تدرك إيران جيدًا أن منطقة الشرق الأوسط باتت تمر بمرحلة دقيقة تتطلب إعادة ترتيب القوى الإقليمية فيها، وعلى الرغم من وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له وعلى رأسه وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، بشكل مفاجئ خلال عودتهم من أذربيجان الشرقية، وهي الوفاة التي لم تكن إيران تعد لها العدة الكافية لمواجهة تداعياتها، إلا أن استراتيجية إيران تجاه المنطقة لن تتغير مهما تغير من يجلس على كرسي الرئاسة في إيران.
جولات تصعيد غير مسبوقة
وقد جاءت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد جولة من غير مسبوقة من التصعيد بين إيران وإسرائيل، والتي كانت أبرز تجلياتها أن هاجمت إيران عمق إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخ الباليستية والكروز، بعد مقتل أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا محمد رضا زاهدي في غارة إسرائيلية على مقر القنصلية الإيرانية في سوريا في الأول من إبريل الماضي، وهو ما كان يضع نظام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تحت المجهر لمعرفة الرد المتوقع من إيران تجاه هذا الاعتداء، وهو ما رسم خطًا جديدًا في طبيعة السياسات الإيرانية تجاه دول الإقليم باعتبار أن ذلك الهجوم هو الأول من نوعه من إيران تجاه إسرائيل.
تظهر المؤشرات العامة للسياسات الإيرانية أن الفراغ المفاجئ في السلطة التنفيذية الإيرانية نتيجة وفاة الرئيس الإيراني لا تعد مؤشرًا على حدوث أي تغيير في استراتيجية إيران المتعلقة بالسياسة الخارجية والإقليمية الإيرانية تجاه منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن إيران دولة مؤسسات ويجلس المرشد الأعلى علي خامنئي على رأس تلك المؤسسات.
كما يمكنه رسم ملامح سياسية جديدة داخليًا وخارجيًا بالتنسيق مع مؤسسات الحرس الثوري سواء العسكرية أو الاقتصادية، كما يمكنه دعم صعود شخصية معينة في وقت قريب لتولي منصب الرئيس خلفًا للرئيس الراحل بسهولة ويسر، وهو ما يجعل من المرشد بمثابة المايسترو في الفرقة الموسيقية، والذي يقود الأوركسترا للخروج بمشهد نهائي ملائم له.
استراتيجية استثمار الوكلاء
وقد أظهرت مؤشرات أن النظام في إيران يسعى إلى استثمار جماعاته ووكلائه في الإقليم للاستمرار في نشاطه العسكري والسياسي بعد وفاة رئيسي، ويعزز تلك الفرضية الاجتماع الذي عقده قائد الحرس الثوري إسماعيل سلامي وذراعه الأيمن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني مع قادة الحركات العسكرية والسياسية المدعومة من إيران في عدة دول عربية أبرزها الحوثيين وحركة حماس وحزب الله وغيرهم من الفصائل الولائية التي تدين بالولاء لإيران، عقب مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل، وهو الاجتماع الذي أسفر عن تأكيد لهؤلاء الوكلاء بأن إيران لازالت ملتزمة بدعمهم ودعم نشاطهم وممارساتهم في الإقليم لتحقيق الأجندة الإيرانية، وهي رسالة بأن وفاة الرئيس الإيراني ليس معناه تقليص الدعم الإيراني لوكلائها أو حلفائها كما تسميهم.
وتسعى إيران في الوقت الحالي إلى القفز على العقوبات الأمريكية من أجل عدة أمور هي:
أولًا: الاستمرار في دعم وكلائها في الإقليم حتى لا ترسل وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إشارات إلى “أعداء إيران” أو ما تسميهم “قوى الاستكبار العالمي” بأنها باتت غير قادرة على الحركة في الإقليم نتيجة وفاة أحد رجالاتها.
ثانيًا: ضرورة تحديث منظومتها العسكرية والمدنية على حد سواء لتلافي الأزمات المتكررة التي وقعت فيها إيران وأبرزها سقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي والتي أدت لوفاته، علاوة على ضرورة النظر بعين الاعتبار لتحديث منظومتها العسكرية بالتعاون مع روسيا والصين، إذ من المرجح أن تضاعف طهران جهودها للحصول على أسلحة روسية متقدمة، حتى لو كان ذلك من شأنه أن يضر بعلاقات إيران مع أوروبا التي يتماهى موقفها مع الموقف الأمريكي في فرض العقوبات ومهاجمة إيران بتصريحات عدائية.
خاتمة
في المجمل يمكن التأكيد على أن إيران – بعد وفاة رئيسي – ترمى إلى تعظيم نفوذها وتطوير سيطرتها الاستراتيجية والعسكرية على عدة مناطق أبرزها سوريا، حيث تسعى لتخفيف سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد المتحالفة مع الولايات المتحدة على الأراضي الواقعة شرق نهر الفرات في سوريا من أجل تعظيم النفوذ الإيراني في سوريا.
كما ستسعى طهران للتركيز على معالجة الإخفاقات الاستخباراتية المتكررة التي كشفت عن عوار كبير في منظومتها الاستخباراتية والعسكرية، والتي أدت إلى ما وصلت إليه طهران الآن.