ما يجرى بأفغانستان بين الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف الأفغانية الآن، سواء كانت موالية للحكومة أو لحركة طالبان أو حتى لتنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، يقول إن جزءا كبيرا من الدواعش الذي سيختفي ويتبخر من سوريا قريبا سيتم توطينه بأفغانستان (على حدود إيران الشرقية)، فى ظل مشروع تفخيخ كل الحدود الإيرانية، سواء من الشرق بدواعش، أو من الغرب عبر العرب الأحواز أو الجماعات الكردية المسلحة، أو من الشمال عبر الجار اللدود أذرابيجان التى تحمل قواعدها العسكرية مقاتلات وطائرات تجسس إسرائيلية.
بُعيد الانسحاب الأمريكي
فبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب قواته من سوريا جاء أول رد فعل روسي عبر اجتماع لقيادة القوات البرية فى موسكو ترأسه قائد القوات البرية الروسية الفريق أوليغ ساليوكوف، وهو أمر قد يكون جديدا، فدائما ما كانت القوات الجوية أو الفضائية أو البحرية أو الدفاعات الجوية هي ما تأتي فى صدارة أي مشهد متعلق بمثل تلك الحالة.
ووقت أن أبحرت حاملة الطائرات الأمريكية جون ستينيس إلى الخليج العربي، كانت إيران قد بدأت فى تنفيذ مناورات الرسول الأعظم، والتى أجريت على جزيرة قشم المتاخمة للبر الرئيس الإيراني والقريبة من مضيق هرمز، مناورات تعد الأكثر عملية وواقعية، بعيدة عن الأجواء الاستعراضية التى كانت تتبعها طهران فى المرات السابقة، وهي مناورات تحاكي فى واقعها كيفية مواجهة تكرار سيناريو الغزو الأمريكي للعراق، حيث كان التركيز فيها على القوات البرية أعلى من المرات السابقة.
وانتهت تلك المناورات أمس مع وصول الحاملة الأمريكية لأول مرة لمياة الخليج العربي منذ هجمات الـ11 من سبتمبر 2001، بعد أن بادر الحرس الثوري استقبالها بإطلاق النيران تجاهها على أمل أن تصل رسالة قاسم سليماني مبكرا لواشنطن، وللعلم تلك أول حاملة مقاتلات أمريكية تصل مياه الخليج العربي منذ خروج أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران في الثانت من مايو الماضي.
إيران أمام تسونامي
ولئن كان ذلك الوضع مع إيران التى بدأت تستشعر أنها مقبلة على تسونامي مدمر، سيأتى خاطفا بعد زلزال في الداخل عبر إشعال مظاهرات داخلية حاشدة على غرار ما حدث فى طهران 2009 وبنهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، وعلى غرار ما يحدث فى لبنان والسودان الآن، فالوضع مع حليفها المؤقت أو حليف الضرورة (تركيا) مختلف تماما.
فما قدمته واشنطن لأردوغان بالأيام الاخيرة، بداية من انسحاب جيشها من سوريا وترك الأكراد عراة أمام الألتاي التركية (نوع من أنواع الدبابات)، بعد أن كان أردوغان هو الرئيس الوحيد الذي أبلغه ترامب بقرار انسحاب جيشه قبل الإعلان عنه بـ24ساعة، مرورا بتوريد منظومات باتريوت الدفاعية لتركيا، والنظر في أمر الداعية فتح الله كولن، والوعد بتقديم مقاتلات F35 لسلاح الجوي التركي، والتغير الجذري في نهج تصريحات واشنطن تجاه أنقرة، وكل ذلك وأكثر لم يكن إلا محاولة من واشنطن لشراء تركيا من جديد، واقتلاعها من بين أذرع الدب الروسي والنمر الفارسي.
وأذا كان حال الدواعش بسوريا قد ينقلهم على حدود إيران، فمشهد ضبط الجيش الليبي لسفن محملة بأسلحة وذخائر (كافية لقتل 80% من الشعب الليبي) في ميناء الخمس الليبية قادمة من تركيا، كشف للجميع أن سفن الموت التركية تلك كانت تستهدف الجزائر قبل ليبيا.
وعليه يمكن القول إن المستهدف من تلك الأسلحة هى الجزائر أولا، ولدى القيادة الجزائرية الآن علم وتأكيد على ذلك، فأردوغان سيستغل فرصة الانتخابات الرئاسية بالجزائر القادمة أفضل استغلال فى ظل رغبة بوتفليقية للترشح للولاية الخامسة فى ظل ظروفه الصحية الصعبة.
ذلك أن كل مناورات حركة مجتمع السلم “حمس” (إخوان الجزائر) بداية من طلبهم للجيش بالتدخل لإنهاء مرحلة بوتفليقة في الحُكم، وصولا لإعلانهم مقاطعة الانتخابات، هي كلها أفكار خرجت من الباب العالي، وما عبد الرزاق مقري (رئيس حركة مجتمع السلم) سوى مجرد منفذ.
خاتمة
خلاصة القول إن أردوغان غير البعيد الآن برفقة تميم بن حمد عن ما يدور فى السودان من صراع بين أتباع الترابي (حزب المؤتمر الشعبي) وعمر البشير (حزب المؤتمر الوطني) في الكواليس، منذ أشهر وهو يلقي بطعمه المسموم في الجزائر، ولنا فى كم الجنود الجزائريين الشهداء الذين سقطوا بحدود بلادهم على يد التنظيمات الإرهابية بالعام الجاري عبرة.
فهي أفضل فرصة لأردوغان أن يتحرك تجاه آخر رقعة بشمالي إفريقيا لم تمر عليها جماعة الإخوان فبالمغرب حكومة حزب العدالة والتنمية هي من تتولى زمام الأمور، وبتونس النهضة مازال متماسكا حتى وإن كان ليس في صدارة المشهد ويتحضر للجديد غدا، ويراقب كل صراع بين رجال نداء تونس، وفي ليبيا متواجدين بالغرب وتسيطر عمليشياتهم على طرابلس، وبمصر سقطوا سريعا، وباءت كل محاولات إعادة تدويرهم بالفشل، وبالسودان الآن يجرى العمل على قدم وساق من أجل استغلال الغضب الشعبي لتبديل أوراق الإخواني القديم بالجديد، كي تكتمل كل محاولات أردوغان تجاه شمالي إفريقيا.
وعليه فإن أكثر ما يهم إيران الآن هو كيف سيكون موقف أردوغان مستقبلا في حال تكرار أمريكا سيناريو غزوها للعراق ضد إيران، وهي تعلم تمام العلم أن قاعدة أنجرليك التركية كانت البوابة الرئيسة للولايات المتحدة لغزو العراق.