یفصلنا عن فتح صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس إيران الجديد ساعات قليلة، في الانتخابات التي يتنافس فيها 4 مرشحين وهم وزير الصحة الأسبق في حكومة خاتمي الإصلاحي مسعود پزشکیان، ووزیر الداخلیة الأسبق في حكومة أحمدي نجاد الأصولي مصطفى پور محمدی، وممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي، المتشدد سعید جلیلي، ورئيس البرلمان الإيراني الأصولي، محمد باقر قالیباف.
وذلك بعد أن انسحب كل من أمير قاضي زادة هاشمي وعلي رضا زاكاني من السباق الانتخابي، بعد دعوة المجلس الأعلى للثورة المرشحين المحافظين إلى الانسحاب والالتفاف حول مرشح محافظ واحد لتوحيد القوى الثورية.
ما بعد مناظرة الانتخابات الرئاسية
في خلال أسبوعين أجريت أربع مناظرات بين المرشحين الرئاسيين الستة لمناقشة برامجهم الانتخابية ومواقفهم تجاه المشاكل التي تواجه البلاد، وانتقد جميع المرشحين الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة، لكنهم امتدحوا الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، ومحاولته التنقل بين القيادة العليا في إيران ونشاطه السياسي الخارجي، ودعمه جهود الأجهزة الأمنية لمواجهة التحديات والتهديدات من الجانب الإسرائيلي والأمريكي.
لوحظ تراشق المرشحين المحافظين قاليباف وجليلي وتبادلهما الاتهامات بشأن الفشل في الملف الاقتصادي، وتبادل أنصارهما الاتهامات حول عدم تقديم طريق واضح لحل الأزمات الناتجة عن تدهور العملة المحلية بسبب العقوبات المفروضة على البلاد.
بينما سطع نجم الإصلاحي پزشکیان خلال جولات المناظرة، وأطلق أنصاره هاشتاج #براي_ايران أو “من أجل إيران” لحشد الكثير من التأييد والدعم الشعبي والحزبي لمرشحهم الانتخابي. وبالفعل منذ اللحظة الأولى لترشحه للانتخابات، أعلن الرئيسان السابقان لإيران محمد خاتمي وحسن روحاني تأييدهما لپزشکیان، بينما تولى وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف مهمة مستشار السياسات الخارجية لپزشکیان.
ولعل دخول ظريف في حلبة الصراع الانتخابي وإعلان دعمه لبزشكيان حشد لمرشحه الكثير من الأصوات خلال الاقتراع المنتظر، خاصة بعد مناظرة ظريف مع محلل وخبير السياسات الخاجية لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية المحافظ فؤاد يزدي، والذي اتهم سياسات روحاني الخارجية بالفشل وانتقد خطة العمل الشاملة المشتركة، وعلل موقفه بأنها لو كانت جيدة لما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي، ليطالبه ظريف بوقف تزييف التاريخ والاعتراف بأن التضخم انخفض إلى دون الـ10٪ بعد توقيع الاتفاق النووي في حكومة روحاني، وارتفع النمو الاقتصادي السنوي إلى فوق الـ10%، كما أن الاتفاق النووي لم يكن الاتفاق الوحيد الذي انسحب منه ترامب ولا يعول على موقفه.
في المقابل أثار المرشح الإصلاحي پزشکیان الجدل بين المحافظين بطرح سؤال: لماذا لم يقم الشهيد رئيسي بتمزيق الاتفاق النووي لو كان سيئًا وألقى بتبعات اقتصادية سيئة على البلاد؟!
تخبط صفوف المحافظين
قبل انتهاء المناظرة بجوالتها الخمس، ازدادت الآراء المؤيدة للإصلاحيين والمعارضة للمحافظين، خاصة بعد المشادة الكلامية بين مستشار پزشکیان، محمد فاضلي مع عميد كلية الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، شهاب اسفندياري، والذي كان حاضرًا كخبير على طاولة المناظرة المستديرة.
وخلال الخلاف قطعت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصوت عن ميكروفون المستشار فاضلي، الأمر الذي دفعه للانفعال ورمي الميكروفون ومغادرة الجلسة، وهو الموقف الذي أثار تعاطف الإيرانيين وتأييد كبير لپزشکیان. في المقابل امتعضت الأوساط السياسية والصحافة المحافظة. ووصفت وكالة أنباء تسنيم المتشددة والتابعة للحرس الثوري رد فعل محمد فاضلي ورميه الميكروفون بـ”الحركة القذرة”.
لاشك أن الدعم الجماهيري للإصلاحيين ازداد بشكل غير مسبوق، لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ انتقدت صحيفة الجمهورية الإسلامية الحكومية المرشحين كافة، ونشرت مقالة يوم 20 يونيو الجاري تقول فيها: “أظهرت مناظرة المرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية أنهم ليسوا في حجم منصب رئاسة الجمهورية، وفشلت في التعرف على أصحاب الكفاءات لتولي الإدارة التنفيذية للبلاد، كما كشف مضمونها أن المرشحين لن ينجحوا في تحمل هذه المسئولية الخطيرة. وللأسف، لجأ بعض المرشحين إلى العدوانية والكذب والفجور، وهو ما يتعارض مع المتطلبات الأساسية للمسؤولية في نظام الجمهورية الإسلامية”.
في حادثة أخرى وبعد إعلان أمير قاضي زادة هاشمي مساء 26 يونيو الجاري الانسحاب من التنافس الانتخابي، تلاه انسحاب علي رضا زاكاني، أطلقت الصحيفة الإصلاحية مصطلح “كانديداي پوششی” أي “مرشح الغطاء”، وهو مصطلح مُهين يشير للتبعية والتستر على مرشح آخر.
هذا الموقف الدال على تقرب السياسة التحريرية للصحيفة الحكومية من الإصلاحيين، وقرارات الانسحاب لعبض المرشحين أثارت هى الأخرى هجومًا واتهامات بالفساد والتآمر بين صفوف التيار الأصولي، وأكدت أن الهدف من وراء الترشح للانتخابات السلطة وليس العمل لمصلحة إيران.
خاتمة
تؤكد سرعة تطور الأحداث في الأوساط الإيرانية تصدر المرشح الإصلاحي الدكتور مسعود پزشکیان السباق الانتخابي لرئاسة إيران. مع ملاحظة التكاتف الشعبي الواسع حول الإصلاحيين مقابل المحافظين. ويبدو أن الرغبة الشعبية في إنقاذ البلاد من التدهور الاقتصادي دفعت الناس للمقارنة بين عهد الإصلاحيين والمحافظين في تولي الإدارة التنفيذية. ولا شك أن كفة الإصلاحين هى الغالبة.
ويتوقع فوز المرشح الإصلاحي مسعود پزشکیان في حالة مشاركة شعبية كبيرة غدًا. ومن الممكن ترجيح الإقبال على صناديق الاقتراع في ظل التأييد الملحوظ لردود الأفعال الإيرانية. وفي كلا الحالتين سيخرج المشهد السياسي في إيران بما يُرضي رغبة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي في جمع الناس حول رئيس مُنتخب؛ لأنه من جهة يؤكد على سيرورة الحياة الديمقراطية لنظام الجمهورية الإسلامية، ومن جهة أخرى طعنة جديدة في جسد المعارضة ومنتقدي النظام.