على الرغم من مرور قرابة شهر على اقتراح الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي، لكن لا توجد تفاصيل دقيقة بشأنه إلى الآن، ومع ذلك انفردت بعض الصحف بتناول محتوى النص المقترح من قبل “جوزيف بوريل” منسق السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، ومحادثات فيينا ولعبة إلغاء العقوبات.
مع هذا يبدو من لهجة الاتحاد الأوروبي في محادثات فيينا وتحديد مهلة لإعلان الوصول إلى اتفاق من عدمه حتى 24 أغسطس الجاري، أن ما يُحاك على الساحة في حقيقته أوراق لعب جديدة للغرب لمواجهة التعنت الإيراني.
وآية ذلك ما نشرته وسائل الإعلام الغربية وما قاله المسؤولون الغربيون، وفيه تأكيد على عدم اتخاذ قرار بشأن رفع العقوبات وأن العقوبات الأمريكية المفروضة على الحرس الثوري لن تُلغى ولكن قد تنتهي، بالإضافة إلى أن نص الاتفاق المقترح يتضمن التزام من إدارة بايدن وضمانات أمريكية ليس معروفا حتى الآن مدى جديتها.
على مدى السنوات الأخيرة كان أحد التكتيكات الرئيسة لأمريكا هو رمي التهم ضد إيران، وهو ما جعل التفاعل السياسي بين هذين البلدين حافلًا بكثير من التقلبات.
جنون الحصار الأمريكي
في مقال تحليلي نشر صباح يوم الإثنين 15 أغسطس 2022 بصحيفة “كيهان” الإيرانية المقربة من المرشد الأعلى تحت عنوان “تله تازه آمريكا در بازى با لغو تحريم ها” أو “فخ أمريكا الجديد في لعبة إلغاء العقوبات”، ناقشت فيه الصحيفة الخداع الأمريكي لاستمرار حظرها على إيران مع الدّفع إلى العودة للاتفاق النووي دون أدنى ضمانات.
وقد جاء في المقال:
في 27 يوليو الماضي أعلن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” عن تقديمه مسودة جديدة للمفاوضات النووية لكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، قد نشر ذلك في صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، وقال إنه سلم طهران وواشنطن المسودة في يوم 21 يوليو.
وكان في اعتقاده أن تلك المسودة هي أفضل اتفاق يمكن التوصل إليه في الوقت الحالي. ومع هذا أعلن الأمريكيون أن النص المشترك تم إعداده بالتشاور معهم علاوة على أنه في حيز الدراسة.
تقريبًا رحبت جميع الأطراف النووية باقتراح بوريل الجديد، وإصراره على اتخاذ قرار لإنقاذ الاتفاق النووي. إلا أن الموقف الأمريكي كان له تبعات مخالفة، فهذه أمريكا لا تزال مهووسة باستمرار حظرها على إيران حتى بعد مسودة الاقتراح المقدّم من الاتحاد الأوروبي، وذلك حينما فرضت عقوبات جديدة على إيران.
وهذا ما فعلته أواخر الشهر الماضي، عندما وضعت وزارة الخزانة الأمريكية ست شركات وسفينة على قائمة العقوبات بحجة علاقتها بإيران، وقبل أيام قليلة أي في يوم 8 أغسطس 2022، اتهمت وزارة التجارة الأمريكية شركة صينية بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
تعميق التعاون بين أمريكا وإسرائيل
بعد وصوله إلى سدّة الحكم ودخوله البيت الأبيض، كان يُعتقد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن في طور تعديل سياسة الدعم الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني، إلا أنه من الناحية العملية، استمر الدعم الأمريكي غير المشروط لضمان أمن إسرائيل لأقصى درجة ممكنة.
أخذا بعين الاعتبار، المناورة المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في البحر الأحمر بالتزامن مع مسودة بوريل لإنقاذ الاتفاق النووي. أيضًا تشير الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى إسرائيل واللقاءات المتكررة والمستمرة بين المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، إلى عمق الوحدة الاستراتيجية الأمريكية والنظام المشؤوم تجاه إيران.
أما خلال العامين الماضيين، لطالما أعلنت حكومة بايدن نفسها كشريك لإسرائيل، وأكدت على حمايتها للنظام قاتل الأطفال. فمنذ وقت ليس ببعيد، ادعى مسؤول أمريكي كبير أنه وبغض النظر عما إذا كانت أمريكا قد توصلت إلى اتفاق مع إيران أم لا، فإن واشنطن مصممة على التعاون مع إسرائيل في ظل أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، على حد قوله.
في خضم هذا، يعتقد بعض دعاة الإصلاح وبعض الأشخاص المحليين البسطاء (من التيار الإصلاحي) أن أمريكا وإسرائيل على خلاف فيما يخص إيران، علاوة على إمكانية استغلال فرصة سعي الديمقراطيين إلى السلطة في أمريكا وخطوة التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة.
محاولة اغتيال جون بولتون
في وقت متأخر من مساء الأربعاء 10 أغسطس 2022 أصدرت وزارة العدل الأمريكية، بيانًا زعمت فيه أن إيرانيًا من أعضاء الحرس الثوري الإسلامي متهم بمحاولة اغتيال مستشار الأمن القومي السابق للبيت الأبيض “جون بولتون”. بعد هذا الخبر، تصدرت تصريحات المسؤولين الأمريكيين عناوين الأخبار، ووجهوا فيها بشكل مباشر وغير مباشر التهم نحو إيران.
