ألقى المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي يوم الجمعة 4 أكتوبر 2024 خطبة الجمعة للمرة الأولى منذ نحو 4 أعوام و10 أشهر، وللمرة الثانية عشرة منذ توليه منصب الولي الفقيه أو قيادة الثورة الإيرانية بدءا من العام 1989 بعد وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية والمرشد الأول للثورة آية الله روح الله الموسوي الخميني، إذ كانت آخر خطبة جمعة ألقاها يوم الجمعة 17 يناير 2020 إثر اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وهي الخطبة الثانية عشرة له، بعد 11 خطبة ألقاها طيلة السنوات الخمسة والثلاثين الماضية تلك التي تقلد فيها القيادة، ولئن استحوذت خطبة الجمعة في طهران على مكانة مهمة للغاية في تاريخ النظام الراهن إلا أن خطب الجمعة لخامنئي على ندرتها تنطوي على أهمية بالغة إذ اعتاد الرجل استخدام المنبر كصندوق بريد يرسل منه الرسائل إلى الداخل والخارج في آنٍ معًا.
ولأن هذه الخطبة ألقيت باللغة العربية فهي فرصة سانحة لا يمكن تفويتها لتحليل المشهد الإيرانى واستقرائه فى صورتيه الراهنة والمقبلة مع تواتر أنباء عن قرار إسرائيل شن حملة عسكرية على إيران؛ فإن الاقتراب من العقلية الإستراتيجية لخامنئي ضرورة ملحة فى هذا الظرف الدقيق الذي تمر به الجمهورية الصعبة بعد أن قامت للمرة الأولى في التاريخ بتوجيه حملتين عسكريتين بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليتسية ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة التي توجد فيها إسرائيل في غضون أقل من 6 أشهر.
إذ شنت طهران عمليتين عسكريتين تحت مسمى “الوعد الصادق” يوم السبت الثالث عشر من إبريل عام 2024 ويوم الثلاثاء الأول من أكتوبر من العام نفسه، وهما سابقتين لم تحدثا في تاريخ الصراع بين الدولتين العدوتين اللدودتين.
وقبل الخوض فى تحليل الخطبة ومضمونها وما حملته من رسائل وما انطوت عليه من أفكار يجب الإشارة إلى أن أهميتها جوهريا تكمن فى عدد من العوامل المركزية:
أولا: هَدَمَ خامنئي كل النظريات والتقارير الإعلامية التي قالت إنه ذهب إلى مكان آمن فور علمه باغتيال حسن نصر الله، أو تلك التي تبنت مسألة أن تأمينه أمر شديد الصعوبة وأنه لن يخرج في جمع من الناس في مكان مفتوح مكتظ بعشرات آلاف المصلين وأنه لن يغامر بتعريض أمنه للخطر، فخرج فوق منبر الجمعة المرتفع ليسهل لمن يريد أن يدبر عملا أمنيا تدبيره، غير أن ذلك لم يحدث؛ ما أعطى رسالة اطمئنان للشارع الإيراني الذي خيم عليه الخوف منذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران بعد منتصف ليل يوم الأربعاء 31 يوليو 2024.
ثانيا: لا تعد تلك الخطبة حدا فاصلا بين مرحلتين في تاريخ الصراع الإيراني ــ الإسرائيلي فحسب، بل تعتبر حدا فكريا وسياسيا بين توجهين، فى ظل اعتبار أن اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة 27 سبتمبر 2024، حدث يمكن التأريخ به لما قبله ولما بعده في إيران، وفي ظل ترجيح أن يذهب خامنئي إلى المدى البعيد في تطبيق سياساته الراهنة القائمة على أمرين يبدوان متلازمين وهما:
ــ “الصبر الإستراتيجي”؛ لعدم الدخول في الحرب.
ــ “الردع الإستراتيجي”؛ لعدم التعرض للحرب.
