يلقي كتاب «الوجه الآخر لماليزيا» الضوء على المجتمع الماليزي، وفئاته المختلفة، والتنوع الذي يميز المجتمع المحلي في هذا البلد الذي لا يعرف قارئ العربية عنه إلا النذر اليسير، ويعرج على الوجود الإيراني وطرق دعم طهران للجماعات الدينية القائمة على أساس مذهبي في هذا البلد.
ويعتمد الكاتب في كتابه على النقل عن الكتب والصحف الماليزية بالإضافة إلى مشاهدات الكاتب الشخصية خلال زيارته لتلك الدولة الأسيوية. ويشرح الكتاب طبيعة الحياة السياسية في ماليزيا وهو مهم للقراء والباحثين والمهتمين بالشؤون الأسيوية.
ويحكي الكاتب في مقدمة الكتاب أنه أضاف لمادة كتابه عددا من المواد المترجمة التي ساهمت في إضفاء مزيد من الأهمية لعمله، وتتوزع موضوعاته على ١١ فصلا.
يتناول الفصل الأول ماليزيا كدولة، إذ يقول الكاتب «إن ماليزيا.. تلك المملكة الأسيوية الساحرة التي جمعت حضارات أكبر قارات الدنيا ووضعتها في إناء واحد، تجد فيه عبق زهورها، وتوابلها، وألوانها، وأشكالها، وألسنتها، وثقافاتها لم يمتزج أحدها بالآخر بل احتفظ كل منها بطبيعته، فتجد ناطحات السحاب التي تطل على الغابات الاستوائية الكثيفة، وبداخل الغابات يعيش سكان الأكواخ البدائيون، وتجد السلاطين في قصورهم يستعدون لانتخابات اختيار الملك الجديد، وأتباع التصوف الغزالي يسيرون في ركب السلفيين، وتأكل الآيس كريم بالفلفل الحار، وتنزل إلى المياه على ظهر الأفيال، وترى أحدث المطارات ومصانع السيارات، وتتذوق فواكه لا شبيه لها ولا نظير في بلاد العرب، لا تستطيع أن تصفها بدقة لأصدقائك، وحيوانات ليس أغربها القرد – أبو زلومة – أو الأسد الأبيض”.
ويحكي الفصل الثاني عن المطبخ الماليزي وعادات الطعام والشراب، وقد اختار الكاتب اسم «البيت المفتوح» عنوانا له، والبيت المفتوح اسم تقليد شعبي في عيد الفطر المبارك وهو عبارة عن ولائم تقيمها الأسر المسلمة في بيوتها وتفتح بابها لكل الزائرين، وحتى الغرباء يستطيعون أن يدخلوا فيأكلوا بدون دعوة من صاحب البيت، وحتى الهنود والصينيون فهم ضيوف مرحب بهم ومحتف بهم على موائد البيت المفتوح، وتستمر بعض الأسر في فتح بيوتها للزائرين أسبوعًا أو أسبوعين بشكل يومي وتستضيف مئات الزائرين وتقدم لهم أفضل الأطعمة والمشروبات والحلويات، ويحكي الكاتب أنه من الطبيعي أن تجد أن رئيس الوزراء نفسه يفتح بيته للمواطنين في موعد يتم الإعلان عنه، ويخصص حافلات مجانية لتوصيل المواطنين إلى بيته في العيد.
ويتحدث الفصل الثالث عن الشخصية الماليزية، ولعل هذا الفصل هو أهم الفصول على الإطلاق، فقد سرد الكاتب عددا من المواقف التي تعرض لها وأورد ملاحظاته واستعان بعدد من القصص التاريخية التي تؤكد صحة تلك الملاحظات، وقد اهتم بزيارة المدارس والبيوت والاختلاط بالسكان حتى يستطيع تكوين صورة واضحة.
