بالرغم من رفض إيران عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساعدتها في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أن الصين حثت الولايات المتحدة أمس الإثنين على رفع العقوبات عن إيران فورا مع تصدي طهران لفيروس كورونا، وتفشي الوباء في أغلب أقاليم البلاد.
ففي ظل حالة تبادل الاتهامات بين كل من بكين وواشنطن بشأن منشأ الفيروس، وتأكيد التقارير الأمريكية أن منشأه هو “سوق الأسماك” بمدينة “ووهان” وسط الصين، والتي هي عاصمة مقاطعة هوبي أكثر مدنه اكتظاظًا بالسكان بتعداد يبلغ نحو 11 مليون نسمة[1]، واتهام بكين واشنطن بتدبير جلب الفيروس المرعب إلى مدينة “ووهان” للإضرار بالصين، تثور علامات الاستفهام وتطل برأسها في هذا الصدد، هل أصبحت إيران إحدى أوراق اللعب بين بكين وواشنطن فيما يتعلق بكورونا؟ وهل الولايات المتحدة هي البؤرة الحقيقية للفيروس؟، وهل صدرته إلى ووهان لإخفاء انتشاره بها؟ وهل سيصبح العالم أمام حرب بيولوجية مميتة إذا ثبتت فرضية جلب واشنطن الفيروس لووهان؟ أسئلة باتت محل اهتمام الرأي العام العالمي، والتي نناقش حقيقتها في الأسطر المقبلة.
السجائر الإلكترونية أم كورونا؟
في يوم 24 أغسطس من العام الماضي، أعلن مسؤولون أمريكيون عن أول حالة وفاة بسبب السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، موضحين أنها حدثت بسبب مرض خطير وغامض يصيب الجهاز التنفسي، فيما لم يتم التعرف عليه أو الإعلان عن أي تفاصيل بشأنه، بعدما أصاب 193 حالة في 22 ولاية أمريكية.[2]
وسرعان ما تطور خطر مرض الرئة الغامض المنسوب للسجائر الإلكترونية بإعلان مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، في يوم 14 نوفمبر عام 2019م، عن عدد الوفيات الناجمة عنه والذي قد ارتفع إلى 42 شخصا في 24 ولاية، مع وجود 2172 حالة إصابة متفشية في 42 ولاية أمريكية.[3]
يشير عدد الوفيات الناجمة عن مرض الرئة الذي وصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه غامض، إلى فرضية صينية تعتقد وجود خطأ بشري داخل أحد المعامل البيولوجية التابعة للجيش الأمريكي، وبالتالي قد يكون نتج عنه انتشار فيروس خطير بالبلاد، وهذا ما تزامن مع إعلان المركز الأمريكي السيطرة على الأمراض في يوم 5 أغسطس 2019م، عن إغلاق مختبر رئيس للجيش الأمريكي يحوي جراثيم وفيروسات قاتلة في مدينة فورت ديتريك بولاية ماريلاند، بسبب انتهاكات بشأن طرق تأمين المختبر وما يحتويه من فيروسات بينها إيبولا وأمراض معدية أخرى.[4]
وتزداد شكوك أن يكون مرض الرئة الغامض هو فيروس كورونا المستجد بسبب قصر المدة بين إغلاق المختبر البيولوجي المشبوه في مريلاند في يوم 5 أغسطس 2019م، والإعلان عن أول حالة وفاة بمرض السجائر الإلكترونية في يوم 24 أغسطس من الشهر نفسه، ثم توالي الإعلان عن وفيات بسبب المرض الغامض.
ظهور كورونا في الصين
بعدما انتشرت الأخبار عن المرض الغامض المنسوب للسجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، كان موعد إقامة دورة الألعاب العسكرية في الصين قد اقترب، وفي هذه الأثناء (18-27 أكتوبر 2019م) نشرت الصحافة المحلية الصينية خبرًا عن نقل 5 رياضيين من العسكريين الأمريكيين الذين زاروا الصين إلى مستشفى ووهان، بعد معاناتهم من مرض مُعد غير معلوم، حيث أطلق المستشفى على الفور خطة طوارئ للأمراض المعدية، وأخضع المصابين للحجر الصحي.[5]
تعتقد السلطات الصينية أن الرياضيين الأمريكيين هم سبب انتشار فيروس كورونا في ووهان الصينية سواء بشكل متعمد أو غير متعمد، إذ قال المتحدث باسم الحكومة الصينية تشاو ليجيان عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، إنه “قد يكون الجيش الأمريكي هو الذي جلب الوباء إلى ووهان”، ما أثار إحدى نظريات المؤامرة حول انتشار كورونا في الصين.
