قبيل انعقاد مفاوضات “إحياء الاتفاق النووي” في فيينا، تناقلت وكالات الأنباء الغربية فكرة جديدة بشأن المفاوضات إذ يُقال إن الولايات المتحدة الأمريكية، قد أطلعت السلطات الإسرائيلية على تفاصيل ما سيجري فيها، ومن ذلك ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه وبرغم مواقف أمريكا المكشوفة، إلا أن البيت الأبيض وخلال الأيام الأخيرة، تباحث حول إمكانية إبرام اتفاق مؤقت مع إيران مقابل إلغاء بعض العقوبات، ما من شأنه الحد من تخصيب اليورانيوم وتحويله إلى وقود.
في وقت سابق نشرت وكالة أكسيوس تقريرًا مشابهًا، لكن للآن لم يؤكده المسؤولون الأمريكون أو ينفونه. كما لم توضح إيران موقفها الرسمي تجاهه. في حين يُعتقد أن فكرة الاتفاق المؤقت قد طُرحت على الطاولة خاصة أن الحكومة الإيرانية الجديدة تميل إلى التغاضي عن الجولات الست لمحادثات فيينا وتغيير مسارها.
فيما يخص الرأي العام في إيران، فقد اعتبر البعض فكرة الاتفاق المؤقت فخًا، بينما رآهُ آخرون فرصة مبتكرة للحكومة الجديدة.
ماذا يعني الاتفاق المؤقت؟
يقول “على بيجدلي” خبير الشؤون الدولية في خلال حواره مع وكالة أنباء فرارو، حول اقتراح أمريكا اتفاق مؤقت مدته ستة أشهر: “وفق الاتفاق، ستُلغی العقوبات المفروضة في عهد الرئيس روحاني، أي سترفع العقوبات النفطية والغاز، والمنتجات البتروكيماوية، ومن بعدها العقوبات البنكية والتحويلات المالية، وبالتالي ستتمكن إيران من إعادة الموارد المالية لبيع النفط إلى داخل البلاد”.
هنالك مشكلة في هذا الصدد، وهى امتناع إيران عن الموافقة والانضمام إلى مجموعة العمل المالي (FATF). فإيران لا تزال مدرجة على القائمة السوداء لـ(FATF)، ما يعني أن بنوك العالم الصغيرة أو حتى الكبيرة لن تعمل مع إيران، ولهذا من الناحية العملية، سيظل رفع العقوبات مبتورًا غير مكتمل.
بيجدلي أضاف: “من جهة أخرى، ستتعهد إيران بالحد من نسبة تخصيب اليورانيوم المرتفعة، والتخلي عن تطوير أجهزة الطرد المركزي في منشأة كرج النووية، علاوة على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآت البلاد النووية، أيضًا هنالك أمرٌ مهمٌ في هذا الخصوص، وهو سعي أمريكا بعد الاتفاق المؤقت، إلى إجراء مباحثات نهائية ومتابعة للقضايا الأخرى، والتي من بينها: البرنامج الصاروخي ونفوذ إيران في المنطقة، ودعمها لبعض الجماعات في المنطقة.
خلاصة الأمر، أن قبول إيران بهذا الأمر أو حتى رفضها لا يزال قابلا للنقاش، ولكن تجدر الإشارة إلى أن السبيل الوحيدة المتبقية لخروج البلاد وتخلصها من أزمتها الاقتصادية الراهنة هي المفاوضات.
وفي إشارته لمؤتمر المنامة – مؤتمر الأمن الأقليمي المقام في العاصمة البحرينية المنامة – الذي حضره وزير الدفاع الأمريكي وأنه قرَّب بين موقف أمريكا والدول العربية بالمنطقة، أضاف: “أمريكا تسعى إلى تشكيل تحالف دولي وإقليمي للضغط على إيران، وذلك من خلال إقامة علاقات بين إسرائيل وبين الدول العربية. علاوة على صعود حركة طالبان للحكم في أفغانستان شرق إيران، وانتصارات مقتدى الصدر المعارض للوجود الإيراني في العراق، اللذان يعدان قطعة من الأحجية، كذلك التحالف بين أذربيجان وبين إسرائيل وبين تركيا، وباكستان في شمال غرب إيران، يتمثل قطعة أخرى من هذه الأحجية.
ضعف الاتفاق المؤقت
أما “مهدي ذاكريان” محلل الشؤون الدولية ذكر في حواره مع وكالة فرارو حقيقة الاتفاق المؤقت بقوله: “إنه ليس سوى قشرة بطيخ تحت أقدام إيران. في إشارة إلى ضعفه وانعدام مغزاه في المحافل الدولية. لأن إثارة هذه القضية يُظهر مساعي الولايات المتحدة لحرمان إيران من مفاوضات منطقية، وبالتالي حقها النووي الطبيعي. وينبغي القول إن الاتفاق الرسمي المبرم بين إيران وبين الدول 5+1 في الماضي أوفت فيه إيران بكل التزاماتها. أما الطرف الآخر لم يفِ بوعوده فحسب، بل انسحب من الاتفاق النووي.