ومن ذلك، ما كتبه وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” يوم الخميس 11 أغسطس 2022 على تويتر: “رسالتنا إلى إيران واضحة، لن نتساهل مع تهديدات العنف ضد الأمريكيين وهذا بالتأكيد يشمل مسؤولين حكوميين سابقين. وأن أي هجوم سيكون له عواقب وخيمة”.
جاء في البيان أن التخطيط لمحاولة الاغتيال كان كعقاب على الضربة الجوية الأمريكية في 2020، والتي قتلت قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري الإيراني، وتعهد قادة الحرس بـ”الانتقام من الأمريكيين” لمقتل سليماني، وهاجموا علنًا الرئيس ترامب آنذاك ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى في إدارته.
في حين زعم مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض “جيك سوليفان” بعد البيان الأمريكي يوم الأربعاء الماضي: أن إدارة بايدن لن تتهاون في حماية جميع الأمريكيين من تهديدات العنف والإرهاب. أما رد جون بولتون على بيان وزارة العدل الأمريكية فجاء فيه: “هذا البيان يعطيني توضيحًا وفهمًا أفضل لما يمكن أن يفعله النظام الذي يتخذ من طهران مقرًا له”.
ومع هذا فإن حقيقة تلك التصريحات ليست هي المثيرة للفت النظر، وإنما تزامن بيان وزارة العدل الأمريكية والاتهامات الجديدة لإيران، مع الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية والتي عقدت بداية الشهر الجاري، ومناقشة أطراف المفاوضات مقترح الاتحاد الأوروبي في العاصمة النمساوية فيينا.
الرد الإيراني على المسودة الأوروبية
بعد أن أعلنت إيران ليلة أمس 15 أغسطس 2022، ردها على الاتحاد الأوروبي بشأن المسودة المقترحة لإحياء الاتفاق النووي، حذرت صحيفة كيهان مسؤولي الدولة من فخ الاتفاق، إذ عنونت صفحتها الرئيسة فجر يوم الثلاثاء 16 أغسطس 2022 بـ”توافق بدون تضمين ولغو تحريم ها يعنى تكرار خسارت محض” ومعناه: “الاتفاق بدون ضمانات ورفع العقوبات يعني فقط تكرار الخسارة”.
من جانبها دافعت الصحيفة عن أداء فريق التفاوض النووي الإيراني في ظل الهجوم الشرس الذي يتعرض له من التيار الإصلاحي، ودّعته إلى عدم الرضوخ للضغط الغربي أو القبول بأي اتفاق لا يقدّم ضمانات لإيران لرفع العقوبات، وبالتالي الاستمرار في التأكيد على الشروط الرئيسة والفوائد الاقتصادية العائدة على إيران في حال توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة من جديد.
وهو بالفعل ما تضمنه الرد الخطيّ لإيران، من إصلاح لبعض بنود المسودة المقترحة بما يدعم تعزيز الضمانات المستقبلية وتعويضها في حال قررت الإدارة الأمريكية في المستقبل الانسحاب مرة أخرى من الصفقة، أي أن إيران لازالت تتوقع الرفض الأمريكي لشروطها، وقد بدا هذا واضحًا في خطاب وزير الخارجية الإيرانية “أمير عبداللهيان” أمس بوجود خطّة بديلة إذا أخفقت المحادثات في إحياء الاتفاق النووي.
وبالفعل لم يكد يمضي يومان على الرد الإيراني، حتى قامت بعض وسائل الإعلام الإيرانية ولاسيما “وكالة أنباء خبر آنلاين” بنشر ما أسمته “بنود الإجراءات التنفيذية لمسودة إحياء الاتفاق النووي خلال 120 يومًا”، وكانت على النحو الآتي:
1ـ الخروج الفوري لـ17 بنكًا إيرانيًا من قائمة العقوبات.
2ـ دفع تعويضات لإيران حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
3ـ إلغاء الرئيس بايدن ثلاثة أوامر تنفيذية للرئيس السابق دونالد ترامب من أول يوم.
4ـ قابلية بيع 50 مليون برميل من النفط المخزن خلال أول 120 يوما، ومن ثم 2.5 مليون برميل مع تكثيف بيع الغاز.
5ـ إلغاء العقوبات على 150 مؤسسة من بينها لجنة تنفيذ أمر حضرت الإمام.
6ـ الافراج عن 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية.
خاتمة
جملة ما أعلاه أن الأحداث الأخيرة سواء كانت في القرارات المناهضة في مجلس محافظي الوكالة الذرية للطاقة النووية وتنشيط المخابرات الإسرائيلية واغتيال “صياد خدايي” العقيد في الحرس الثوري وتخريب المنشآت النووية وفرض عقوبات جديدة على إيران في مجال البتروكيماويات بالإضافة إلى مصادرة شحنة نفط إيرانية في المياه اليونانية، وإعلان مكافأة لمن يحصل على معلومات تخص الحرس الثوري، جميعها إجراءات افتعلتها أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون ضد الجمهورية الإسلامية خلال الشهرين المنصرمين؛ وذلك لتكبيل يد إيران وإجبارها على الرضوخ لشروطهم دون حفظ أي حقوقٍ لها.