أسفرت عملية عسكرية، قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، فجر اليوم الجمعة، عن مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس كتائب الحشد الشعبي، في ضربة جوية بطائرة مسيرة استهدفت سيارتهما على طريق مطار بغداد الدولي، وقد كشفت الحكومة العراقية أن جنسيات قتلى القصف الذي استهدف مطار بغداد الدولي بـ3 صواريخ، هي إيرانية وعراقية وسورية، قبل أن يعلن البنتاجون الأمريكي عن مسؤوليته عن العملية برمتها، فما الذي يمكن أن نفهمه ونستقرأه من هذا التطور؟ خبراء وباحثو “المنتدى العربي لتحليل السياسات ـ أفايب” يجيبون عن هذا السؤال.
الدكتور سيد فؤاد | عضو الهيئة الأكاديمية الاستشارية بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في الشؤون الإيرانية
طالعنا الإعلام الإيراني منذ الصباح الباكر بخبر مفاده أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي يترأسه مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي يبحث سبل الرد علی اغتیال الجنرال قاسم سلیماني كما يبحث الخیارات المختلفة في إطار الاحتقان الشديد الذي يسود الأوساط الايرانية التي تطالب بالثأر لمقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري.
وفي ضوء التطورات يمكن استخلاص أن إيران سترد وبقوة لتحفظ ماء الوجه بعد اغتيال الرجل الذى كان يعتبره النظام والشعب الإيراني بطلا قوميا وجعبة للأسرار الاستراتيجية.
والملاحظ أن الذي حل محل سليماني هو الجنرال إسماعيل قآنى الذي كان يشغل منصب نائب قائد فيلق القدس بالحرس الثوري وكان أيضا قائدا للفرقة “نصر 5” والفرقة “الإمام الرضا 21” إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980 – 1988 ما يعني أن الرجل قد يواصل نهجه سلفه الذي تمت تصفيته فجر اليوم الجمعة.
السفير مدحت القاضي | عضو الهيئة الأكاديمية الاستشارية بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في الشؤون الإقليمية
المؤكد أن عملية مقتل قاسم سليماني فجر اليوم لها تأثير كبير على الأوضاع الإقليمية، فبمقتل سليماني يكون قد تمت إزاحة حاكم إيران القوي والفعلي، وحتمًا ستتغير الخطوط الحمراء العسكرية والسياسية بالمنطقة بمقتله، فضلًا عن أن الانتقام الإيراني سينال المصالح الامريكية – داخل المنطقة وخارجها – وبعض الأطراف العربية أيضا، وليس إسرائيل، بالإضافة إلى أن المصالح الصينية داخل إيران وداخل المنطقة أصبحت تواجه تحديات وتهديدات خطيرة، والسؤال هو كيف نستفيد «نحن» من هذا التصعيد ونتائجه؟
قرار ترامب تصفية سليماني في هذا التوقيت بالذات – رغم توفر أكثر من فُرصة له ولسابقيه من رؤساء واشنطن في السابق – له إيجابياته الكبرى وأيضاً سلبياته الكبرى، فتحقيق خطوة اغتيال سليماني اليوم يؤكد – مجددًا – خلافي واختلافي مع كل من يرون في ترامب رئيسا أخرقا أو غير كفء، فلقد حقق ـ بطريقته – ومن زاوية المصالح الأمريكية، ما تهاون وتراجع سابقوه عن عمله – سواء بالملف الإيراني أو الكوري الجنوبي أو الصيني – وجلب المليارات للخزانة الأمريكية.
وهذا التصعيد ونتائجه كفيل بالتغطية علي التحركات التُركية وقراراتها في التدخل العسكري في ليبيا، وعلى الدولة المصرية أن تنتهز الفرصة وتدرك خطورة وتأثير عامل الوقت، وتقوم باتخاذ خطوات سريعة من شأنها حماية حدودها الغربية ومصالحها مع الجار الحدودي لفرض الاستقرار داخل ليبيا وتصفية الميليشيات الإرهابية وإنهاء وجود العناصر والتدخلات الأجنبية.
الدكتور محمد محسن أبو النور | مؤسس ورئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الإيرانية
الخطوة الأمريكية باستهداف قاسم سليماني عبارة عن قرار صادر عن المؤسسة العسكرية الأمريكية «البنتاجون»، وهي عملية تتجاوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتعد خطوة استباقية لإحباط عمل كبير، فضلًا عن أن كلام البنتاجون أن الضربة جاءت بتعليمات من ترامب تأتي لمنح العملية شرعية قرار الرئيس لأن القرار لم يمرر عبر الكونجرس، وعليه فإن عدم الرد الإيراني السريع والقوي جدًا يعني كارثة للنظام.
