ــ كرماني: المرشح المتشدد رئيسي هو رئيس إيران المقبل دون انتخابات وإنما بـ «مرسوم» من المرشد علي خامنئي
ــ محمد رضا زايري: التلفزيون الإيراني يقدم رئيسي بطريقة غريبة.. ولا يجب أن نتفاجأ إذا قابلوه في برنامج عن الطبخ!
ــ كان واحدًا من أربعة قضاة وراء عمليات «الإعدام الجماعي» لمئات النشطاء السياسيين والمنشقين
ــ مراقبون: مشاركة رئيسي في إعدام مئات السياسيين هي أكبر جريمة في تاريخ النظام الإيراني
ــ محللون: الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون مُفصّلة «على مقاس رئيسي».. ونجاد: لن أعترف بالنتائج
في مناسبة علنية بشهر مايو الماضي، بارك المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، ترشيح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثامن عشر من يونيو الراهن، بعد أن استبعد مجلس صيانة الدستور عددًا كبيرًا من المرشحين البارزين، من بينهم محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق، وعلي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني السابق، وغيرهما من كبار السياسيين الإيرانيين، ما يعني أن منصب الرئيس بات «محجوزًا» لحساب إبراهيم رئيسي بأمر من المرشد.
وجاءت مباركة المرشد لرئيس السلطة القضائية للترشح للانتخابات بعد قيام أكثر من 220 نائبًا من التيار الأصولي في 26 أبريل الماضي، بإرسال رسالة إلى «رئيسي»، دعوه خلالها للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال النواب في رسالتهم إنهم يعتقدون أن رئيس القضاء خيار جيد لأنه «ثوري وفعّال»، ووجهوا في رسالتهم انتقادات حادة إلى الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، وقالوا إنه يعاني من «ضعف الأسس النظرية والركود والخمول العملي».
وتعليقًا على ذلك، قال محمد جواد حجتي كرماني؛ رجل الدين الإصلاحي والعضو السابق في مجلس خبراء القيادة، إن المرشح المتشدد رئيسي هو رئيس إيران المقبل من دون انتخابات، وإنما بـ «مرسوم» من المرشد علي خامنئي، داعيًا إلى «إعفاء الناس من متاعب الترشح في الانتخابات الرسمية وتجنب إهدار عشرات المليارات من الدولارات على الانتخابات».
انتخابات «على مقاس رئيسي»
في أواسط مايو، ردد المحافظون في إيران دعوة خامنئي لتشكيل حكومة «ثورية شابة»، وقال بعض المحللين «إن خامنئي يشير إلى حكومة أخرى مثل حكومة محمود أحمدي نجاد، مع استثناء نهايتها المتفجرة»، واعتقد البعض الآخر أنه يريد أن يمنح مقاليد السلطة التنفيذية للحرس الثوري ليتمكن، مع وجود برلمان يمتثل للأوامر، من قضاء ما تبقى من حياته وفترة ولايته، في سلام نسبي.
وشرح خامنئي خلال اجتماع مع مجموعة منتقاة بعناية من الطلاب في 11 مايو، تصريحاته السابقة، قائلًا «اعتقد البعض أن الحكومة الثورية الشابة تعني حكومة يكون أعضاؤها جميعا بين 30 و35 عامًا. لكن هذا لم يكن يعني رفض ذوي الخبرة وقدماء المحاربين».
قبيل ساعات قليلة من تصريحات خامنئي، نشرت وكالة أنباء «تسنيم» تقريرًا حصريًا خلص إلى أن ترشيح رئيسي مؤكد، وعلى هذا النحو، كان ينظر إلى تعريف خامنئي الجديد للحكومة الشابة على أنه اتفاق ضمني مع ترشيح رئيسي.
وعرض عدد من المواقع الإلكترونية الإيرانية تصريحات خامنئي عن الانتخابات في قائمة من 8 نقاط، كان البند الأول على القائمة، أن الحكومة الثورية الشابة لا تنتمي حصريًا إلى الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و35 عامًا. وهكذا وضع الأسس لترشيح رئيسي، البالغ من العمر 61 عامًا.
وحاولت وسائل الإعلام التابعة للنظام، بما فيها إذاعة جمهورية إيران، تلميع صورة رئيسي. وكان حجم التغطية الإخبارية هائلًا إلى درجة أن بعض المدراء الرئيسيين انتقدوها، وفي الآونة الأخيرة، قال رجل الدين محمد رضا زايري: «التلفزيون يقدم السيد رئيسي بطريقة غريبة، ولا يجب أن نتفاجأ إذا قابلوه في برنامج عن الطبخ».
