منذ أن أصدر عالم السياسة الأمريكى صمويل هنتنجتون بحثه المصغر عن “صدام الحضارات” فى فصلية السياسة الخارجية foreign affairs بعدد شهر يوليو من العام 1993، أصبحت كتاباته وطروحاته حاضرة على كل موائد السياسة الدولية وفى حلقات النقاش الأكاديمية والسياسية ليس فى جامعات ومراكز الفكر والأحزاب الأمريكية فحسب، بل كذلك فى كل مكان حول العالم، لا سيما بعد أن حوّل النظرية إلى كتاب مكتمل الأركان بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات وحمل العنوان الأشهر The Clash of Civilizations and the remaking of the world order الذى توقع فيه للمرة الأولى خوض الولايات المتحدة الأمريكية حربا حضارية مع عدد من الحضارات الكبرى على رأسها الحضارة الإسلامية، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك بأقل من خمسة أعوام حين غزت القوات المسلحة الأمريكية أفغانستان (7 أكتوبر 2001) ومن بعدها العراق (20 مارس 2003) وشنت ما يعرف بالحرب على الإرهاب فى عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.
أسئلة المستقبل حول مصير الأمة الأمريكية
بناءً على ذلك، ومنذ ذلك الحين، وحتى بعد أن ثبتت تنبؤات هنتنجتون فى مضمار التحليل الإستراتيجى، أصبحت كل كلمة يكتبها أو يتفوه بها تحظى بقدر متزايد من الاهتمام استنادا إلى خبرته الأكاديمية التى دعّمها بتطبيق عملى من خلال نظرياته ومن خلال عمله فى مناصب بارزة لدى عدد من الحكومات الأمريكية المتعاقبة وقد ساعد بالفعل فى تشكيل الفكر السياسى الأمريكى فى مجالات العلاقات المدنية والعسكرية والحكم المقارن والتنمية السياسية والاقتصادية، وذلك من خلال توليه منصب مستشار السياسة الخارجية للمرشح الرئاسى هربرت همفرى بالعام 1968 ومنصب المنسق الأول للتخطيط الأمنى فى مجلس الأمن القومى فى إدارة الرئيس الأمريكى جيمى كارتر (1977 ـ 1981).
“
على مدار سنوات عمله البحثية والفكرية، كان صمويل فيليبس هنتنجتون يطرح دائما عددا من أسئلة المستقبل خاصة فيما يتعلق بالتحديات التى تواجه الأمة الأمريكية، مع اعتقاده بأنها أمة تواجه حسدا كبيرا من الأمم الأخرى.
“
هذا الحسد يعود لكونها دولة بكر بها موارد لم تستنفد بعدُ ولها مساحة دولة قارة وتحظى بأغنى وأضخم قوة مالية فى تاريخ كوكب الأرض، كما أنها منعزلة خلف كتلتين مائيتين بالغتى الضخامة تتمثلان فى المحيطين الأطلنطى والهادى، وعلى هذا الأساس ولأنه كما يصف نفسه وطنيا وباحثا ويدرك أن التاريخ مفعم بالمفاجآت ولأنه يتوقع زوال الإمبراطورية الأمريكية بحلول عام 2025 فقد حاول وضع حلول تؤجل ربما من موت الولايات المتحدة الأمريكية.
اللافت فى توقعات هنتنجتون بزوال الأمبراطورية الأمريكية، أنها توافقت كثيرا مع رؤى مماثلة طرحهتا وكالة الاستخبارات المركزية CIA وطرحها أيضا عدد آخر من الفلاسفة وعلماء السياسة الأمريكيين ومن بينهم جوزيف صمويل ناى (الابن) Joseph Samuel Nye, Jr صاحب كتاب “القوة الناعمة” الذى توقع هو الآخر فى كتابه “مستقبل القوة The Future of Power“، أن يواجه النفوذ الأمريكى انحسارا عظيما بحلول العام 2025، أى بعد أن يتم الرئيس الأمريكى الحالى، دونالد ترمب، فترتيه الرئاسيتين المحتملتين (2017 ـ 2025).