ثالثا: تكتسب خطب الجمعة لعلي خامنئي مكانة مهمة فى تاريخ إيران المعاصر لدى أتباعه ووكلائه لجهة اقتفاء الأثر، ولدى أعدائه لجهة تحديد الإستراتيجيات المقبلة، ولدى الباحثين والمراقبين لجهة تحري وقع الأحداث الكبرى على صانع السياسات الأول للجمهورية الإسلامية، أخذا في الاعتبار أنه من يعين السياسات الداخلية والخارجية للبلاد وفقا للمادة 110 من الدستور.
رابعا: كان مشهد جلوس القادة الإيرانيين اليوم مشهدا نادرا لتحليل التحالفات الداخلية من حيث الشخصيات الحاضرة والغائبة، كما أعطى مؤشرا لا تخطئه عين على اصطفاف الجميع حول القيادة لمواجهة التهديد الماثل القادم من إسرائيل، كما أعطى فكرة عن وضع الرئيس مسعود بزشكيان في هذه التحالفات وتموضعه منها في هذا الظرف الراهن، خاصة أن الرجل لم يظهر على ميمنة المرشد مباشرة بل ظهر على يمينه رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف بجوار المرشد مباشرة تلاه الرئيس المنتخب، ويمكن أن يعود ذلك إلى ما قيل إنه رفض من جراح القلب للرد الإيراني العسكري على تل أبيب بعد اغتيال زعيم الضاحية الجنوبية.
إطلالة على التاريخ
تشير أغلب الوقائع التاريخية إلى أن علي خامنئي لم يصعد المنبر إلا بعد أحداث جسام في تاريخ إدارته لإيران. على سبيل المثال: خطب خامنئي الجمعة للمرة الأولى كولي فقيه في العام 1989 بعد انتخاب مجلس الخبراء له بمناسبة مضي أربعين يوما على وفاة الخميني وبالتحديد في النصف الثاني من شهر يوليو 1989، وفي تلك الأثناء كان الرأي العام يشكك في جدارة خامنئي بالمنصب؛ لأنه لم يكن مرجعا ولم يحصل على مرتبة آية الله العظمى، وبالتالي حاول الدفاع عن نفسه وعن توليه السلطة أمام الرأي العام الداخلي، لكنه الآن أصبح مرجعا مقَلَدا ونال درجة الاجتهاد العظمى وأصبح أحد ستة رجال فقط بين المسلمين من أتباع المذهب الشيعي حول العالم الحاصلين على درجة آية الله العظمى المحصنة من الناس ومن الدستور.
بعد ذلك بنحو 8 سنوات عاد خامنئي وصعد المنبر في صيف العام 1998 بعد انتخاب محمد خاتمي رئيسا للبلاد، وفي هذا الظرف نشرت الصحف الإيرانية أن مجرد انتخاب خاتمي الإصلاحي بخطابه الفلسفي المنفتح على الغرب هو بمثابة “ثورة على الثورة”، وعليه صعد خامنئي منبر الجمعة وأكد ثبات قيم الجمهورية الإسلامية وحاول في تلك الأثناء لملمة الكتل المحافظة، والأكثر تشددا المؤيدة للنظام والتي استشعر بخبرته السياسية الطويلة أنها آخذة في التشرذم، وقد نجح في مسعاه إثر انتخاب رجل من أقصى اليمين بعد انتهاء ولايتي خاتمي الرئاسيتين، وهو المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد.
أما العام 1999 فقد شهد خطبتين لخامنئي.
الأولى: ألقاها للدفاع عن نظامه بعد الإعلان عن سلسلة اغتيالات سياسية ثبت تورط شخصيات في وزارة الإطلاعات (المخابرات العامة) فيها، وفي تلك الواقعة حاول المرشد أن يقول إن ثبوت تورط العناصر الحكومية في عمليات كهذه لا يعني بالضرورة تلوث سمعة النظام بالكامل. وفي الحقيقة لم تنطل تلك الكلمات وقتها على بعض أعضاء الحركات السياسية التي انفجر أعضاؤها في مظاهرات عارمة بدأت من جامعة طهران كالعادة يوم 8 يوليو 1999 وهو ما استتبع تدخلا عنيفا من قوات الأمن أدى إلى وقوع العديد من الضحايا بين مصاب وقتيل.
