في الثامن عشر من نوفمبر الماضي منعت السلطات اللبنانية في مطار رفيق الحريري الدولي، الوقود عن الطائرات الإيرانية؛ في ضوء العقوبات الأمريكية على قطاع الطيران الإيراني، وهو الحدث الذي لم تحاول إيران معالجته حتى في ظل وجودها الكثيف في لبنان من خلال حزب الله، واليوم اتخذت السلطات الألمانية قرارا أكثر تصعيدا ضد ثاني أكبر شركات النقل الجوي الإيرانية وأكبر الشركات الخاصة العاملة في هذا القطاع.
ضغوط أمريكية
فبعد ضغوط من الحكومة الأمريكية تعتزم الحكومة الألمانية وقف التعامل مع خطوط طيران “ماهان إير” الإيرانية بدءا من يناير المقبل، وهو ما نقلته صحيفة “بيلد” الألمانية التي أكدت أن برلين ستفرض حظرا على ثاني أكبر شركة طيران إيرانية، تلك التي تسيّر حاليًا نحو ست رحلات أسبوعية إلى وجهات في ميونيخ ودوسلدورف من قاعدتها في العاصمة الإيرانية طهران.
الواقع أن القراءة الأوروبية لسلوك إيران تدرك أن طهران شهدت حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الحاد منذ أن أعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض العقوبات على البلاد بدءا من السابع من أغسطس الماضي على خلفية انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” في الثامن من مايو الماضي.
ورصدت الحكومة الألمانية أن عددا من شركات الطيران الدولية الكبرى خاصة في بريطانيا وفرنسا ألغت عقود التسيير الجوي مع الخطوط الإيرانية كما أوقفت كل الرحلات إلى مختلف الوجهات الإيرانية منذ ذلك الحين، وعليه وبسبب الخسائر الفادحة ألغت شركة “ماهان إير” محل الذكر، إلى جانب شركة “إيران إير” الإيرانية للنقل الجوي، العديد من خطوط الرحلات من وإلى آسيا وأوروبا.
العقوبات الأمريكية
في الأوساط السياسية الألمانية يجري الحديث عن جهود دبلوماسية بذلها الفريق الأمريكي المعني بالشؤون الإيرانية والذي يرأسه المبعوث، برايان هوك؛ لإقناع المستويات العليا من صناعة القرار في برلين أن تلك الشركة ضالعة بالفعل في النشاط العسكري الإيراني في سوريا، وهو الأمر الذي من شأنه تعقيد الموقف، مع الإشارة إلى الرفض الألماني المتواصل والثابت لسلوك إيران في المسألة السورية.
ووفق ما يدور في الغرف المغلقة بالحكومة الألمانية فقد قدم برايان هوك، والسفير الأمريكي في برلين ريتشارد جرينل، إلى المسؤولين الألمان دلائل وقرائن على تعاون “ماهان إير” مع فيلق القدس وهو الذراع الخارجية للحرس الثوري تلك التي يقودها الجنرال قاسم سليماني، وهو كيان عسكري مدرج على قوائم الإرهاب الأمريكية منذ العام 2017.
وعلمت الحكومة الألمانية أن الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية “ماهان إير”، هو حميد عرب نجاد، الذي تولى فيما مضى قيادة فيلق القدس، وهو المسؤول عن حركة القوات والمعدات والإمدادات اللوجيستية إلى الميليشيات في سوريا على وجه التحديد.
فيلق القدس
ويُعزى إلى حميد نجاد أنه المسؤول التنفيذي المباشر عن تسيير “رحلات جوية خاصة” بين المطارات العسكرية في إيران وسوريا، وهي الرحلات التي رصدتها أمريكا بالتعاون مع المراقبين المحليين؛ لذلك لم ترفع أمريكا الحظر عن تلك الشركة حتى بعد أن تم التوقيع على الاتفاق النووي في الرابع عشر من يوليو بالعام 2015.
وعلى ضوء التصريحات التي أدلى بها وزير الخزانة الأمريكي حول “رحلات شركة ماهان المنتظمة إلى سوريا لإمداد المقاتلين الأجانب بالمال والسلاح والدعم اللوجيستي”، فإن ذلك يكشف عن الإرادة الأمريكية الجادة والحازمة في تطبيق العقوبات بشكل صارم على النظام الإيراني.
وفي فبراير من العام 2016 أعلن مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية أن هناك تعاونا مع الحلفاء (يقصد الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي) لعزل “ماهان إير” عن امتلاك الطائرات أو قطع الغيار والحيلولة دون فتح طرق جديدة أمام هذه الشركة، وهو ما اعتبرته إيران ـ وقتها ـ خرقا للاتفاق النووي وعدم التزام من جانب واشنطن بمخرجاته.
حول ماهان إير
تُسيّر ماهان إير رحلات جوية لأكثر من 60 وجهة في أوروبا وإفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، باستخدام أسطول يتكون بشكل أساسي من طائرات من طراز Airbus A300s وAirbus A340s، وهي واحدة من شركات الطيران القليلة التي لا تزال تعمل بطائرات بوينج 747-300 في العمليات التجارية.
وبمطالعة موقع الشركة على الإنترنت يتضح أنها نقلت 15 مليون طن في العام 2011 ويلاحظ أن هذا العام هو عام اندلاع الثورة السورية ضد حليف إيران الرئيس السوري بشار الأسد، وتزايد هذا الرقم ووصل في العام التالي (2012) إلى 19 مليون طن؛ ما يعني أنه بدءا من نشوب الأزمة الثورية تصاعدت كمية المنقولات جوا من خلال تلك الشركة مع العلم بأنه في ذلك الوقت كان قد مر عشرون عاما على إنشائها.
وتمت تسمية الشركة بهذا الاسم نسبة لمدينة “ماهان” عاصمة محافظة كرمان، ويعتبرها النظام الإيراني أحد أهم إنجازات فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني بعد أن تم تأسيسها في 1991 وبدأت عملياتها في يونيو 1992 كأول شركة طيران خاصة في إيران، وهو التوجه الذي كان يسعى إليه الرئيس الراحل، مستهدفا تحويل البلاد من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق.
وفي الشهور الأخيرة حاولت “ماهان إير” الالتفاف على العقوبات الأمريكية من خلال تغيير شعارها واستئجارها طائرات من شركة “قشم” للطيران، وأسندت إلى الضابط المتقاعد من الحرس الثوري الجنرال غلام رضا قاسمي، مهمة تنسيق الرحلات إلى سوريا؛ لإرسال السلاح والمقاتلين من ميليشيات لوائي الفاطميون والزينبيون وعناصر حزب الله والحشد الشعبي، وفق ما أفاد به موقع موقع “آمد نيوز”.
وعليه يمكن القول إن قرار ألمانيا حظر التعامل مع شركة “ماهان إير” قد يكون أولى حلقات سلسلة الحظر الأوروبي الكامل لشركات الطيران الإيرانية تلك التي تتعامل حتى الآن مع مطارات إيطاليا واليونان وإسبانيا والنمسا.