حظي المسلسل المصري “الحشاشين”، باهتمام الجماهير المصرية والعربية وحتى الإيرانية؛ كونه يجسد نهج فرقة استطاعت ترسيخ مبدأ ولاية الإمام في الفكر السياسي الإسلامي، علاوة على إقناع أنصارها بالسمع والطاعة، وتنفيذ الأوامر كافة مهما كانت حرمانيتها بدعوى دينية تبتغي جنة الآخرة.
ومسلسل الحشاشين من إنتاج الشركة المصرية المتحدة للخدمات الإعلامية، وتأليف الكاتب المصري عبد الرحيم كمال، وإخراج المخرج المصري بيتر ميمي، وبطولة عدد كبير من الفنانين العرب، على رأسهم الفنان المصري كريم عبد العزيز الذي يجسد شخصية حسن الصباح.
فرقة الحشاشين في العرض الفني
يعرض المسلسل المصري شخصية جدلية في التاريخ الإسلامي وهى الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد الصباح الحميري المعروف بـ”حسن الصباح” مؤسس فرقة الحشاشين في قلعة ألموت.
ولد حسن الصباح في مدينة قم الإيرانية (428هـ – 1037م)، التي يعتبرها الإيرانيون أولى المستوطنات العربية في إيران ومركز الشيعة الإثنى عشرية في أوائل القرن الحادي عشر.
ثم واصل دراسته الدينية في مدينة الري جنوبي محافظة طهران، وفق تقسيمها الإداري الراهن، والتي كانت مركزًا لنشاط الإسماعيلية في ذلك الوقت، إلا أن أفكاره تشربت فكر الجماعة المتطرفة في المذهب الشيعي، بعدما التقى بأحد دعاة الإسماعيلية، ليعتنقها في النهاية ويؤسس حكومتها السياسية.
أما أبوه فكان متبعا للمذهب الإثنى عشري، واهتم بتعليم ابنه مختلف العلوم النظرية والعلمية، وهو ما أهله للالتحاق بالبلاط السلجوقي عند السلطان ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي.
وفي المسلسل المصري “الحشاشين” استعراض لحياة حسن الصباح وتأسيسه لفرقة الحشاشين، وعلاقته المعقدة بالإمام محمد الغزالي، وبصديقه منذ الصغر الوزير نظام الملك، والذي أصبح ألد أعدائه في الكبر.
المذهب الإسماعيلي، هو فرقة شيعية من الفرق الشيعية الإثنى عشرية، تدعى أحيانًا بالباطنية. تؤمن بأن الله واحد وهو يُعين الدعاة المؤمنين لإرشاد أنصاره للطريق الصحيح وشرط الإيمان بالمذهب هو التسليم بعصمة الإمام.
وعلى الرغم من أن هذا التناول المصري الدرامي ليس الأول من نوعه لاستعراض سيرة حسن الصباح أو فكر فرقة الحشاشين، حيث تم تجسيدها في عدة أعمال درامية وسينمائية من أبرزها، المسلسل السوري “سمرقند” وفيلم الحركة الفرنسي – الأمريكي Assassin’s Creed إلا أن الرابط المشترك بين تلك الأعمال الفنية هو التركيز على أن فرقة الحشاشين كانت تنهض على الاعتبارات التالية:
أولا: الدعوة للقتل والفداء.
ثانيًا: انتهاج مبدأ السمع والطاعة للقائد القادر على إقناع أتباعه بأفكار خاطئة لتبرير جرائمه مستخدمًا الحشيش لتخديرهم، ودفعهم نحو تنفيذ القتل والاغتيالات.
ومع ذلك فإن اللافت للنظر في الدراما المصرية هو مزجها بين التشابك التاريخي والسياسي في آنٍ واحد. فعلى الرغم، من أن المسلسل تاريخي، لكن سياقه الدرامي يعرض تسييس الفكر الديني بأفكار باطنية، بُغية السيطرة على فكر الأتباع، واستخدامهم كأداة للوصول إلى السلطة.
