أدى الضغط الأمريكي وحزم العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران إلى حدوث موجة انفجار اجتماعي في هذا البلد، ذلك أن المظاهرات الراهنة التي بدأت منذ يوم الجمعة الماضية، لم تكن محض صدفة؛ بل جاءت نتيجة تكون عوامل دفع الضغوطات المتتالية لشل قدرة النظام الإيراني على الوفاء بالتزاماته الداخلية. وأدى ذلك إلى نشوء حالة نقمة شعبية خاصة بعد قرار الحكومة رفع أسعار الوقود، ذلك الذي أسفر عن احتجاجات لم تشهد البلاد نظيرا لها منذ يناير قبل الماضي، ومن خلال العرض التحليلي التالي نحاول بإيجاز رصد حركة الارتطام بين المجتمع وبين الحكومة في إيران.
اختلاف ردود الفعل
مع قرار رؤساء السلطات الثلاث رفع أسعار الوقود، جاءت ردود الفعل متباينة، كان أبرزها: تصريح رجل الدين الإيراني البارز كلبايكاني الذي أعرب عن أسفه وطالب البرلمان بإلغاء القرار. في حين أعرب آية الله محمد على علوي جرجاني عن قلقه لاعتقاده “أن القرار يتعارض مع مصلحة الأمن القومي للبلاد”.[1]
أما رجل الدين الإيراني ناصر مكارم شيرازي فرأى أن القرار جاء متسرعا؛ ما سبب صدمة كبيرة عند جموع الإيرانين.[2]
غير أن رجل الدين الإيراني جوادي آمُلي فدعى الناس إلى حماية النظام، معتقدا “أن مسئولينا محكمون عقلا وشرعا، ويقيمون الأمور ويدركون ما هى مصلحة البلاد”.[3]
بينما يرى الخبير الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز أن القرار سليم للغاية بل تأخر كثيرا.[4] لكن بعض نواب مجلس الشورى الإسلامي “البرلمان” تبنوا قرار الإلغاء، فقد فقدم 26 نائبا مشروع قرار “مستعجل جدا” لرئاسة البرلمان يقضي بإلغاء قرار الحكومة رفع أسعار البنزين.
أبرز هؤلاء النواب: عزت الله يوسفيان ملا عضو لجنة التخطيط والموازنة، فضلا عن معصومة أقابور عضو اللجنة الاقتصادية، وفاطمه سلاحشوري نائبة عن أهالي مدينة طهران، ومسعود رضايي نائب عن مدينة شيراز، وجلال ميرزايي عضو لجنة الطاقة.[5]
غير أن هذا المشروع همش؛ فنتج عنه قيام بعض النواب بتقديم استقالاتهم من ضمن هؤلاء: محمد قسيم عثماني نائب عن مدينة بوكان، جنوبي محافظة أذربيجان الغربية.
خامنئي وانتفاضة البنزين
إزاء التصعيد الداخلي أصبحت التوقعات متباينة ما بين رضوخ النظام لمطالب الشعب، وبين التمسك بقرار رفع أسعار المحروقات، لكن تصريحات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي كانت حاسمة. فقد أعلن تأييده ودعمه قرار رؤساء السلطات الثلاث، وأنه قرار مبني على رؤية مدروسة؛ لأنه “ليس بخبير”.[6]
في غير مرة تعمدت خطابات خامنئي إحراج سياسة روحاني وحكومته، وكأنه بذلك يهدف إلى تحميله مسؤولية قرراته لو كانت سلبية، فهو ورجال حكومته أصحاب الخبرة. لكنها لم تكن صائبة دائما؛ وهذا كفيل بإعادة توجيه دفة الشعب من جديد.
على هذا النحو يمكن القول إن توجيه خطابات رجال الدين المؤيدة والمعارضة ليست صدفة. فقيادة هذه الأمور تحتاج إلى حنكة وتوازن، حتى لا يبدو الأمر وكأنه مدبر ومنظم. فليس من المفيد في ظل موجات الاحتجاجات والغضب التي تعم البلاد أن تكون خطابات رجال الحوزة العلمية كلها مؤيدة، بل لابد من وجود تموج فيها.