كما انتقدت شخصيات سياسية في إيران قرار مجلس صيانة الدستور، باستبعاد عدد من المرشحين الإصلاحيين وحلفاؤهم المعتدلين من سباق الانتخابات الرئاسية، لإفساح المجال أمام رئيسي باعتباره مرشح المرشد. وتصاعدت الانتقادات لدرجة أن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد قال إنه لا يعترف بالانتخابات القادمة، فيما اعتبر صادق لاريجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام وعضو مجلس صيانة الدستور، أنه لا يمكن الدفاع عن أداء المجلس الغريب من نوعه، في بلد يزعم أنه ثوري.
مذبحة الصيف الدامي
وُلد رئيسي في 14 ديسمبر 1960 في مدينة مشهد، مسقط رأس المرشد الأعلى أيضًا. وخلال فترة اندلاع الثورة (أكتوبر 1978- يناير 1979م)، كان رئيسي طالبًا في دراسات الفقه في قم.
وعلى الرغم من أنه كان يبلغ من العمر 18 عامًا فقط في ذلك الوقت، إلا أنه كان واحدًا من 70 من رجال الدين الشبان المختارين للمشاركة في حلقة دراسية مكثفة حول الكفاءة السياسية والإدارة، من أجل ملء الفراغ في السلطة الذي أعقب الإطاحة بالشاه. وكان علي خامنئي، أحد رجال الدين الذين علّموا رجال الدين المختارين. ومع ذلك، فإن علاقات رئيسي المبكرة مع خامنئي لم تكن العامل الوحيد وراء صعوده السريع في النظام.
شكّلت خلفية رئيسي الشخصية، بما في ذلك علاقاته العائلية، عنصرًا مساعدًا، فهو صهر أحمد علم الهدى، خطيب الجمعة في مدينة مشهد وأحد أكثر الشخصيات المتشددة في البلاد. ومنذ الأيام الأولى لإيران ما بعد الثورة، كان علم الهدى حليفًا وثيقًا لخامنئي، فقد كانت العلاقات بين الرجلين ميزة سياسية لا غنى عنها لمنصب رئيسي.
فقد استهل رئيسي حياته المهنية كمدعٍ قضائي عام، وهو في سن العشرين تقريبًا، وكان أصغر مدعي عام «وكيل نيابة» في إيران، ثم تدرج سريعًا في المناصب القضائية بفعل التزامه بمعايير الثورة الإيرانية، وتفانيه في إصدار أحكام الإعدام والسجن المشدد للمعارضة.
وأمضى رئيسي حياته العملية في الجهاز القضائي في إيران حيث عيّن بعد عام من الثورة كمدعي عام لمدينة همدان في عام 1980 وكان عمره 20 عامًا فقط. وفي العام 1985 عيّن مساعدًا للمدعي العام في طهران، حتى أصبح في العام 1988 عضوًا في ما يعرف بـ«لجنة الموت» مع أعضائها الآخرين، حسين علي نيري ومرتضى إشراقي ومصطفى بور محمدي، والتي دبرت وأشرفت على عمليات إعدام الآلاف من السجناء السياسيين بأمر مباشر من المرشد الأول للنظام روح الله الموسوي الخميني.
ثم تدرج رئيسي في المناصب القضائية بسرعة كبيرة حيث عين منذ العام 1989 حتى 1994 في منصب المدعي العام في طهران، ومن 1994 لغاية 2004 كان رئيسًا للجنة التفتيش في البلاد، وبعدها تم تعيينه كمساعد أول في السلطة القضائية لفترة 10 سنوات، قبل أن يتولى رئاسة العتبة الرضوية بمشهد، كما أصبح منذ 4 سنوات المدعي العام للمحكمة الخاصة برجال الدين.
وفي صيف عام 1988، كان واحدًا من أربعة قضاة وراء عمليات «الإعدام الجماعي» لمئات النشطاء السياسيين والمنشقين عن النظام. فقد وقف آلاف من السجناء أمام اللجنة التي كان رئيسي جزءًا منها، وسألهم عما إذا تخلوا عن معارضتهم وباتوا يؤمنون بالجمهورية الإسلامية، كما سُئل البعض عما إذا كانوا على استعداد للسير عبر حقول الألغام العراقية. أما أولئك الذين لم يكونوا مستعدين للتخلي عن آرائهم، فقد أعدموا. وتقدر منظمة العفو الدولية أن 4500 شخص أعدموا خلال ما أُطلق عليه فيما بعد «مذبحة الصيف الدامي».