إذن.. فالأسئلة التى دارت وتدور فى أذهان صناع السياسات الأمريكية هي: “ما العمل؟! كيف نواجه هذا الخطر الأعظم؟! هل سنسمح لأمم أخرى وحضارات أخرى أن تزيح النفوذ الأمريكى وتحل محلنا فى قيادة العالم؟!”.
كتاب من نحن؟ والبحث عن الحل
قبل أن يغادر الحياة بنحو أربعة أعوام وتحديدا فى العام 2004 ، أنجز صمويل هنتنجتون كتابه الأهم عن تحديد هوية الأمة الأمريكية وضع فيه عصارة خبرته الأكاديمية والتنفيذية وحمل الكتاب عنوان Who Are We? The Challenges to America’s National Identity ومعناه “من نحن؟ تحديات الهوية القومية الأمريكية” وقد صدر عدد من الترجمات للكتاب أبرزها الترجمة التى نشرها السفير دكتور أحمد مختار الجمال وصدرت عن المركز القومى للترجمة فى العام 2009 وحملت عنوانا مغايرا وهو “من نحن؟ المناظرة الكبرى حول أمريكا”.
قسم هنتنجتون الكتاب إلى اثنى عشر فصلا فى أربعة أقسام وهى قضايا الهوية والهوية الأمريكية وتحديات وتجديد الهوية الأمريكية، وتمحورت الأقسام الأربعة حول التحذير من الخطر الذى تتعرض له الهوية والثقافة الأمريكيتين، كما تشكلت على مدى ثلاثة قرون وجوهرها الأنجلو ـ بروتستانتى من القوة المتعاظمة من الأمريكيين ذوى الأصول اللاتينية وخاصة المكسيكيين الذين باتوا يشكلون أكبر الأقليات فى الولايات المتحدة الأمريكية وبلغ تعدادهم وقت كتابة الكتاب نحو 40 مليون نسمة، ويشكل ذلك من وجهة نظر هنتنجتون تهديدا يشى بانقسام ثقافى ولغوى فى المجتمع.
”
يرى هنتنجتون أن أبرز ما لفت نظره فى مسألة المستقبل الأمريكى ثلاثة محاور، أولها أن السمة البارزة للهوية القومية الأمريكية قد تباينت على مر التاريخ.
“
ففى أواخر القرن الثامن عشر وحده، بدأ المستوطنون البريطانيون فى الساحل الأطلنطى يتعرفون على أنفسهم، ليسوا على أنهم يقيمون فى مستعمرات كل على حدة فحسب ولكن باعتبارهم أمريكيين، ويعتقد أنه طالما يرى الأمريكيون أن أمتهم فى خطر فمن المحتمل أن يتولد لديهم إحساس قوى بالانتماء إليها، فإذا خبا الشعور بالتهديد، فإنه يمكن لهويات أخرى أن تأخذ الأسبقية على الهوية القومية.
اتجاهات الهوية الأمريكة وأزمة المستوطنين الجدد
ويطرح المنظر الأمريكى محورا ثانيا وجوهريا وهو: تعريف الأمريكيين لهويتهم عبر القرون الخمسة الماضية على أساس الجنس والعرق والمعتقدات والثقافة، ويقول إن الأمريكيين استطاعوا أخيرا استبعاد الجنس والعرق حاليا، ومع كل هذا فإن العقيدة كانت من نتاج الثقافة الإنجليزية البروتستانية للمستوطنين فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وتشمل عناصر هذه الثقافة اللغة الإنجليزية والمسيحية والالتزام الدينى والقيم التى تتعلق بحقوق الأفراد ومسؤولية الحكام ومفاهيم حكم القانون.
أما المحور الثالث والأهم فهو أن الثقافة الإنجليزية البروتستانية التى سادت الأمة الأمريكية لنحو ثلاثة قرون والتى رسخها المستوطنون الإنجليز تتمثل فيما يشترك فيه الأمريكيون وهو ما يميزهم عن الشعوب والأمم الأخرى وقد تعرضت تلك الهوية إلى تحد كبير مثله المهاجرون الجدد الذين وفدوا فى موجات ضخمة ومتلاحقة من أمريكا اللاتينية وقارة آسيا ثم شاعت فى أواخر القرن العشرين مذاهب جديدة وثقافات متعددة وانتشرت اللغة الإسبانية فى المجتمع والأوساط الأمريكية وحاول هؤلاء المهاجرون الجدد التشبث بهوياتهم ومعتقداتهم القديمة وهو ما أدى إلى تطور الهوية الأمريكية فى خمسة اتجاهات أساسية هى (أمريكا العقائدية ـ أمريكا المزدوجة ـ أمريكا الحصرية ـ أمريكا التى تبعث من جديد ـ مزيج من كل هذه الاتجاهات الأربعة الماضية).