الثانية: ألقاها لكسر عزلته عن المنبر وخطب الجمعة للمرة الثانية في هذا العام والرابعة في تاريخ ولايته؛ لمحاولة تهدئة الرأي العام، وفي الحقيقة كانت تلك الموجة الثورية أول اختبار حقيقي لقدرة النظام الإيراني ـ تحت قيادة خامنئي ـ على البقاء على قيد الحياة سياسيا، ونجح للمرة الثانية في العبور من هذه الاختبار.
بعد عشرة أعوام بالتمام والكمال عاد خامنئي مرة أخرى إلى المنبر وتحديدا في صيف العام 2009 وخطب الجمعة الخامسة للحديث عن تداعيات الثورة الخضراء تلك التي اندلعت احتجاجا على ما قيل إنه “تزوير الانتخابات الرئاسية تلك التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد”. ولكم انطوت تلك الانتفاضة على أهمية بالغة؛ لأن من قاداها هما رجلان من قلب النظام الثوري الإيراني ومن أقرب أتباع الخميني نفسه: مير حسين موسوي ومهدي كَرّوبي.
بالتالي كان لزاما على خامنئي أن يخرج في تلك الخطبة مدافعا عن شرعية الرئيس محمود أحمدي نجاد (2005-2013م) الذي انحنى وقبل يديه، ثم دفاعا عن نظامه بالكامل الذي واجه للمرة الأولى بعد 20 عاما من ولايته ثورة من داخله أدت تداعياتها إلى حدوث شرخ غائر في قلب الكتل المؤيدة لولاية الفقيه، استمرت تلك التداعيات حتى وقت كتابة تلك السطور.
وكمنت أزمة خامنئي وقتها في أنه لم يكن يستطيع أن يصف كروبي وموسوي بالعمالة أو الخيانة؛ لأنهما لا يمكن التشكيك في ولائهما لروح الجمهورية الإسلامية التي أسسها الخميني، وعليه لجأ إلى:
ــ قرار فرض الإقامة الجبرية عليهما.
ــ دحض الأفكار الثورية التي تبنياها وأدت إلى انفجار لم يسبق له مثيل في أوساط الشبان المؤيدين أصلا لولاية الفقيه.
ــ حظر كل وسائل التواصل الاجتماعية التي ساعدت في انفجار الأمور.
ثم تأخر خامنئي في الصعود إلى المنبر مرة أخرى حتى 2020 حين وقع الحدث الجلل، ففي فجر الجمعة 3 يناير 2020 نفذ البنتاجون عملية اغتيال رجله القوي والمخلص وذراعه الطولى، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.
وبطبيعة الحال لم يكن من المنطقي أن يصعد الرجل إلى المنبر بعد ساعات من اغتيال سليماني؛ لأن وقع الكارثة لم يكن يسمح له باتخاذ القرار السياسي السليم، ولا حتى الاستفادة من منبر الجمعة في إيصال الرسائل كما اعتاد على ذلك.
وحتى عندما قامت قوات الجو ـ فضاء التابعة للحرس الثوري بإطلاق الصواريخ على قاعدتي “عين الأسد” و”الحرير” الأمريكيتين في العراق فجر الأربعاء 8 يناير 2020 لم يصعد خامنئي في الجمعة التالية إلى منبر الجمعة، وتركز أغلب التقدير في ذلك الوقت على أنه أراد الانتظار لاختبار الموقفين الداخلي والخارجي بعد فاجعة إسقاط الطائرة الأوكرانية، خاصة أن الواقعة كانت في الليلة نفسها لإطلاق الصواريخ، وخصمت كثيرا من صورة النظام داخليا وخارجيا وعرضته لحرج بالغ ليس له نظير، نشر بعضا من صورته الكلية وزير الخارجية الأسبق ونائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية الدكتور محمد جواد ظريف في مذكراته التي نشرها في مارس 2024 وحملت عنوان “طاقة الصبر”.