ويقول: «المدرس يتعامل مع الطالب بروح أبوية تمامًا لا مجال فيها للقهر ولا للعسف، لدرجة قد نحسبها نحن تسيبًا وضعفًا في الشخصية، وليس عيبًا أن يُسأل الطالب سؤال فيستعين بصديق لمعرفة الإجابة ولا يعتبرون ذلك غشًا بل يكفي أنه قد عرف المعلومة وهو المهم، فالطالب قد يتكلم أو يضحك في أثناء شرح المعلم أو يجلس وظهره للمعلم، ولا أحد ينكر عليه ما يفعل».
يقول الكاتب: “لما تكلمت معهم عن هذه الملاحظة قال لي أحد الأساتذة: «وهل يطيق الطفل أن يجلس طوال مدة اليوم الدراسي حبيسًا في مقعده ووجهه في السبورة منصتًا لشرح المعلم؟! هذه حياة عسكرية»، فالطالب يجب أن يأخذ حريته كي يستطيع أن يتحمل ثقل الدراسة، ويشعر بأريحية وكأنه في بيته، فتصبح المدرسة هي بيته الثاني حقيقةً لا مجازًا، فالطالب لا يشعر بالكبت والتأفف والإذلال في أثناء وجوده في الحصة، ولا ينتظر فترة الخمس دقائق بين كل حصة وأخرى كي يفرغ طاقته المكبوتة في اللعب والصخب، فمدرس الحصة يدخل في وقته بالضبط، ويخرج في وقته بالضبط”.
ويتحدث الفصل الرابع عن الحياة السياسية الماليزية، ويستعرض مسيرة زعماء البلاد من الاستقلال وحتى وقت كتابة الكتاب ويقول في بداية الفصل: «الحالة الماليزية حالة فريدة وجديرة بالدراسة ففي هذه الدولة كل الأسباب التي يمكن أن تسبب النزاعات وتفجر الصراعات موجودة؛ فالشعب عبارة عن طوائف لا يجمع بينها دين ولا جنس ولا لون ولا لغة ولا شكل ولا ثقافة مشتركة، وفيها تفاوت طبقي ولديها نظام اجتماعي طبقي فهناك الملوك والأمراء والسلاطين ولديها سكان الغابات ولديها مشكلة مهاجرين، ولديها أحزاب إسلام سياسي تسعي لفرض الشريعة وتطبيق الحدود ولديها أحزاب شيوعية وعلمانية وليبرالية ولديها تكدس للثروة في أيدي أقلية من رجال الأعمال ولديها نزاعات حدودية ولديها احتجاجية شعبية تدعو علنا لرحيل رئيس الوزراء ولديها إقليم يهدد كل فترة بالانفصال ولديها جوار مضطرب، وعلى حدودها دولتان تشهدان نزاعات مسلحة دموية”.
ويفتتح الكاتب الفصل الخامس بقوله «لا يتخيل المصريون كم هم حاضرون ومؤثرون في الحياة اليومية الماليزية، بالرغم من المسافة بين البلدين، إذ يسبق توقيت ماليزيا توقيت القاهرة بست ساعات ومع ذلك فالحضور المصري لا تخطئه العين ولا يمكن تجاوزه أو تجاهله، والعديد من القادة والمسؤولين الماليزيين درسوا في الأزهر الشريف ويكنون مشاعر حب واحترام شديدين للعرب وللمصريين، فالعرب هم أساس الإسلام، وفقا لاعتقاد الأغلبية الكاسحة من النخب الحاكمة في هذا البلد فضلا عن السواد الأعظم من الشعب”.