وأكد أن هنالك نقطة مهمة، بمقتضاها لا يمكن بدء المفاوضات في ظل الظروف الراهنة، وهي تعويض الأمريكين لإيران بنقض الاتفاق، والاعتراف الرسمي بالتعهدات. فلاشك أن إيران التي تراجعت عن التزاماتها في فترة ما، من أجل استفزاز أمريكا يُفترض لها العودة إلى البنود الرئيسة للاتفاق النووي.
إذا أي اقتراح جديد يتضمن عنوانا مثل: اتفاق مؤقت أو ملحق.. إلخ، هو بمثابة قشرة بطيخ ضعيفة، يريدون وضعها أسفل أقدام المفاوضين الإيرانيين.
ومن ذلك يُفهم أنه لم يعد بإمكان الغرب خداع إيران، وعليه يُطرح موضوع آخر عن موقف أطراف مفاوضات فيينا، وكيف يجب أن تتصرف إيران في تلك المفاوضات؟ ليجيب عنه سفير إيران السابق في فنزويلا أحمد سبحاني خلال حواره مع وكالة فرارو على النحو الآتي:
نظرة إيرانية للجولة السابعة من المفاوضات
يرى السفير السابق، أن إيران قد توصلت إلى اتفاق مهم ــ أي الاتفاق النووي ــ مع الدول الغربية، وعليه أدت التزاماتها. أما الأطراف الغربية فأعرضت منذ البداية عن تعهداتها، بل وفرضت عقوبات جديدة على إيران. والأسوء من ذلك كله، عندما وقع دونالد ترامب على وثيقة خروج بلاده رسميًا منه. قد يبدو ظاهريًا، أن الدول الأوروبية اعترفت بالاتفاق النووي، لكنهم لم يفوا بأي من التزاماتهم. إما أنهم لم يرغبوا بذلك، أو لم يكن لديهم الاستقلال اللازم عن الولايات المتحدة، وبالتالي لم يتمكنوا من الالتزام.
ويواصل حديثه، قائلا: “الآن تدعي الولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووي، إذا يتعين على إيران اليقظة عند إدارة المفاوضات المقبلة، حتى لا تؤديها كالسابق من طرف واحد. فنحن لن نلتزم بأي تعهدات، دون أخذ الضمانات اللازمة من باقي الأطراف. كذلك من الضروري، أن تُظهر لنا حُسن نواياها، وأنهم لا يودّون التفاوض من أجل التفاوض فقط”.
ظروف العالم اليوم اختلفت عن السابق. والحقيقة هى أن جميع دول العالم تركب سفينة واحدة. أي إن وقوع حادث في ركن من أركان العالم، سيؤثر على بقية أركانه. لهذا يجب على الجميع البحث عن التكاتف.
مع ذلك ليس مقبولًا أن يقع الحمل على إيران مبكرًا خاصة وأن قادة الغرب يُسلمون السلطة للشرق بسرعة كبيرة، ولاسيما وأن السلطة العالمية للغرب اليوم أدنى مما كنت عليه منذ عقدين.
النتيجة
عليه يمكن القول، أنهم لن يحصدوا شيء من عداوتهم للجمهورية الإسلامية، ولكنهم على النقيض سيتكبدون الخسائر أيضا. على سبيل المثال أذعنت فرنسا لأوامر أمريكا بحظر بيع السيارات لإيران، بل وتركت سوق السيارات الإيرانية لمنافسيها. وبرغم هذا، جعلت التهديدات إيران مكتفية في بعض المجالات. ومن المفترض أن توضح هذه التفسيرات للغرب، أن المفاوضات لن تتقدم بالقوة، وينبغي أن تؤخذ مصالح وظروف كلا الجانبين بعين الاعتبار. وختامًا، يَلزم التأكيد، أنه حاليا وبرغم استعداد الغرب لاستئناف المفاوضات، لكن لم يعد بمقدوره خداع الجمهورية الإسلامية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
مادة مترجمة من اللغة الفارسية وهي عبارة عن جلسة حوارية عقدتها وكالة الأنباء الإيرانية “فرارو” مع عدد من المحللين بعنوان: “تحلیلگران در گفتوگو با فرارو بررسی کردند.. توافق موقت به جای احیای برجام؛ ماجرا چیست؟”. بتاريخ 2 آذر 1400 هـ. ش، الموافق يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2021.