وأضاف المسؤول الصيني: “متى بدأ المريض صفر في الولايات المتحدة؟ كم عدد الأشخاص المصابين؟ ما هي أسماء المستشفيات؟ قد يكون الجيش الأمريكي هو الذي جلب الوباء إلى ووهان. كن شفافًا! أعلن عن بياناتك! الولايات المتحدة مدينة لنا بشرح!”.
تلفت تصريحات ليجيان، الانتباه إلى ما صرح به روبرت ريدفيلد، مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، بأن بعض الأمريكيين الذين قيل إنهم توفوا بسبب الإنفلونزا، ربما ماتوا بالفعل بسبب الفيروس التاجي (كوفيد – 19)، وهذا يشير إلى عدد 34 مليون إصابة بالأنفلونزا في الولايات المتحدة، و20000 حالة وفاة مرتبطة بها خلال موسم الإنفلونزا الأخير المرتبط بظهور كورونا.
أما فيما يتعلق بارتباط فيروس كورونا بسوق الحيوانات البرية في مدينة ووهان، فيرى خبراء أنه لا أدلة على هذا الأمر بسبب انتشار أسواق الحيوانات البرية في مختلف أنحاء الصين، وكذلك الحال بالنسبة لعدد من الدول الأسيوية المجاورة لها مثل إندونسيا.[6]
من جانبها، احتجت واشنطن على التصريحات الرسمية الصينية التي تتهمها بجلب الفيروس لمدينة ووهان، حيث استدعت السفير الصيني لديها، لتبليغه بالاحتجاج، والاستفسار منه عن سبب الاتهامات الصينية، فيما ذهبت تقارير أمريكية وأوروبية إلى رواية جديدة بشان منشأ كورونا، إذ اتهمت الحكومة الصينية بالوقوف وراء عملية نشر الفيروس في مدينة ووهان، لتخويف الأقطاب الأوروبية والشركات الدولية التي تملك أسهما ضخمة في الشركات الصينية، وإجبارها على بيع حصصها بأسعار متدنية للحكومة الصينية، لتكون هي المسيطر الأول علي هده الشركات الضخمة، ومن ثم ينتعش اقتصادها بشكل واسع، بعدما تكون قد ضحت بعد قليل من الصينيين لمصلحة الشعب بأكمله، ومستقبله الاقتصادي، فيما لم يتم إثبات حقيقة هذه الرواية علميًا حتي الآن.
الانتشار والحرب الأمريكية الصينية
يطرأ خطر جديد لفيروس كورونا في ظل الاتهامات المتبادلة بين بكين وواشنطن، يكمن في سرعة انتشاره المخيفة، والتي تعزز من احتمالية الانتشار المسبق للفيروس في مختلف الدول قبل الإعلان عن ظهوره في مدينة ووهان الصينية، ما يزيد من التهديد الذي يشكله الفيروس على العالم، في الوقت الذي أعلن خلاله مسؤولون أمريكيون احتمالية أن يصيب الفيروس ما بين 70 و150 مليون شخص في الولايات المتحدة.[7]
كما حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن الفيروس قد يصيب 70% من سكان ألمانيا[8] ووصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، فيروس كورونا بأنه أسوأ أزمة صحية في العصر الحديث، وتوقع بأن المزيد من العائلات ستفقد أحباءها بسببه، يأتي ذلك في الوقت الذي انتشر خلاله الفيروس في أكثر من 118 دولة، وأصاب أكثر من 128 ألف شخص في جميع أنحاء العالم.