ويتحدث الفصل السادس عن التيار الإسلامي، ويشرح طبيعة تكوينه واختلافاته وأماكن وجوده والانشقاقات والمشاكل التي تعرض لها عبر تاريخه بطريقة شيقة ومختصرة ويلقي الضوء فيها على المحطات الفكرية المهمة التي مرت بها الحركة الإسلامية هناك وكيف توصلت الدولة لتفاهمات مع الإسلاميين؟
أما الفصل السابع فيركز على الأقلية الصينية هناك، ويلقي الضوء على المجموعات العرقية المختلفة كالصينيين والهنود وأبناء القبائل ويقول الكاتب في مستهل الفصل: «لا يستطيع الزائر لماليزيا تجاهل النفوذ الصيني الطاغي، فالصينيون يهيمنون على النسبة الأكبر من الاقتصاد، وحتى الشركات التي تبدو مالاوية الطابع قد تجد الصينيين يملكون معظمها، حتى المدارس الإسلامية ذاتها فإن الصينيين هم من يورد لها الكتب والمستلزمات”.
ويتحدث الفصل الثامن عن المذاهب الإسلامية ويركز على الوجود الشيعي والأزمة المصاحبة له وأنواع الفرق الشيعية الموجودة في البلاد، ويتطرق للحديث عن الخلايا الشيعية في ماليزيا، خاصة تلك المدعومة رأسا من إيران وكيف تعاملت الدولة معها.
ويشرح الفصل التاسع علاقة اللغات المحلية في ماليزيا باللغة العربية واللهجات المختفة للغة الإنجليزية المستخدمة هناك، وقد اختار عنوانا مثيرا لهذا الفصل وهو: «هل تصبح ماليزيا دولة عربية؟» ويقول الكاتب «هذا السؤال وجهته لعدد من الأكاديميين الماليزيين المتخصصين في تدريس اللغة وعلوم الشرع، وكان كلٌ منهم ينفجر ضاحكًا بمجرد سماع السؤال، فهم يعتقدون أنها أصعب لغة في العالم، فأحد الأكاديميين شكا لي من صعوبة فهمهم لبنية الكلمة في اللغة العربية، فالفعل الواحد يتشكل بأكثر من عشرة أشكال؛ فالفعل «يفعل» مثلا يأتي في صور متعددة هي: فعل، فعلت، يفعل، تفعل، نفعل، أفعل، يفعلون، يفعلن، يفعلان، تفعلان، فعلوا، فعلن، فعلا، فعلتا، افعلوا…إلخ بينما في اللغة المالاوية شكل الفعل لا يتغير بتغير الزمن أو الفاعل، بل عندهم كلمة معينة عندما توضع أمام الفعل تدل على زمنه بدون تغيير شكل الفعل نفسه، ولا يؤنث الفعل ولا يذكر”.
ويتحدث الفصل العاشر عن التاريخ الماليزي الذي يختزله في تاريخ مدينة مالاقا التي يصفها بأنها «مدينة التاريخ والحضارة في ماليزيا، فمنها دخل التجار الأجانب للبلاد ومنها دخل الإسلام ومنها دخل الاستعمار بكل ألوانه وأشكاله، لذلك تجد المدينة تعج بالمزارات التاريخية التي تنتمي لكل العصور، وعدد كبير من المتاحف يحتاج إلى مرشد خبير ووقت طويل لتلم بها وبكنوزها، وهي تلخص التاريخ الماليزي كله، وكل شيء له متحف هناك حتى أنني رأيت متحفًا عن «حزب الأمنو» يعرض تاريخ الحزب وتاريخ رموزه”.
ويتحدث الفصل الحادي عشر عن علاقة ماليزيا بالدول المجاورة ومشاكلها مع كل دولة والتمدد الصيني في المنطقة.
وتحتوي فصول الكتاب الأحد عشر على عدد من الصور بعضها يقول الكاتب إنه التقطها بنفسه من المدن والأماكن التي زارها ويذكر مناسبة تلك الصور ويبين علاقتها بالسياق العام للمواضيع المختلفة التي يستعرضها في هذا الكتاب.
وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب يشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحالية للعام الثاني على التوالي ويمكن الحصول عليه من صالة 2، بلوك A36 وهو صادر عن دار “زحمة كتاب”.
غلاف كتاب الوجه الآخر لماليزيا