أدلى محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للشؤون الإستراتيجية، بتصريحات أثارت موجة واسعة من الانتقادات، وذلك في أثناء الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، يوم 20 يناير 2023، وقد وصفت تلك التصريحات بأنها معادية للوطن وتجاوزت الدور الدبلوماسي الذي من المفترض أن يؤديه ظريف، إذ تناول فيها قضايا داخلية وخلافات سياسية، ما أثار استياءً كبيرًا بين الشعب الإيراني وأوساطه السياسية والإعلامية.
تصريحات إيرانية تثير الجدل
من بين التصريحات التي أثارت ردود فعل قوية في الداخل الإيراني، قول ظريف إن “المقاومة لم تعمل قط لصالح إيران. لقد عملوا دائمًا من أجل أهدافهم الشخصية”. وأضاف أن “المقاومة لم تتبع أوامرنا أبدًا” وأن بلاده لم تكن على علم بمخطط الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن “عملية طوفان الأقصى”.
هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول مدى التزام ظريف بمبدأ الدفاع عن مصالح إيران، واعتبرها البعض بمثابة تقليص لدور محور المقاومة في حماية الأمن القومي الإيراني.
وقد أدت تلك التصريحات إلى ردود فعل شديدة من لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي، التي أكدت أن التصريحات المتعلقة بالسياسة الخارجية يجب أن تصدر من المسؤولين المختصين فقط، وخاصة من وزير الخارجية، وأكدت اللجنة أن التصريحات غير المسؤولة من أفراد غير مختصين لا يمكن قبولها تحت أي ظرف.
الموقف الشعبي والسياسي
تصريحات ظريف أثارت أيضًا ردود فعل شعبية غاضبة، حيث شنّ العديد من الإيرانيين حملة على منصات التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #عزل_ظريف_مطلب_ملي، اعتراضًا على تصريحاته الموالية للغرب والمعادية للنهج القومي الإيراني.
وقد رأى العديد من المنتقدين أن هذه التصريحات تعكس مسارًا سياسيًا معاديًا للنظام الإيراني، ما جعل الدعوات للمطالبة بإقالته تزداد قوة، ليس فقط على المستوى السياسي بل في أوساط الشعب أيضًا.
يمكن توسيم موقف ظريف بالتوقيت الخاطئ، حيث جاءت تصريحاته في وقت حساس للغاية بالنسبة لإيران، إذ كانت البلاد تواجه ضغوطًا إعلامية ودولية متزايدة بعد اغتيال حسن نصر الله، والإطاحة بحكومة بشار الأسد، وكذلك التوترات الإقليمية والدولية المستمرة.
التحديات الداخلية والموقف الحكومي
في وقت يحتاج فيه النظام الإيراني إلى خطاب موحد وقوي لمواجهة هذه التحديات، جاءت تصريحات ظريف لتزيد من الانقسامات الداخلية ولتضعف مكانة البلاد على الساحة العالمية. وافتقر ظريف إلى الحكمة الدبلوماسية في هذا التوقيت، خاصة أنه كان في موقع حساس داخل الحكومة الإيرانية.
ولقد أعادت تصريحات ظريف المثيرة للجدل، فتح قضية النيويوركيين التي تشير إلى الدبلوماسيين الذين قضوا فترة دراساتهم في الغرب لاسيما الولايات المتحدة وكانوا يتمتعون بمسؤليات في الخارجية خلال حكم رفسنجاني وخاتمي وروحاني، بالإضافة إلى قضية إلغاء الجنسية الأمريكية عن أبناء ظريف.
وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة التي تلقاها ظريف، فإن الحكومة الإيرانية أعلنت أنها لا تخطط لتقديم شكوى ضد منظمي التجمعات المناهضة له أو الدخول في أجواء الشكاوى، وأكدت أن ظريف يُعتبر جزءًا من ثروات النظام، مشيرة إلى أنها تركز على تحقيق التوافق الداخلي.
هذا الموقف قوبل بانتقادات من بعض الأوساط السياسية، معتبرين أنه يمثل محاولة للتغطية على التوترات الداخلية، وعدم مواجهة أسبابها الأساسية، مع أن موقفها يبدو محاولة تفادي أي تصعيد داخلي يمكن أن يضعف جبهة النظام أمام الضغوط الخارجية، لكنه في مجمله غير موفق.
خاتمة
جملة ما أعلاه، أن تصريحات محمد جواد ظريف في دافوس تعد مثالًا على سوء التقدير السياسي والدبلوماسي في توقيت بالغ الحساسية، علاوة على أن موقفه دليل بعده عن طاولة صنع القرارات السياسية في إيران، ولعل هذا يستدعي من القيادة الإيرانية إعادة تقييم شامل لدوره في الحكومة، في وقت تحتاج فيه إيران إلى خطاب موحد وقوي لمواجهة التحديات الخارجية، كما أن مثل هذه التصريحات تساهم في زيادة الانقسامات الداخلية وتعريض مكانة البلاد على الساحة العالمية للخطر.