وقد تزامن وباء كورونا مع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين، والتي تطورت إلى نزاع قوة شامل بين البلدين، في الوقت الذي أحدثت خلاله الصين ما عرف في الأوساط الأمريكية بـ”الصدمة الصينية” على خلفية اتهام واشنطن لبكين بالتمادي في السرقات الفكرية من مختلف المؤسسات الأمريكية، فقد قدرت الحكومة الأمريكية حجم السرقات الصينية للملكية الفكرية الأمريكية بنحو 1.2 تريليون دولار خلال الفترة بين عامي 2013 و2017م.[9]
هذا طبعا بالإضافة إلى النزاع المتعلق بقضية الأمن في البنية التحتية لشبكة الهاتف المحمول من الجيل الخامس، حيث تتهم واشنطن شركة هواوي الصينية بالعمل لصالح الحكومة الصينية، ما يعرض بيانات الأمريكيين للتجسس.
وتزداد قوة الصين يوما بعد يوم، لتشكل أكبر تهديد وجودي للولايات المتحدة بعد الحزب النازي في الحرب العالمية الثانية، فاقتصاديًا تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وتمضي في طريقها لتصبح أكبر اقتصاد عالمي، كما أنها أكبر دول العالم تصديرًا للسلع والبضائع، وتعمل على إتمام طريق الحرير التجاري الذي يضم 123 دولة، وتستهدف من خلاله الوصول السريع لمنتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى إتاحة الفرص للشركات العالمية للاستثمار في السوق الصينية التي تتميز بانخفاض الأجور وأسعار السلع والخدمات.
أما عسكريًا، فتواجه الولايات المتحدة القوة الصينية الصاعدة التي أثارت القلق عند واشنطن، حيث باتت بكين تسيطر تمامًا على بحر الصين الجنوبي، وشيدت فيه العديد من الجزر الصناعية، كما تمتلك أحدث الأسلحة العسكرية التي تصنف ضمن الأكثر فتكا على وجه الأرض، بالإضافة إلى سعيها في تشكيل قطب دولي مناوئ للقطب الأمريكي.
الخلاصة أن كورونا قد يكون أحد ميادين الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين، وفيه تستخدم الصين كل الأوراق السياسية الممكنة للضغط على الجانب الأمريكي، ومن هذه الأوراق، ورقة إيران التي أعلنت أنها لم تتمكن من السيطرة على الجائحة بسبب العقوبات الأمريكية.
ـــــــــــــ
[1]- مكتب إحصاءات مقاطعة هوبي https://www.citypopulation.de/php/china-hubei-admin_c.php?adm1id=4201
[2] – أول حالة وفاة بسبب السجائر الإلكترونية جراء “مرض غامض” يصيب الجهاز التنفسي – موقع “بي بي سي” عربي في 24 أغسطس من عام 2019م – https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-49461202
[3] E-cigarettes have killed 42 people in the US – Dailymail in 14 Nov 2109 – https://tinyurl.com/wpevqak
[4] The CDC shut down an Army lab that’s working on an Ebola vaccine – armytimes in 8 Aug 2019 – https://tinyurl.com/y5oc9mkt
[5] – الصحافة المحلية الصينية، https://mp.weixin.qq.com/s/CjGWaaDSKTyjWRMyQyGXUA
[6] – بيولوجي روسي: كورونا صناعة أمريكية تستهدف دولا بعينها – قناة روسيا اليوم في 27 فبراير 2019م – https://www.youtube.com/watch?v=ukIab1omjXc
[7] Worst-Case Estimates for U.S. Coronavirus Deaths – nytimes in 14 Mar 2020 https://www.nytimes.com/2020/03/13/us/coronavirus-deaths-estimate.html
[8] – ميركل: 70% من الألمان قد يطالهم كورونا – العربية نت في 11 مارس 2020- https://tinyurl.com/s4qbos5
[9] – الحرب التجارية الأمريكية الصينية: ماذا تريد الولايات المتحدة من الصين؟ – موقع بي بي سي عربي في 9 نوفمبر 2019م – https://www.bbc.com/arabic/world-50349312
ـــــــــــــ
محمد عبد الواحد