كالعادة يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعكس ما تشتهيه سفن الدولة العميقة بواشنطن، ويقرر انسحاب قوات بلاده من شمال شرقي سوريا، تلك التي لا تبلغ أكثر من 2000 جندي، فى مشهد قد تبدو لا مقدمات له، ولكن حقيقته تبدأ مع زيارة البشير لدمشق محملا برسائل من الدول العربية، قبل أن يعلن البشير عن تضامنه مع سوريا كدولة مواجهة.
ترامب والحرس الثوري
فبمجرد عودته للخرطوم كان رئيس الأركان العامة لدولة عربية حاضرا لمعرفة رد فعل بشار الأسد، بعد أن قام عمر البشير بالدور الذى قام به علي بابا جان وأحمد داوود أوغلو وأطراف عربية قبل 2010، ومن قبل ذلك مشهد التواصل بين الرياض ودمشق عبر أبو ظبي، ورسائل وزير الخارجية البحريني لنظيره السوري، والأهم السترات الصفراء التي حيدت نابليون الصغير عن الكثير فى سوريا وليبيا، كل تلك المشاهد وغيرها كانت مقدمات لما يحدث الآن على أرض سوريا، وما سيحدث قريبا.
خطوة ترامب لو اكتملت حتى نهايتها (فهناك من سيفعل المستحيل لإحباطها حتى لو تكلف الأمر اغتيال ترامب نفسه) ستكون بداية لأمر من اثنين لا ثالث لهما، إما سلام جديد في المنطقة على أسس وقواعد ومعادلات مختلفة تماما عن أي عصور سابقة (كما يرغب ترامب من خلال إبرام صفقة القرن)، أو بداية لحرب جديدة تخوضها إسرائيل ضد من نجحت واشنطن جزئيا في استنزافهم وفشلت كليا فى تدميرهم.
وليس بخافٍ على أحد أنه لو حدثت أي حرب بين إسرائيل ضد أعدائها بالمنطقة لأصبحت تلك القوات الأمريكية بسوريا رهائن لدى الحرس الثوري الإيراني، كما هدد الحرس الثوري الإيراني بإبادة المليون جندي الأمريكي في العراق بعد 2003 إن لم تنفذ واشنطن اتفاقها بمقايضة بغداد بكابل مع طهران.
الانسحاب وصفقة القرن
فالانسحاب الأمريكي بتلك الوتيرة بالتزامن مع التصعيد الإسرائيلي ـ الفلسطيني في الضفة والقطاع، في ظل إطلاق دولة الاحتلال عملية “درع الشمال” تجاه الحدود اللبنانية ثم “درع الجنوب” تجاه الحدود مع غزة، فى ظل استمرار فعاليات مهرجان “التطبيع للجميع”، فالرئيس السوداني نفسه كان بالأيام الأخيرة على اتصال مع الجانب الإسرائيلي عبر وسيط تركي، وفق ما أكدته وسائل الإعلام العبرية، وغيرها من المشاهد بالداخل الإسرائيلي تقول إن الغد لا يحمل سلاما بالمنطقة.
لا يفوتنا أنه بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيصاب الأكراد بحالة جنون لا توصف، فهم الآن محاصرون بين الفكين، فك الذئب الرمادي (تركيا) وفك الأسد الدمشقي (سوريا).
في كل الحالات ستكون خطوة ترامب اليوم، من أجل إتمام “صفقة جاريد كوشنير” أو “صفقة القرن”، الصفقة التي في كل مرة يعاد فيها صياغتها يفقد فيها الأمريكي جزء من مكاسبه، صفقة القرن التي حذرت نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن الشعب الفلسطيني من عدم قبوله لها، قبل أن تفشل في إدراج حركة حماس كمنظمة إرهابية.
الخلاصة
خلاصة القول إن أحلام الانتهاء من بشار الأسد والصلاة في الجامع الأموي بعد الوضوء بدمائه، أو أن يكون عدنان العرور مفتي سوريا وعبد الله المحيسني رئيس الإمارة الإسلامية بالشام، وما غيرها ذهبت من دون رجعة، ولم يعد هناك رفض لعودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية، ولكن الجديد والمهم هو أن هناك محاولات حثيثة على غرار ما حدث من 2004 حتى 2010 لإبعاد سوريا عن إيران، ولا يمكن استبعاد أن تشارك روسيا نفسها فى هذا الأمر.