سياسة روحاني في حل الأزمة
الملاحظ أن خطاب روحاني بعد قرار المرشد، عمد على انتهاج أسلوب الإرضاء بالتأكيد على أن القرار يخدم الطبقة محدودة الدخل والمتوسطة، وقال إنه وجه بإصدار أوامر للجهات المعنية بدفع المساعدات المالية المعيشية للعوائل متوسطة الدخل ومنخفضة الدخل بداية من يوم الاثنين الموافق 18 نوفمبر.[7]
يلاحظ أن القرار كان الحل الوحيد في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، من وجهة نظر الحكومة. على سبيل المثال: تصدير النفط غير ممكن بسبب العقوبات المشددة. كما أن زيادة الضرائب جاءت لسد العج الفادح في مشروع الموزانة الجاري تقديمها إلى البرلمان والتي لن تتضمن النفط.
بماذا جاءت الصحف الإيرانية خلال الأيام الماضية؟
عنونت صحيفة “همشهري” الأصولية بقرار المرشد الأعلى: (أدعم قرار رؤساء السلطات الثلاث).
في حين عنونت صحيفة “وطن أمروز” الأصولية بمانشيت: (الشعب محتج).
وعنونت صحيفة “جام جم” التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية بقرار المرشد الأعلى لمنع ارتفاع أسعار السلع.
كما عنونت صحيفة “أخبار صنعت الاقتصادية”: (قرار رؤساء السلطات الثلاث سينفذ).
أما صحيفة “صنعت” الاقتصادية فعنونت بمانشيت: (الغلاء محظور).
أما صحيفة “إيران” الحكومية فعنونت صفحتها الأولى: (نعم للاحتجاج لا للتخريب)
في حين عنونت صحيفة “شاخه سبز”: (الحاجة إلى الاتحاد أكثر من أي وقت).
من خلال هذه العناوين يلاحظ التفاوت بين الصحف الرسمية وغير الرسمية في تغطية الاحتجاجات التي تعصف بالبلاد، إلى جانب الرسائل الموجهة إلى الرأي العام الداخلي بتفهم حق المواطن في الاحتجاج والاعتراض على سوء الأوضاع غير أن السلطات تنتهج وسائل أخرى لقمع وتكميم أفواه المحتجين.
جملة ما أعلاه أن الأوضاع الداخلية تعاني تزعزعا واضحا، وهذا الارتطام بين الشعب والمسؤولين نتيجة أولى ومباشرة للعقوبات الأمريكية، ومن المتوقع تفاقم المشكلات الداخلية، على اعتبار أن أزمة البنزين مجرد بداية. وعليه من المتوقع تفاقم الأزمات إذا ما استمر النظام في سياساته.
ــــــــ
[1] واكنش دو تن از مراجع عظام تقلید نسبت به گرانی بنزین، خبرگذاري ايرنا، 25 ابان 1398-15:45‘ لينك خبر انلاين: http://bit.ly/339VhAe
[2] بيانيه آيت الله مكارم شيرازي درباره افزايش قيمت بنزين،خبرگذاري خبر انلاين، 25 ابان 1398، لينك خبر انلاين: http://bit.ly/34b40DU
[3] واكنش ايت الله جوادي املي به مسائل اخير كشور، خبرگذاري بانا، يك شنبه 26 ابان 1398، لينك خبر انلاين: http://www.pana.ir/news/969169
[4] دفاع ليلازا، سعيد، از افزايش قيمت بنزين، جامعه خبري تحليلي الف، سه شنبه 28 ابان 1398، لينك خبر انلاين: https://www.alef.ir/news/3980826071.html
[5] واكنش نمايندگان مجلس به افزايش قيمت بنزين واعتراضات مردم، راديو زمانه، سه شنبه 26 ابان 1398، لينك خبر انلاين: https://www.radiozamaneh.com/474589
[6] مقام معظم رهبري درباره افزايش قيمت بنزين: از تصمیم سران قوا حمایت خواهم کرد /افزایش قیمت بنزین به افزایش قیمت دیگر کالاها منجر نشود، سه شنبه، 26 ابان 1398، لينك خبر انلاين: http://bit.ly/2Owe83f
[7] روحاني افزايش قيمت بنزين كمك به مردم واقشار تحت افشار است، ايران انترناشونال، جمعه 24 ابان 1398، لينك خبر انلاين: http://bit.ly/35ob2VM