“
يصف هنتنجتون الأوروبيين، الذين رحلوا من أوروبا إلى أمريكا بالمستوطنين وليس المهاجرين.
“
ومعنى هذا أنه لا يتعين عليهم ـ أي أبناء أوروبا الذين رحلوا إلى أمريكا ـ الاندماج فى الثقافة التى كانت سائدة آنذاك، فى إشارة إلى عادات الهنود الحمر وتقاليد السكان الأصليين، وبالتالى يمكن استنتاج أن ما تشهده أمريكا الآن هو ثقافة أوروبية بحتة لا علاقة لأمريكا القديمة قبل الاكستشافات الكبرى بها، وعلى هذا وفى كل الأحوال لم يقدم الرجل إشارة إلى ضرورة العرفان الأمريكى الراهن بالجميل الأوروبى.
هنتنجتون بين الواجب الوطنى والدور البحثى
بين واجبه الوطنى كمواطن أمريكى ووظيفته البحثية الأكاديمية كان هنتنجتون صريحا إلى حد المكاشفة مع قرائه من خلال مقدمة الكتاب التى قال فيها، إن كتاب “من نحن؟” قد تشكل بفعل هويته الوطنية والبحثية، وبصفته وطنيا؛ فقد اهتم بشدة بوحدة بلاده وقوتها باعتبارها مجتمعا قائما على الحرية والمساواة والقانون والحقوق الفردية وبصفته باحث فإنه يجد أن التطور التاريخى للهوية الأمريكية وحالتها الراهنة يطرح قضايا مهمة يعرف أنها تتداخل وتتعارض فيما بينها، وبالرغم من كل ذلك فقد حذر القارئ من أنه انتقى الدلائل وعرضها بشكل يعكس ما وصفها بـ”رغبته الوطنية فى العثور على معنى وفعالية فى تاريخ أمريكا ومستقبلها المحتمل”.
يقول هنتنجتون، إن كل المجتمعات تواجه تهديدات لوجودها من آن لآخر وفى النهاية تخضع لها، ومع هذا فإن بعض المجتمعات حتى عندما تتعرض لتهديد تكون قادرة أيضا على تأجيل فنائها بأن تتوقف وتعيد النظر فى عمليات التحلل وتجدد من حيويتها وهويتها، معتقدا أن أمريكا يمكن أن تفعل ذلك وأن الأمريكيين ينبغى أن يعاودوا الالتزام بالثقافة الإنجليزية البروتستانية والتقاليد والقيم التى احتضنها الأمريكيون من جميع الأجناس والأعراق والديانات لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن من الزمن، تلك التى كانت مصدرا لحرياتهم ووحدتهم وقوتهم وازدهارهم، ولما وصفها بـ”الزعامة الأدبية كقوة للخير فى العالم”.
الهوية وحاجة أمريكا إلى عدو
يؤكد هنتنجتون فى كتابه، أن أمريكا بحاجة دائمة إلى عدو، لأن وجود العدو يحافظ على تماسك الأمم وتوحدها خلف القضايا الكبرى، وهناك رصد واضح لعمليات غياب الهوية بداخل المجتمع الأمريكى وخاصة فى الفترة التى سبقت أحداث الحادى عشر من سبتمبر وللدلالة على ذلك يسوق صمويل مثالا شاهده بعينه فى مدينة بوسطن عاصمة ولاية ماساتشوسيتس.