ومن المؤكد أن النظام الإيراني سيتخذ رد فعال وقوي على مستوى يكافئ العملية، لأنه إن لم يرد سيعاني في السنوات المقبلة من ضبط قيادات الوسط في الحرس الثوري وسيفشل في استقطاب شبان جدد إلى فيلق القدس وإلى الحرس الثوري وقوات الباسيج بطبيعة الحال.
على كل حال معنى أن تتخلى إيران مجانًا عن قاسم سليماني الحاصل على وسام “ذو الفقار” فإنها قد تتخلى عن أي عنصر آخر، وهذا سيعرض نظامها القائم على تلك القوات إلى خطر داهم قد يكلف النظام بقاءه على قيد الحياة.
شيماء مرسي | باحثة في وحدة الرصد والترجمة بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصصة في الشؤون الإيرانية
لو صحت وجهة النظر القائلة بأن مشكلة مراكز صناعه القرار في إيران أنها لا تزال ترى ترامب بمظهر التاجر الخائف، فهي لا تعلم أنه قارئ جيد رغم اندفاعه ويعرف كيف يربح معاركه حتي الآن، لكن من وجهة نظر أخرى فإن كفتي الميزان متساوية للجانبين بمعنى أنه برغم التغير المتوقع في المصالح للجانبين لكن طالما الهدف واحد فلابد من تأجيل المصالح.
وبغض النظر عن أن تصرف إيران متهور في بدء الهجوم على السفارة الأيام الماضية مع تجاهل طهران تبعات هذه الخطوة الجريئة، فإن الحاصل أن الحرس الثوري لم يدرك أن واشنطن سترد كما توعد ترامب بذلك.
الحقيقة أن محاصرة السفارة الأمريكية إجراء يعبر عن رؤية إيرانية تستهدف ليس فقط إعادة سيناريو اقتحام السفارة الأمريكية في طهران 1979 فحسب، بل إن النظام الإيراني يعرف حق المعرفة أن كل خطوة سيخطوها سيكون لها رد فعل سواء كان هذا الرد على المستوى نفسه أم لا.
أما عن إمكانية الرد الإيراني على واشنطن فهي مبينة على عمق المصالح الإيرانية ـ الأمريكية والتفاهمات التي تدار في الخفاء، أما الضربة الحالية فلن يتحمل ترامب تبعاتها وحده وهو ليس صانعها في كل الأحوال، لكنه تصدر المشهد حتى يحصل على كادر صناعة قرار تاريخي لم يسبقه إليه أي رئيس أمريكي آخر في الأربعين عاما الماضية.
محمد الكناني | باحث في برنامج الدراسات العسكرية بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية”، متخصص في الشؤون العسكرية
أغلب الترجيح أن ما حدث لن يمر بالنسبة لإيران مرور الكرام، وسيكون بداية لتصعيد جديد ستشهده المنطقة خلال الفترة المقبلة، وحاليا يجري إرسال المزيد من الجنود والقوات من الولايات المتحدة للكويت والإمارات، ومن المؤكد أن ترامب سيستغل ذلك الزخم لإحداث مزيد من الحشد لزيادة شعبيته واستخدام أوراق الضغط على المصالح الروسية والصينية (خاصة الصينية) لدى إيران، مع ربط ذلك برد فعل واشنطن على المناورات البحرية الثلاثية بين موسكو وبيكين وطهران في خليج عمان.
يترتب على ذلك أن ما سيحدث أيضا سيكون له تأثيره على الزخم الحالي الذي تشهده منطقة شرقي المتوسط وربما تكون هناك نقطة إيجابية تتمثل في مساعي دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى تهدئة الأوضاع للحيلولة دون تدهور الموقف بسبب التصعيد التركي العدواني في تلك المنطقة حيث لن تحتمل المنطقة تصعيدين في آن واحد.
غير أن واقعة تصفية سليماني يمكن أن تكون لها أبعاد سلبيا حيث ستجذب الكثير من الانتباه بعيدا عما يحدث من تحركات لأنقرة، ولذا لزم على مصر استغلال تلك النقطة السلبية وتحويلها لإيجابية من خلال الإسراع بالتحرك وتنفيذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي ومصالحها في ليبيا بغض النظر عن ما يحدث في المشرق العربي.