيعود بالفائدة على المقاومة الأحوازية ولا يستبعد أن تحاول السعودية توجيه المجتمع الدولي للنظر في هذه القضية على اعتبار أنه إذا ساندت القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا القضية فإن ذلك يشكل أحد الروافع المهمة في سياسات ترامب المعادية لنهج النظام الإيراني وسلوكه.
ثامنا: يمكن أن يتخذ النظام الإيراني الحادث ذريعة لتصفية المعارضة الإيرانية في الخارج ومطالبة الدول الأوروبية بتسليم عناصر المعارضة بحجة أنهم عناصر إرهابية وتكفيرية وللدلالة على ذلك استدعت إيران، ثلاثة دبلوماسيّين أوروبيين يُمثّلون الدنمارك وبريطانيا وهولندا والقائم بالأعمال البريطاني لإبلاغهم احتجاجها على إيواء دولهم لبعض المجموعات المعارضة التي نفذت الهجوم، ما يعد تضييقاَ على المعارضة في الخارج، أو على أقل تقدير ضغطا قانونيا ودعائيا ضدها.
تاسعا: إلى جانب ما سبق يمكن لإيران أن تلجأ إلى سياسة تصفية المعارضين في الخارج، وهي دولة صاحبة خبرة طويلة في هذا المجال، تماما كضلوعها في اغتيال أحمد مولى وهو شخصية سياسية أحوازية بارزة في مدينة لاهاي في هولندا، ووجهت أسرته وتنظيمه السياسي أصابع الاتهام إلى استخبارات الحرس الثوري.
عاشرا: أخيرا من الممكن أن تقوم قوات الجو ـ فضاء التابعة لمؤسسة الحرس الثوري بإطلاق عدد من الصواريخ على مواقع داعش في سوريا أو على التنظيمات المسلحة السنية والعربية في العراق أو تقوم بشن ضربات على أماكن تمركز مقاتلي حزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك” على خلفية ضلوعه في تدريب كوادر أحوازية على العمليات العسكرية وتهدف من كل هذه الإجراءات إلى جبر مهابتها المكسورة بعد هذا الحادث.