يروى هنتنجتون فى الصفحة 33 من الكتاب أن شارع شارلز، وهو الطريق العام فى سهل بيكون بمدينة بوسطن عاصمة ولاية ماساشوستس، يعتبر شارعا مريحا تقع على جانبيه مبان حجرية من أربعة طوابق مع شقق تعلو محالا للتحف القديمة ومحالا أخرى على مستوى الأرض وفى وقت المعتاد فيه أن ترفرف أعلام أمريكية فوق مداخل مكتب بريد الولايات المتحدة ومحل بيع المشروبات الروحية لم يعد مكتب البريد يرفع العلم، وفى 11 سبتمبر 2001 كان محل بيع المشروبات الروحية وحده هو الذى يرفع العلم وبعد أسبوعين كان هناك سبعة عشر علما ضخما بالنجوم والشرائط معلقة عبر الشارع على بعد مسافة قصيرة وعندما تعرضت بلادهم للهجوم أعاد القاطنون فى شارع شارلز اكتشاف أمتهم وانتماءهم إليها.
“
يشدد هنتنجتون على أن المصالح القومية تستمد من الهوية القومية، ولذلك “علينا أن نعرف من نحن قبل أن نستطيع أن نعرف ما هى مصالحنا”، وفقا لنظريته حول المصالح الأمريكية فى السياسة الدولية وخاصة بعد انقضاء عصر الحرب الباردة.
“
ويستخلص أن “الأمم تحتاج إلى عدو” وأنه بذهاب عدو يجب إيجاد عدو آخر، وأن العدو المثالى للولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يكون عدوا أيديولوجيا ومختلفا ثقافيا وعنصريا وقويا عسكريا بما فيه الكفاية لكى يفرض تهديدا يعتد به للأمن الأمريكى، وقد تعددت التصورات حول هذا العدو وظهرت صورة الدول المارقة أو ما يعرف بدول “محور الشر” وهى كوريا الشمالية وسوريا وليبيا والصين.
بالرغم من كل ذلك، فإن التصور الصحيح للعدو من وجهة نظر هنتنجتون يجب يكون الجماعات الإسلامية الأصولية أو بشكل أوسع ما يعرف بالإسلام السياسى الذى تمثل فى الجماعات الموجودة فى العراق وليبيا وأفغانستان فى ظل طالبان وتنظيم القاعدة وبدرجة أقل فى الدول الإسلامية، فضلا عن الجماعات الإسلامية المتشددة مثل حماس وحزب الله والجهاد الإسلامى وإيران وباكستان.
العداء للإسلام يشجع الأمريكيين على تحديد الهوية
فى تلك الفترة، خاصة حول طرائق الإجابة على أسئلة المستقبل التى تؤرق الأمة الأمريكية، استخلص هنتنجتون أن الهوية الأمريكية سوف تتشكل بصورة حاسمة بالإدراك الجديد لاكتشاف أمريكا للعدو الخارجى وتأثير تفاعلات أمريكا الشديدة مع شعوب ذات ثقافات وديانات مختلفة، فالتأثيرات الخارجية يمكن أن تدفع إلى إعادة اكتشاف الأمريكيين وتحديدهم لهويتهم التاريخية وثقافتهم الدينية.
بناء على ذلك، يعتقد الرجل الذى توفى فى ديسمبر 2008م، أن العداء للإسلام يشجع الأمريكيين على أن يحددوا هويتهم وفق شروط دينية وثقافية مثلما روجت الحرب الباردة لتحديدات سياسية وعقائدية لهويتهم، مرجعا خصومة المسلمين تجاه الولايات المتحدة الأمريكية جزئيا إلى التأييد الأمريكى لإسرائيل وأن لها أيضا جذورا من الخوف من القوة الأمريكية والحسد تجاه الثروة الأمريكية ولما ينظر إليه على أنه استغلال أمريكى للشعوب، فضلا عن العداء للثقافة الأمريكية العلمانية والدينية واعتبار ذلك نقيض الثقافة الإسلامية.
“
وبالإشارة إلى أن الكتاب صدر فى العام 2004، فيمكن تدبر أن هنتنجتون توقع شكلا من أشكار “صدام الحضارات” بين أمريكا والعالم الإسلامى.
“
فقد قال إن التاريخ الحديث يوحى بأنه من الحتمل أن تنخرط الولايات المتحدة الأمريكية فى صراحات مختلفة مع بلدان وجماعات إسلامية وغير إسلامية فى السنوات القادمة، وقد تحقق بالفعل بعض مما تنبأ به هنتنجتون فيما يتعلق بالحرب الأمريكية على عدد من الجماعات الإسلامية ومن المرجح بشدة أن يدور صراع على نحو مشابه مع قوى دولية أخرى على رأسها الصين.
يقول هنتنجتون فى الصفحة رقم 168 من الكتاب، إن الأمة الأمريكية ما لم تخبئ الاختلافات الداخلية فإنها مهددة بالزوال والانقسام مثلما حدث إبان فترة الحرب الأهلية التى وجه الأمريكيون فيها كراهيتهم وغيرتهم وحسدهم وبخلهم ضد بعضهم البعض؛ فانحدروا إلى طريق الحرب الأهلية، وفى 14 إبريل 1861 فإن العلم الذى رفرف طوال الليل على قلعة ماكنهرى (McHenry Fort قلعة فى مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند اشتهرت لدورها التاريخى فى حرب 1812، عندما نجحت فى الدفاع عن ميناء بالتيمور من هجوم شنته البحرية البريطانية)، قد نُكِّس فى قلعة سامتر (Fort Sumter حصن بحرى تاريخى فى ولاية كارولينا الجنوبية اكتسب شهرته من سقوطه فى يدى الحلفاء خلال الحرب الأهلية الأمريكية).
الخلاصة ومستقبل أمريكا
نستطيع أن نستخلص مما سبق أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أزمة حقيقية فى المستقبل، وأن علماء الدراسات الإنسانية خاصة علماء الاجتماع والسياسة منهم تنبهوا إلى تلك الأزمة من خلال إرهاصات ما وصفوه بالتفكك المحتمل بحلول العام 2025 وبحسبة بسيطة يمكن التوصل إلى أن هذا العام هو العام المحتمل لنهاية الولايتين الرئاسيتين المحتملتين للرئيس دونالد ترمب.
لكن ما يفعله العلماء الآن هو البحث عن آليات لتبطىء موت الأمة الأمريكية وتأجيل تفكك ولاياتها الخمسين، والبحث عن عدو جديد يملء الفراغ الكبير الذى أحدثه تفكك الاتحاد السوفييتى باعتباره أهم تهديد خارجى مصطنع صنعه الأمريكان فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأبقاهم على قيد التوحد لنحو 45 عاما، ويمكن بوضوح قراءة التصور الحالى للعدو الجديد فى الإسلام السياسى وليس أدل على ذلك من العبارة التى كتبها هنتنجتون فى الصفحتين رقمى 464 ـ 466 حين قال:
“
عندما هاجم أسامة بن لادن أمريكا وقتل عدة آلاف من الناس، فإنه أقدم أيضا على فعلين آخرين؛ فقد ملأ الفراغ الذى أحدثه جورباتشوف مع عدو جديد وخطير بالتأكيد”. وعلى هذا الأساس “فوصف الحرب الأيديولوجية لأمريكا مع الشيوعية المتطرفة قد تحول إلى حربها الدينية والثقافية مع الإسلام المتشدد.
“
وعلى هذا الأساس، فإن عناصر مهمة من النخب الأمريكية منشغلة حقا بالإجابة على تساؤلات المستقبل، وتميل إلى أن تصبح أمريكا مجتمعا عالميا، إلى جانب أن هناك نخبا أخرى ترغب فى أن تتولى واشنطن دورا إمبراطوريا، لكن الجزء الأكبر من الشعب الأمريكى (فى تصور هنتنجتون بالصفحة الأخيرة من الكتاب رقم: 475) ملتزم ببديل قومى وبالمحافظة على القومية الأمريكية وتقويتها، وعليه فإن أمريكا أصبحت هى العالم وأصبح العالم هو أمريكا وتبقى أمريكا هى أمريكا، هل هى عالمية؟ هل هى إمبراطورية؟ هل هى قومية؟ هل تتفكك أمريكا أصلا وتصبح أمما ودولا من القوميات المتناحرة على غرار ما يحدث فى الشرق الأوسط؟ إن اختيار الأمريكيين هو الذى سيشكل مستقبلهم كأمة ويشكل معهم مستقبل العالم.