بنفس الإصرار الذي تتحلى به النخبة الإيرانية لامتلاك سلاح نووي، يسعى المجتمع الدولي لعرقلة امتلاك إيران تلك القوة بشكل أساسي خلال تلك الفترة، وحتى مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق النووي في فيينا عام 2015، وهو الاتفاق الذي خرج منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على اعتبار أنه اتفاق ناقص لم يحقق الهدف المنشود منه، فضلًا عن أن إيران سبق أن خرقت ذلك الاتفاق، ولا زالت تقوم بدور مزعزع للاستقرار في المنطقة.
تكمن الرؤية الأمريكية في مسألة الانسحاب ليس فقط في أن الاتفاق النووي ناقص في جوهره لعوامل محاصرة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، ولكن أيضًا لأن إيران خرقت الاتفاق النووي منذ لحظة توقيعه، وهو ما أكده بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، والذي أكد انه حصل على أمر مباشر من المرشد الأعلي لإيران علي خامنئي بضرورة تغيير أنابيب الوقود والتي تم صب الأسمنت فيها لتعطيلها بموجب الاتفاق النووي، فضلًا عن الاستمرار سرًا في تخصيب كمية من اليورانيوم.
كل ذلك بالإضافة إلى مماطلة كبيرة من إيران في مسألة السماح للمفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى أماكن معينة داخل المفاعلات النووية المشبوهة، والمتوقع أن يكون الإيرانيين استأنفوا العمل بها، كل ذلك مع العلم أن إيران سبق أن وقعت على معاهدة الحد من الانتشار النووي وهددت في وقت لاحق بالانسحاب من المعاهدة اعتراضًا على الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي.
كذلك تتمثل الرؤية الأمريكية والغربية في منع إيران من امتلاك سلاح نووي بسبب حالة الارتباك الشديدة التي تعاني منها إيران سياسيًا واجتماعيًا، فضلًا عن الخلل الكبير في البنى التحتية للدولة بشكل عام، وقد ظهر هذا الارتباك الكبير في مسألة محاولة إيران الثأر لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير من العام الماضي، بعد أن قررت توجيه صواريخ إلى قاعدة عين الأسد في العراق، وتسببت تلك الصواريخ في إسقاط طائرة أوكرانية مدنية ووفاة كل من كان على متنها، وقتها دارت التساؤلات حول طبيعة امتلاك إيران لأسلحة نووية خطيرة، في ظل تلك الحالة من الارتباك الشديد الذي تعاني منه.
وأكد الكثير من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين أن في حال توجيه دولة لصواريخ إلى دولة أخرى، فإنه من البديهي أن تعلن الدولة الأولى عن غلق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية لحين الانتهاء من توجيه ضربتها، لكن ذلك الخطأ الاستراتيجي وما أطلق عليه حالة الارتباك الشديدة وقتها أوقع إيران في خطأ فادح لازال صداه يتردد حتى كتابة تلك السطور.
تكمن الأزمة الأخرى في أن إيران أو النخب العسكرية الإيرانية دائمة التباهي بتمويل إيران لميليشيات مسلحة في عدة دول عربية وهي الحشد الشعبي وحزب الله العراقيين فضلًا عن ميليشيات أخرى، علاوة على الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وحركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وعدد من الميليشيات السورية، وقد سبق أن تباهت النخب العسكرية الإيرانية بأن إيران باتت تسيطر على خمسة عواصم عربية في المنطقة.
كان ذلك قد سبق أن أثار تساؤلًا حول طبيعة شكل المنطقة في حال إذا زودت إيران تلك الميليشيات المترامية في المنطقة بأسلحة متطورة أو صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية؟، في الوقت الذي لا تزال ميليشيا الحوثي ـ المدعومة إيرانيًا ـ تطلق تلك الصواريخ الباليستية باتجاه المملكة العربية السعودية، وقد عزز ذلك التساؤل رفض إيران الجازم بإخضاع منظومتها الصاروخية والباليستية لأي اتفاق مع أي شريك أجنبي سواء كانت الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من القوى العالمية.
كذلك إذا وصلت إيران إلى مستوى عالي من تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية، وتم الإعلان في وقت قريب عن أن إيران باتت تمثل قوة نووية في منطقة الشرق الأوسط، فقد يفتح ذلك الباب أمام السباق التسليحي في المنطقة، في وقت يلجأ فيه العالم أصلا إلى الحد من الأسلحة النووية والانتشار النووي في العالم أجمع، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، في ظل أنها منطقة تشهد اضطرابات كثيرة في عدة دولة أبرزها سوريا واليمن وليبيا والعراق، وغيرها.
في الوقت الذي تعمل فيه إيران على الولوج للعتبة النووية، تسعى القوى الكبرى النووية في العالم للحد من تلك الأسلحة وتخفيض عدد الرؤوس النووية لديها وهما أمريكا وروسيا، واللذان يمتلكان 93% من ترسانة القنابل النووية في العام، وهو ما دفع القوتان إلى التوقيع على معاهدة ” نيو ستارت”، والتي تنص على خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية لدى البلدين، وتم توقيع تلك الاتفاقية في عام 2010، فيما تسعى كلا الدولتين لإعادة النظر في تجديد تلك الاتفاقية، حيث بات أمر تجديدها أحد الأولويات أمام الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
ـــــــــــــ
نقلا عن “البوابة نيوز”