جماعة الحشاشين رمز الإيرانوفوبيا
مع تزامن فترة حكم الحشاشين مع الفترة الثالثة للحروب الصليبية. كذلك التقارير المسجلة في رحلات ماركو بولو. أتاحت أدوات أكثر دراماتيكية للمنتجين الغربيين، لدرجة أن بعض مصادر الرعب ينسبها بعض الملوك الأوروبيين المشاركين في الحملات الصليبية إلى هذه المجموعة.
وجماعة الحشاشين يُروج لها باعتبارها منشئ الاغتيالات السياسية المنظمة. فيما تتبنى الصحافة الإيرانية أن اسم الحشاشين اختاره الأوروبيون لأتباع حسن الصباح الإيراني، وحركة الدعوة الجديدة الشيعية؛ بسبب اعتمادهم على المخدرات المختلفة، وخاصة الحشيش، لتخدير أتباع الجماعة عقليًا، وإقناعهم بالقيام بعمليات صعبة وربما انتحارية.
هذه الصورة روجت إعلاميًا وفنيًا، لتصوير إيران كمهد للجماعات الإرهابية، والجماعات الإسلامية الشيعية.
نذكر على سبيل المثال:
ــ الفيلم الوثائقي الأمريكي The People of the Flame عام 2001م
ــ فيلم الحركة الكندي الفرنسي Assassin’s Creed: Lineage عام 2009م.
ــ رواية ألموت للكاتب السلوفيني فلاديمير بارتول عام 2007م.[1]
الأعمال السابقة ركزت على قضية واحدة وهى وصف قلعة ألموت الواقعة في بلاد فارس، كمعقل للخطط المجنونة والذكية لرجل يدعى حسن الصباح. أدخل العالم في حالة من الفوضى والخوف، وأذهب عقول رجاله، وأودعهم في جنته الملفقة.
المُلفت هو تبلور تلك الأعمال حول فكرة الصراع المذهبي على السلطة، إلا أنها تستحضر الصورة الذهنية حول الشرق وخاصة إيران كبلدٍ مسحور أهله ذهنيًا، ومكبلين في فخ التقاليد الدينية المتطرفة والعنف.
ملائكة الموت بين الوسطية والتطرف
لا تختلف النظرة الإيرانية حول فرقة الحشاشين أو الباطنية أو الإسماعيلية حول أنهم جماعة إسلامية متطرفة، بل قد يتفاجئ البعض من أن مذهب الشيعي الإثنى عشري ــ والذي تعتنقه إيران ــ كمذهب رسمي يُكفر المذهب الإسماعيلي وأفكاره المتطرفة.[2]
ما يعني أن النظرة واحدة في تصوير الحشاشين كجماعة إرهابية اغتالت قادة العالم لسنوات خلال الحروب الصليبية، وهزت أركان الدولة السلجوقية. التي لا تزال إلى الآن تثير حنق الإيرانيين، كسلطة عاملت الفرس كأمة مُحتلة.
مع تراجع الخلافة الفاطمية في شمالي إفريقيا، تجددت حركة الحشاشين واستمرت نحو 170 سنة أخرى في إيران بقيادة حسن الصباح وخلفائه. وأقام معسكره في قلعته بجبال البرز الوسطى حتى عام 1356م.
وفي العام نفسه استولى هولاكو خان المغولي زعيم الإلخانيين ومؤسس سلالتهم على قلعة ألموت، ما دفعهم إلى ممارسة أنشطتهم سرًا لفترة ثم الفرار إلى البلدان المجاورة لشرق إيران خاصة الهند. وهناك ذاع سيط فرقة الإسماعيلية، وأنشأوا مكتبة شهيرة في الهند، استقطبت العديد من العلماء المعروفين.
جدير بالذكر أن مصطلح الحشاشين، هو الاسم الذي أطلقه الصليبيون والأوربيون في العصور الوسطى على الباطنيين في عهد ألموت الذي شمل نطاق حكمه إيران وسوريا، وتم اعتماده في أشكال مختلفة من الأدب الغربي والنصوص العبرية واليونانية.