وفي الذكرى الـ28 للإعدامات الجماعية، وتحديدا في أغسطس 2016، أصدر الموقع الرسمي لآية الله حسين علي منتظري، الرجل الثاني في النظام وقتها بعد الخميني، ملفًا صوتيًا من اجتماعٍ عقده في عام 1988 مع كبار القضاة والمسؤولين القضائيين المشاركين في عمليات الإعدام، بما في ذلك رئيسي. فقد جدد التسجيل، الذي يُسمع فيه منتظري يندد بعمليات القتل، الدعوات لإعادة التحقيق في عمليات الإعدام، وإبراز دور رئيسي الدموي في «لجنة الموت» الشهيرة.
ودخل رئيسي السباق الرئاسي لأول مرة في 6 أبريل 2017، قائلا إن «مسؤوليته الدينية والثورية ما دفعته للترشح»، وأعرب عن استعداده للنظر في إحداث تغييرٍ جوهري في الإدارة التنفيذية للبلاد، وهو الأمر الذي يعتبره المواطنون الإيرانيون نوعًا من الخداع المكشوف، خاصة أن رئيسي هو أحد كبار المتشددين في البلاد.
روحاني يصف رئيسي
يرى مراقبون أن رئيسي لا يتمتع بأي «كاريزما» وليس متحدثًا لبقًا، فقد تم تقييم أدائه في أول مناظرةٍ رئاسية تلفزيونية بالضعيف والمضجر. ولذلك، فإن رئيسي لم يملك سوى فرصة ضئيلة أمام الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي أيدته شخصيات إصلاحية ذات شعبية مثل محمد خاتمي. وقد نجح المعتدلون والإصلاحيون، على مر التاريخ، في تعبئة المجموعات الاجتماعية حول الانتخابات. وبهذه المناسبة، احتشد جميع اللاعبين المهمين في المعسكر الإصلاحي خلف روحاني.
وحقق روحاني فوزًا بأغلبيةٍ ساحقة، محرزًا 23,549,616 (38,3%) صوتًا من أصل 42,382,390 صوتًا، فيما حصل رئيسي على 15,786،449 صوتًا. جاء رد فعله بطلبه من مجلس صيانة الدستور التحقيق في «انتهاكات القانون» قبل الانتخابات وخلالها، مما يُشير إلى وجود مخالفاتٍ استفاد منها منافسه. كما رفض تهنئة روحاني بالفوز.
بعد هزيمته الانتخابية، بدا أنه من غير المرجح أن يصبح رئيسي المرشد الأعلى التالي. ومع ذلك، فقد ظل شخصيةً سياسية ودينية مؤثرة في المؤسسة الإيرانية الحاكمة، حيث واصل السيطرة على أغنى مؤسسة دينية شيعية في العالم الإسلامي، وتربطه علاقاتٌ وثيقة بكلٍ من خامنئي والحرس الثوري. ويمكن لهذا أن يساعده في الظفر بمناصب مؤثرة أخرى.
وفي مارس 2019، أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي قرارًا بتعيين «رئيسي» في منصب رئيس السلطة القضائية. وقالت «الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران»، في بيان صدر وقتها، إن «تعيين إبراهيم رئيسي رئيسًا للسلطة القضائية من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي يعني أنه لا مكان لمفهوم سيادة القانون في البلاد، حيث إن رئيسي كان قاضيًا في «لجنة الموت» المسؤولة عن تصفية آلاف السجناء السياسيين في سجون إيران صيف عام 1988. وإن «هذا التعيين يظهر مدى تجاهل سيادة القانون ومكافأة لمن يشاركون في جرائم حقوق الإنسان».
ومنذ ذلك التاريخ، أُطلق على رئيسي عدة ألقاب، منها قاضي الموت، ورجل الإعدامات، التي وُصفت بأنها كانت «أكبر جريمة في تاريخ النظام الإيراني»، وقال روحاني عندما ترشح «رئيسي» للانتخابات السابقة، «لن يصوت الناس في صناديق الاقتراع لأولئك الذين عرفوا فقط الإعدام والسجن لمدة 38 عامًا».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
«قاضي الموت» سيصبح رئيس قضاء إيران.. هذا تاريخه الدموي، موقع «العربية»، 20 فبراير 2019.
إبراهيم رئيسي.. «رئيس إيران» بقرار خامنئي، موقع «العين الإخبارية»، 27 مايو 2021.
«قاضي الموت» رئيسًا للقضاء الإيراني، موقع «الحرة»، 5 مارس 2019.
الحرس الثوري يرفض ترشيح إبراهيم رئيسي لرئاسة إيران، موقع «24»، 20 أبريل 2021.
إبراهيم رئيسي: شخصية ذات تأثير في إيران، موقع «فاناك»، 3 يوليو 2017.
قاضي الموت.. حائر بين خلافة خامنئي ورئاسة إيران، موقع «مكة»، 20 مايو 2021.