جاءت قمة هلسنكي التي عقدت الإثنين 16 يوليو بين الرئيسين الأمريكي والروسي على عكس ما توقع الكثيرون، فالقمة التي روج لها الإعلام كونها قد تمثل حلقة جديدة فى مشروع حصار إيران الذي يقوده ترامب ربما تكون إيران أكثر المستفيدين منها.
فقد دخل ترامب القمة ساعيا لكسب الدب الروسي إلي جواره فى معركته الدبلوماسية ضد إيران، لكنه مع بوتين بصورة أظهرته كالضعيف الخائف فى مواجهة الزعيم الروسي وهو ما جعل ترامب هدفا لوسائل الإعلام الأمريكية.
حالة الود والحب التي أظهرها ترامب تجاه بوتين خلال القمة طغت على قضية إيران التي لم تظهر سوى فى تصريح مقتضب على لسان الرئيس الأمريكي خلال المؤتمر الصحفي أكد خلاله على أهمية الضغط على النظام الإيراني!
الحال أن وضعية ترامب بعد هلسنكي تختلف كثيرا عما قبلها، فالقمة التي أراد ترامب أن يجعلها نصرا لسياسته الخارجية يهرب به من أزماته الداخلية فتحت نيران الهجوم عليه بصورة غير مسبوقة، فضلا عن أنها أشعلت عاصفة من الانتقادات في الأوساط الأمريكية التي وصفت موقفه بـ”الضعف والخيانة”، بعد أن رفض انتقاد السياسة الروسية واتهم واشنطن بممارسة الحمق والغباء على مدار سنوات.
وتعالت الأصوات المناهضة لمواقف ترامب داخل الولايات المتحدة ووصل الأمر لوصفها بالخيانة والجريمة الكبرى، من ذلك الدعوة التي وجهها مدير المخابرات المركزية السابق جون برينان إلى عزل ترامب من منصبه، معتبرا أن ترامب لم يكن معتوها فحسب في تصريحاته بل كان بأكمله في جيب بوتين.
على هذا النحو يمكن القول إن ترامب ربما يكون الخاسر الأكبر من قمة هلسنكي التي عمقت الأزمات الداخلية للرئيس الأمريكي، فضلا عن تعميق المخاوف الأوروبية من تقارب أمريكي ـ روسي قد يهدد المصالح الأوروبية خاصة فى ظل الخلافات بين ترامب ودول الناتو خلال قمة الحلف الأخيرة ببروكسل والانتقادات التي وجهها ترامب للاتحاد الأوروبي وتوصيفه بالعدو تارة والخصم تارة أخرى.
تقارب ترامب مع روسيا وابتعاده عن أوروبا ربما يدفع الأخيرة لموقف مغاير للسياسة الأمريكية تجاه إيران خاصة فى ظل استمرار تشبث الدول الأوروبية بالاتفاق النووي، والخلافات الأوربية ـ الأمريكية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق.
الموقف الأوروبي المغاير لسياسة واشنطن تجاه إيران كشفت عنه “فيديريكا موجيرني” وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الإثنين إذ أعلنت رفض دول الاتحاد طلب الولايات المتحدة عزل إيران اقتصاديا، مشددة على أن دول الاتحاد ستتخذ كل الإجراءات لجعل إيران قادرة على الاستفادة اقتصاديا من رفع العقوبات.
ولذلك أقر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي فى ختام اجتماعهم ببروكسل آلية قضائية لحماية الشركات الأوروبية الموجودة بإيران من العقوبات الأمريكية المحتملة.
ودفعت سياسة ترامب التي يصفها قادة أوربيون بالساعية لتفتيت وهدم كيان الاتحاد الأوروبي إلى الاصطفاف فى الصفوف المواجهة لترامب وهو ما جسدته مشاركة رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر فى القمة الأوروبية الصينية العشرين، فضلا عن توقيع اتفاق تاريخي مع اليابان الثلاثاء كما وصفه المتحدث باسم المفوضية الأوروبية مارجاريتيس سكيناس.
ينص اتفاق اليابان والاتحاد الأوروبي على إقامة منطقة تبادل حر تشمل ثلث إجمالي الدخل العالمي، ويعتبر إشارة قوية ضد سياسة الحمائية التي تنتهجها واشنطن وتفرض بموجبها رسوما جمركية عالية على حلفائها الأوروبيين.
ختاما.. ربما يكون ترامب قد كسب حب الروس خلال قمة هلسنكي وهو أمر لم يكن الرئيس الأمريكي بحاجة للسفر لفنلندا من أجل تحقيقه فى ظل العلاقة المعروفة بين الطرفين التي دفعت البعض للحديث عن دور روسي فى وصول ترامب للبيت الأبيض، ولكن من المؤكد أن حجم خسائر ترامب من القمة يفوق كثيرا حجم مكاسبه، كما يبدو أن إيران التي سعي ترامب لتضييق الخناق عليها خلال قمة هلسنكي ربما تكون مدينة بشكر خاص للرئيس الأمريكي على مواقفه الداعمة لنظام الملالي حتي وإن أعلن عكس ذلك.