كما أن مصطلح “الحشاشين” خلافًا للمعتقد السائد، لا يعني الذي يدخنون مُخدر الحشيش ثم ارتكبوا أفعالا جرائمية مثل القتل. هذا المصطلح “حشاش” مشتق من كلمة “حشيش” وأصل معناها: الصيدلي (عالم النبات). وفي القرنين الرابع والخامس الشمسي (المعمول به في إيران) كان يُطلق على بائعي العقاقير في البلاد الإسلامية لاسيما إيران اسم حشاشين. وفي بعض مدن إيران الكبرى، كان هناك سوق يسمى سوق الحشاشين (أي بائعي العقاقير).
جماعة الحشاشين في الفكر الإيراني
يعتقد الإيرانيون أن أوروبيّ القرن الأوسط، الذين لم يعرفوا شيئًا عن دين الإسلام والممارسات الدينية، قاموا بتأليف سلسلة من القصص المترابطة حول الأنشطة الغامضة والسرية للحشاشين، وزعيمهم حسن الصباح والمعروف أيضًا بـ”شيخ الجبل”.
مع مرور الوقت بلغت أسطورة الحشاشين ذروتها في روايات ماركوبولو. فكانت خططهم للاغتيال أو القتل تتم في الخفاء، وكان توزيع السلطة مبدءًا مهمًا في اغتيال الأبرياء. وقبل الاغتيال يوضع خنجرًا فوق رأس الضحية، ليُدرك أنه عدو الإسماعيليين.
ولهذا كان نشر الإرهاب مع تحديد السلطة في يد رجل واحد. هو نفس الأسلوب الذي لجأ إليه حسن الصباح وحتى الخوارج والشيعة والصليبيين والسلاجقة. لكن هذه السياسة نسبت بشكل مبالغ فيه إلى إسماعيليّ إيران والشام. ولهذا كل جريمة قتل وقعت في الأراضي الوسطى للإسلام نُسبت إلى الإسماعيليين.
وقد بنى حسن الصباح قلعته في منطقة تدعى “ديلم” كان أهلها آخر الإيرانيين، الذين اعتنقوا الإسلام، وكان أهلها محاربون يعصون أوامر الفاتحين العرب. حيث أرادوا سلالات حكومية مستقلة وخاصة بهم في عالم السياسة، وفي عالم الدين، أرادوا فرعًا مختلفًا من دين الفاتحين العرب. ليتمكن الصباح في النهاية من اقتيادهم، واستخدامهم لاغتيال بعض المسؤولين السلاجقة في إيران، ويخلق حالة من الرعب لأعداء إيران مدة 170 عاما.
وقد تم الحفاظ على بعض قلاع الحشاشين في إيران، وهى: قلعة ألموت (شمال محافظة قزوين)، وقلعة لمبسر (بالقرب من نهر شاهرود المار بالمنطقة الإدارية جيلان وقزوين ، وقلعة گرد کوه وخالنجان (بالقرب من محافظة أصفهان)، وقلعة ميمون دج (في قرية رودبار التابعة لبلدة روئيدر في محافظة هرمزكان)، وقلعة سميران (بالقرب من مدينة منجيل في محافظة مركزي)، وهى محفوظة بشكل أفضل مقارنة بالقلاع الأخرى.
أما تبني جماعة الحشاشين للفكر الفدائي، فكان له نتائج أكثر فعالية من الحروب الطويلة والحملات السلجوقية. ويعتقد الإسماعيليون أن قتل شخص موثوق به أفضل من قتل مئات الأشخاص في ساحة المعركة. المفارقة هنا أنهم لم يتبنوا هذا الأسلوب لمصالحهم الخاصة وحسب، بل تم استخدامه لمساعدة حلفائهم السياسيين.
ـــــــــــــــ
[1] معرفي “حشاشين” به عنوان يک گروه تروريستيِ مذهبي و ايراني، روزنامه مشرق، ۲۲ شهریور ۱۳۸۹ ه.ش، http://surl.li/rrrkn
[2] حشاشین ها فرشته های مرگ اولین گروه ترور جهان، مجله انترنتي روزانه، http://surl.li/rrsfr