تمهل خامنئي للجمعة التالية وخرج يوم 17 يناير 2020 وعبّر عن تلك الوقائع المتتالية بعبارة بالغة الدلالة، إذ قال: “أسبوعان مليئان بالأحداث الاستثنائية مرا علينا نستخلص منهما العبر”.
ولقد حاول خامنئي في خطبة الجمعة في ذلك الوقت التأكيد على أن اغتيال سليماني وإطلاق الصواريخ هما حدثين جللين يثبّتان دعائم النظام ويمكن البناء عليهما لاستكمال مسيرة الثورة الإيرانية، وللدلالة على ذلك قال في تلك الخطبة: “هذان اليومان يعدان من أيام الله ومنعطفات التاريخ والصانعة للتاريخ وليسا من الأيام العادية”.
خطبة اغتيال نصر الله ورسائلها
حتى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة 27 سبتمبر 2024م، خطب المرشد الثاني للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، الجمعة إحدى عشر مرة؛ غير أنه قرر أن تكون المرة الثانية عشرة حدادا على نصر الله باعتبار أن اغتياله حدث جلل يناسب أن يصعد إلى المنبر ويلقي كلمته الأخيرة في وداع قائد أهم أذرع إيران في الإقليم.
الواقع أن المرشد الإيراني استثمر خطبة الجمعة 4 أكتوبر 2024م، لإرسال رسائل متعددة الجهات في آن معا، وركز في الخطبة الثانية عشرة على أن عملية “الوعد الصادق 2″، ليست ضربة عسكرية لإسرائيل فقط بل ضربة لهيبة وسمعة أمريكا كقوة كبرى، كما أنها تعبر عن ما يدور في العقلية الإستراتيجية لصانع القرار في طهران.
وقد ذهب خامنئي إلى هذا المذهب لثلاثة اعتبارات أساسية.
الأول: الرد على الذين يسفّهون من عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية، ويقللون من جدواهما خاصة أنهما لم تسفرا عن قتلى، وفقا لما أعلنته إسرائيل.
والثاني: القول إن إيران التي تجرأت فيما مضى على قصف قاعدة أمريكية علنا للمرة الأولى في التاريخ بعد واقعة بيرل هاربر 1941، في 2020 قادرة على فعل ذلك مرات أخرى مع قوى أخرى، وهنا يمكن القول إن ضرب إسرائيل هو ضرب لأمريكا على اعتبار أنها الضامنة لها والحامية.
الثالث: التأكيد على أن عملية “الوعد الصادق 2” التي قامت بها إيران هي تحرك محسوب وغير انفعالي ضد جرائم إسرائيل، لإفهامها أنها لن تقف في موقف المتفرج لو قررت الأخيرة تصفية حزب الله والإجهاز عليه كما تحاول فعل ذلك مع قوى المقاومة في غزة، لكنها أيضا لن تقع فريسة للاستفزاز ومحاولة استدراجها مباشرة إلى مستنقع الحرب، ويفهم ذلك من قوله: “إيران لن تتأخر في أداء الواجب ولن نقوم بالانفعال ولن نتسرع ولن نقصر”.
بين نصر الله وسليماني
الملاحظ في خطبة الجمعة الثانية عشرة لخامنئي أنه أفرد فيها مساحة كبيرة للربط بين اغتيال حسن نصر الله وبين اغتيال قاسم سليماني على اعتبار أن فقد الرجلين من الأحداث الجسام في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وهو فقد يحظى بأهمية كبيرة لخامنئي على سبيل التحديد، إذ سيصعب على آية الله العظمى إيجاد بديل لنصر الله ولسليماني أو تحضير من يقوم بمثل العمليات التي كان يقوم بها الرجلان، خاصة أن نصر الله “كان للمناضلين على طريق الحق سندا ومشجعا وكان اللسان البليغ للمظلومين والمدافع الشجاع عنهم، كما كان أيضا الراية الرفيعة للمقاومة في وجه الشياطين الجائرين والناهبين”، على حد قول المرشد الإيراني.
