لم يعد يخفى على أحد طبيعة العلاقة بين كل من حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإيران مع اختلاف عقائد كل منهما، إلا أن القضية الفلسطينية وحدت الشتيتين، في ظل الدعم المادي واللوجيستي والعسكري الذي تقدمه طهران إلى حركة حماس في فلسطين، لا سيمًا مع تعالي الأصوات الإيرانية التي قد تبدو في ظاهرها معادية لإسرائيل التي تدخل مع حركة حماس في مقاومة وتصعيد مباشرين من وقت لآخر، حتى إن حماس اعتبرت أن طهران هي الداعم الأقوى للقضية الفلسطينية، وأنها الوجهة الوحيدة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
أسباب التقارب
قد يعزي البعض أسباب التقارب بين حماس “السنة” وإيران “الشيعة” إلى أسباب مادية تتعلق بالدعم المالي والعسكري الذي تحصل عليه «حماس» من طهران، ومع تزايد أصوات انتقدت الحركة على موقفها من طهران وعلاقاتها المريبة بنظام الملالي، في ظل تدخل إيران لمحاولة خلخلة عدد من النظم السياسية العربية كما يحدث في اليمن ولبنان والسعودية، إلا أن خالد مشعل برر تلك العلاقة بعد أن أعلن أنه يطرق جميع الأبواب من أجل الحصول على تكاتف عربي ودولي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتوحد وجهات نظر الطرفين بوجوب تحرير فلسطين كاملة من الاحتلال الإسرائيلي.
الأمر الآخر أن طهران اتخذت من القضية الفلسطينية ستارًا لها للحصول على دعم وتعاطف كبيرين فأعلنت الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشعارات ودعاية بررت بها هدم نظم عربية أخرى على اعتبار أنها متعاونة مع دولة الكيان الإسرائيلي، فاتخذت شعارًا لها في اليمن لهدم الشرعية اليمنية لا يمت بصلة للدولة اليمنية من الأساس، حيث جاء في شعارها «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام»، وحتى أن قيادات الحوثيين المدعومين من طهران بشكل مباشر بالمال والعتاد والصواريخ الباليستية التي توجه للأراضي العربية من وقت لآخر يعلنون أن حربهم جاءت لوقف التمدد الإٍسرائيلي على الأراضي العربية.
كما تمثل علاقة إيران بحزب الله اللبناني قاعدة أساسية انطلقت منها حركة حماس لوضع البنية التحتية في علاقاتها مع طهران، حيث يمثل حزب الله حائط صد في مواجهة إسرائيل، ولذلك تعتبر نقطة الانطلاق واحدة، ما عجّل بمزيد من التوافق بين أطراف القضية الفلسطينية.
ويمثل الدعم المادي والعسكري أبرز النقاط التي بنت حماس عليها العلاقة مع طهران، في ظل التدريب العسكري والعتاد والأموال التي تحصل عليها الحركة من وقت لآخر من خزائن طهران المنهكة بفعل الأزمات الداخلية والعقوبات الدولية وفشل الحكومات المتعاقبة في استقدام الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن تدريب عناصر القسام على يد أعضاء الحرس الثوري، وإمدادهم الحركة بمزيد من السلاح والعتاد العسكري لمواجهة الكيان الإسرائيلي.
بداية التوتر
بدأ التوتر يخيم على علاقة طهران بحركة المقاومة الإسلامية بعد التسجيل المسرب لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقتها موسى أبو مرزوق عام 2016، بعد أن هاجم طهران ووصفها بأنه تقتل المدنيين في اليمن، وأن حركة حماس لا تتلقى أي دعم من إيران، فضلًا عن موقف الحركة من الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية في 2011، بعد أن طالبت طهران حركة المقاومة بدعم الرئيس السوري بشار الأسد، فيما رفضت الحركة الطلب الإيراني معللة بأنها لا تدعم أي رئيس يقتل شعبه.
عقب تلك التصريحات بدأت العلاقة بين الطرفين في الانهيار قبل أن يعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن زيارته لطهران لتلطيف الأجواء بعد تصريحات موسى أبو مرزوق تلك التي نالت من إيران، وخشية من أن يتوقف الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إلى حركة المقاومة، ما عجّل كذلك من تقدم رجل طهران الأول في حركة حماس «يحي السنوار» في تولي مقاليد عدة مناصب كان نهايتها رئيس الحركة بطلب من طهران.
وتشير التقديرات ـ رغم عدم الإعلان عن حجم العطايا الإيرانية للحركة ـ إلى أن الدعم المالي الإيراني لحماس يقدر بعشرات الملايين من الدولارات، طبقًا لما ذكرته صحيفة «صنداي تلغراف» عام 2015، على لسان مصادر استخباراتية، حيث يصرف المبلغ على إعادة بناء الأنفاق التي تستخدمها الحركة في عملياتها ضد إسرائيل، ولإعادة بناء ترسانتها الصاروخية.
تبادل الزيارات
مثلت طهران قبلة لحركة حماس تولي وجهها إليها من وقت لآخر، فقد بدأت العلاقة رسميًا بين الطرفين عام 1990 وتطورت بالزيارات المتلاحقة لوفود حماس إلى طهران كان أبرزها الوفد الذي سافر لحضور حفل تنصيب رئيس إيران حسن روحاني، بعد أن نجح في الانتخابات الماضية، وكان لتلك الزيارات أثرها الواضح على دعم طهران وتأكيدها على متانة العلاقة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، ما أدى إلى أن يستتبعها لقاءات مع قادة الحرس الثوري من وقت لآخر لبحث الدعم العسكري وتطوير المنظومة العسكرية لحركة حماس في مواجهة التطور العسكري الإسرائيلي.
الأمر الأخير يتعدى إلى مزيد من الدفء في العلاقة حيث اعتاد رجال الحركة على مجاملة طهران في أكثر من مناسبة والتي كان آخرها وفد حماس الذي توجه إلى طهران للمشاركة في مراسم تأبين والد القيادي في الحرس الثوري وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، في مدينة كرمان جنوبي إيران، حيث رأس الوفد الحمساوي صالح العاروري أحد رجال حماس الأوفياء لطهران بالإضافة إلى عزت الرشق وعدد من المسؤولين بالحركة، فضلًا عن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح.