عقد فيتالي سافييف، نائب رئيس الوزراء الروسي، وعلي لاريجاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، اجتماعا، في مقر أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي بطهران، في إطار التفاهمات الإستراتيجية بين رئيسي البلدين، بهدف الانتقال من مرحلة الاتفاقات السياسية إلى مرحلة تنفيذ التعاون.
وتركزت المشاورات بشكل أساسي على ممر الشمال – الجنوب باعتباره أحد المكونات الرئيسية للجغرافيا السياسية والترابط الإقليمي؛ وهو مسار من شأنه أن يعزز مكانة إيران وروسيا في معادلات العبور الأوراسية. وخلال الاجتماع، أكد علي لاريجاني عزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الراسخ على تفعيل ممر الشمال-الجنوب، وأعلن عن إزالة جميع العقبات التنفيذية والقانونية والمؤسسية القائمة في أسرع وقت ممكن.
كما أعلن عن إتمام الاتفاقيات اللازمة للجوانب القانونية والتنفيذية لهذا المشروع، وأضاف أنه بالمتابعة المباشرة من الرئيس، ستستحوذ الحكومة على جميع الأراضي الواقعة على طول مسار الممر بحلول نهاية العام، لكي يدخل المشروع مرحلة التنفيذ دون انقطاع.
في المقابل، رحّب نائب رئيس الوزراء الروسي بالنهج الحازم لإيران، وأعلن استعداد موسكو لتسريع تنفيذ المشروع والشروع في اتخاذ إجراءات عملية. وفي الختام، أكد الجانبان أن ممر الشمال والجنوب ليس مجرد مشروع عبور، بل هو جزء من الاستراتيجية المشتركة بين طهران وموسكو لإنشاء طرق ربط إقليمية مستقلة وتقليل الاعتماد على الممرات التقليدية الخاضعة للنفوذ الغربي. وبناءً على ذلك، تقرر تفعيل آليات متابعة مستمرة على أعلى المستويات ومواصلة التنسيق المؤسسي بين البلدين بشكل منتظم.
تفاصيل مشاورات لافروف – عراقجي
بالتزامن مع اجتماع لاريجاني وسفاييف في طهران، أعلن كاظم جلالي، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى روسيا أن العلاقات بين طهران وموسكو على وشك دخول مرحلة جديدة، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني سيد عباس عراقجي إلى موسكو. ووفقًا لتصريحاته، فإنه بعد توقيع اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” ودخولها حيز التنفيذ، سيدخل التعاون بين البلدين مستوى جديدًا من التطور. وفي مقابلة مع وكالة تاس، أكد جلالي أن الهدف الرئيسي من هذه الزيارة هو مناقشة القضايا الثنائية وتهيئة المناخ للتنفيذ العملي لأحكام الاتفاقية الاستراتيجية.
وأضاف أن التنفيذ الناجح لهذه الاتفاقية يتطلب مشاورات مستمرة ووثيقة بين مسؤولي البلدين، وتأتي زيارة وزير الخارجية في هذا الإطار تحديدًا. كما أوضح السفير الإيراني لدى موسكو أن جدول أعمال المحادثات يتضمن، بالإضافة إلى القضايا الثنائية، قضايا إقليمية ودولية هامة.
وبحسب قوله، تتشارك إيران وروسيا مصالح وهمومًا مشتركة في مناطق مثل القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان والأمن الإقليمي وبحر قزوين. كما أشار جلالي إلى المشاورات حول القضايا الأمنية والتعاون في إطار الأمم المتحدة كمحاور أخرى لهذه الزيارة. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن سيرغي لافروف وسيد عباس عراقجي سيتبادلان وجهات النظر بالتفصيل في موسكو حول التطورات الدولية، ولا سيما الملف النووي الإيراني.
بيان وزارة الخارجية الروسية
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني سيد عباس عراقجي إلى موسكو، أن اجتماعه مع سيرغي لافروف سيعقد في 16 ديسمبر/كانون الأول بهدف مواصلة المشاورات المنتظمة والسرية حول طيف واسع من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.
ووفقًا لموسكو، دخلت العلاقات الإيرانية الروسية مرحلة جديدة نوعيًا بعد تنفيذ معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة. خلال الاجتماع، سيستعرض وزيرا خارجية البلدين البرامج الثنائية ويركزان على تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها على أعلى المستويات، بما في ذلك اجتماعات الرئيسين الإيراني والروسي في عشق آباد وتيانجين. كما سيُولى اهتمام خاص، عشية الاجتماع التاسع عشر للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي، المقرر عقده في إيران في فبراير 2026، لزيادة التبادل التجاري الثنائي ودفع المشاريع المشتركة الكبرى في مجالي الطاقة والنقل.
ووفقًا للبيان، سيكون تبادل وجهات النظر حول القضايا الدولية الرئيسية، بما في ذلك أزمة البرنامج النووي الإيراني وتداعياتها على الاستقرار الإقليمي، من بين المحاور الرئيسية للمحادثات. كما يتضمن جدول الأعمال تنسيق وجهات النظر حول التطورات في غرب آسيا وجنوب القوقاز وبحر قزوين وأفغانستان. وقد أكدت وزارة الخارجية الروسية أن طهران وموسكو تتشاركان وجهات نظر مشتركة حول العديد من القضايا العالمية، وأنهما، على الرغم من الضغوط والعقوبات الغربية، تسعيان بجدية إلى تطوير تعاون عملي، ومواجهة الإجراءات القسرية الأحادية، وتعزيز آليات التمويل المستقلة.
الملف النووي؛ إدارة الضغوط، لا حل الأزمة
بالإضافة إلى ما سبق، يبدو أن الاجتماعات بين المسؤولين الإيرانيين والروس في طهران وموسكو تتمحور عمليًا حول مجالين هامين: الملف النووي والمعادلات الإقليمية. وبناءً على ذلك، واستمرارًا للتحركات الدبلوماسية بين طهران وموسكو، يمكن اعتبار زيارة السيد عباس عراقجي إلى روسيا إحدى المحاور الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية في المرحلة الراهنة؛ وهي زيارة، وإن كانت ظاهريًا تُصنف ضمن العلاقات الثنائية، إلا أن دراسة هذه الزيارة وآراء وزيارات المسؤولين من البلدين تُظهر عمليًا أن إيران وروسيا مُجبرتان على التنسيق والحوار ليس انطلاقًا من تقارب استراتيجي مستدام، بل في إطار موازنة الضغوط الخارجية. وقد عادت القضية النووية الإيرانية لتصبح مجددًا إحدى بؤر التوتر الرئيسية في السياسة الخارجية للبلاد.
لقد أدى ازدياد النشاط الدبلوماسي في أوروبا، والاستخدام المتزايد لقدرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتهديدات الضمنية بتفعيل آليات عقابية أخرى في مجلس الأمن، في أعقاب التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رافائيل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى خلق بيئة تجبر طهران على إدارة الوضع على عدة مستويات في وقت واحد. حران. في غضون ذلك، تحتل روسيا، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن وفاعلاً ذا خبرة طويلة في مواجهة الغرب في المؤسسات الدولية، مكانةً خاصة.
ويمكن النظر إلى مشاورات عراقجي في موسكو على أنها محاولة لتخفيف حدة الضغط السياسي، لا خطوة نحو حل جذري للنزاعات النووية. تدرك طهران تماماً أنه ما لم تُحل العقدة الرئيسية في العلاقات مع الولايات المتحدة، سيبقى الملف النووي في حالة من الترقب والتوتر. مع ذلك، قد يحول التنسيق مع موسكو دون تشكيل توافق جديد ضد إيران، أو على الأقل يزيد من تكلفته. في هذا السياق، يتمثل أحد محاور الحوار في تفاعل إيران مع الوكالة؛ وهي مؤسسة تحولت، من وجهة نظر طهران، إلى أداة ضغط سياسي بدلاً من كونها أداة فنية في الأشهر الأخيرة. لذلك، يمكن لروسيا أن تلعب دوراً معتدلاً في مجلس المحافظين، والأهم من ذلك، في مجلس الأمن.
لا يهدف إيران من هذه المشاورات إلى الحصول على دعم غير مشروط، بل إلى إنشاء نوع من الدرع الدبلوماسي في مواجهة المبادرات الأوروبية والأمريكية. من منظور أوسع، تسعى موسكو أيضاً لتحقيق مصالحها الخاصة. فهي لا ترغب في أن تصل الأزمة النووية الإيرانية إلى حدّ زعزعة استقرار النظام الأمني الإقليمي أو تعريض الغرب لضغوط جديدة. لذا، فإنّ التوافق التكتيكي بين طهران وموسكو في هذه الحالة هو نتاج تقارب مؤقت للمصالح أكثر منه نتاج ثقة متبادلة؛ وهو توافق سيستمر طالما لم تتجاوز تكاليفه على روسيا فوائده.
ـــــــــــــــــ
مقالة مترجمة من صحيفة “شرق” الإصلاحية للكاتب مالك مصدق، بعنوان “شرق.. از دیدار مقامات ایران و روسیه در پایتختهای دو کشور گزارش میدهد: میان ضرورت و تردید” (بالعربية: “صحيفة شرق” ترصد لقاء مسؤولي إيران وروسيا في عاصمتي البلدين: بين الضرورة والشك).