أما سليماني فقد اجتمعت فيه صفات نادرة من المنظور الخامنئي وهي: الجدارة والطاعة التامة والقدرة على التحشيد والإيمان الكامل بولاية الفقيه، وهو ما يفسر لماذا أبقاه 21 عاما بالتمام والكمال في منصبه قائدا لفيلق القدس وهي سنوات لم يمنحها خامنئي لأحد غير سليماني قط، وهو ما يفسر قوله في نهاية الخطبة: “ألقي التحية والسلام على القائد المفتخر الفريق قاسم سليماني”.
للدلالة على ما سبق يمكن إعادة قراءة قول خامنئي في خطبة 4 أكتوبر 2024 عن تلك الجزئية بالتحديد: “إن السيد حسن نصر الله قد غادرنا بجسده لكن شخصيته الحقيقية وروحه ونهجه وصوته الصادح ستبقى حاضرة فينا أبدا”.
الحقيقة أن هذه العبارة لا تعبر فقط عن الأسى الذي خلفه رحيل نصر الله، بقدر ما تعبر عن عدم الثقة المضمرة في نفس خامنئي في القيادة الجديدة لحزب الله، والمؤكد في هذا الصدد أن هاشم صفي الدين أبرز المرشحين لتولي أمانة الحزب ليس على مستوى حسن نصر الله ولا حتى قريب من مستواه، وهنا تكمن إحدى مشاكل النظام الإيراني الهيكلية في التعامل مع أذرع نظامه بالإقليم.
استغرق خامنئي الخطبيتين للحديث عن كل الأمور العالقة ومنها قضية النصر الإعلامي الذي حاولت إسرائيل صنعه بعد نجاحها في اغتيال حسن نصر الله وقال: “العدو الجبان عجز عن توجيه ضربة للبنية المتماسكة لحماس وحزب الله والجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات المجاهدة في سبيل الله وعمد إلى التظاهر بالنصر من خلال الاغتيالات والتدمير وقصف المدنيين”، وهنا حاول خامنئي استغلال الحشود التي حضرت الخطبة لاستخلاص بيعة جديدة من الحاضرين أو تفويض مفتوح لمواجهة إسرائيل أو الرد على ردها المحتمل على البرنامج النووي الإيراني أو آبار النفط في غربي البلاد.
خاتمة
مجمل القول إن خامنئي لم يكن ليصعد المنبر اليوم إلا لو أنه استشعر يقينا مرور نظامه بأزمات متلاحقة ومتتالية لم يسبق لها مثيل في الخمسة وأربعين عام الماضية، ففي بضعة شهور تم اغتيال زعيم حركة حماس في طهران واغتيال رجله المقرب وذراعه اليمني في الإقليم، حسن نصر الله، ورحيل ربيبه الرئيس إبراهيم رئيسي، والمواجهة المتصاعدة مع واشنطن في العراق، والاصطفاف الأوروبي الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتكتل الإقليمي ضد إيران ومحاولة عزلها تماما عن محيطها.
بعبارة أبسط وأكثر اختصارا، وجد خامنئي نظامه في وسط عاصفة مثالية يعرف أن قاربه لن ينجو منها إلا بمعجزة أسطورية كتلك التي سمع عنها من الأقدمين أو تلك التي قرأها في شاهنامة الفردوسي، مع يقينه بعد كل هذا أن إيران ستظل حقيقة راسخة في الجغرافيا، وأن إسرائيل ستظل عالة مؤقتة على التاريخ.