اعتاد البعض على السماع عن جهود ووساطات مصرية وغير مصرية في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية بين كل من حركتي حماس وفتح، أو بالأحرى منظمة التحرير الفلسطينية، التي يترأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، بصفته رئيس السلطة الفلسطينية الشرعية، وما إن تبدأ الجهود في التوصل لاتفاقات محددة، سرعان ما ترجع تلك الجهود إلى النقطة “صفر”، وكأن اتفاقًا لم يكن، ما يزيد الحيرة والشكوك حول طبيعة التصريحات التي تخرج في أعقاب الاتفاق مباشرة عن نية “حماس” الالتزام بأي اتفاق ترعاه القاهرة، ويحمل بنودًا ترضي حماس والمقاومة، والتي سرعان ما تعلن الحركة عن رفضها لذلك الاتفاق مرة أخرى ـ أيًا كان هذا الاتفاق ـ بمجرد زيارة بسيطة يجريها أحد أعضاء الحركة في قطاع غزة إلى طهران وعقد لقاء ـ حتى لو امتد لدقائق ـ مع مسؤولين في النظام الإيراني.
إيران كلمة السر
زيارات خاطفة اعتادت عليها قيادات حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” بين الحين والآخر إلى إيران، تمتد تلك الزيارة للحديث عن بعض الأمور الاستراتيجية واللوجستية والمالية، فيما لا يخفى على العالم أجمع طبيعة ما توليه إيران من اهتمام لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة الجهاد الفلسطيني، وحركة الصابرين “حصن” وغيرها من الميليشيات المسلحة في قطاع غزة، سواء بالدعم المالي أو العسكري، إذ اعتادت إيران على دعم حماس، على اعتبار أنها تمثل يد المقاومة الطولى أمام العالم لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ما جعلها طريق إيران الوحيد للتشدق بدعم القضية الفلسطينية لكسب تعاطف شعوب المنطقة.
فما إن يزور أحد أعضاء حركة حماس طهران عقب أي اتفاق للتهدئة أو المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية، يبدأ ذلك الاتفاق في التلاشي شيئًا فشيئًا، وهو ما حدث بعد توقيع اتفاق 2017، وبمجرد أن وقع الاتفاق بين الطرفين واتفقا على تشكيل حكومة وحدة وطنية، أعلنت حركة حماس عن تراجعها عن هذا الاتفاق بمجرد زيارة خاطفة إلى طهران، أعلن فيها صالح العاروري، الذي وقع الاتفاق مع ممثلين عن السلطة الفلسطينية، أن القضاء على إسرائيل من أولويات حركة حماس، فيما صافح مسؤولين إيرانيين أمام الكاميرات بعد أن تعهدوا بمواصلة الدعم المالي والعسكري لحركة حماس.
بعد ذلك أعلن حسين شيخ الإسلام، مستشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لوكالة “شهاب” للأنباء التابعة لـ”حماس” قائلًا: “سنعطي حماس كل شيء تطلبه من إيران”.
منطق تصدير الأزمات
اعتمدت حركة حماس على منهج إيران نفسه في تصدير الأزمات، وكما تعلن إيران من وقت لآخر عن سياساتها المتركزة على الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في شعارها المعلن بيد ميليشياتها في كل مكان “الموت لأمريكا ـ الموت لإسرائيل ـ اللعنة على اليهود ـ النصر للإسلام”، من أجل إبعاد النظر عن الأزمات الداخلية المتلاحقة لها في اقتصادها وسياساتها الداخلية والخارجية، إلا أنها تخبئ فشلها في تحقيق أي تنمية من خلال الهجوم على دول خارجية بذريعة أن هذه الدول تعمدت الإضرار بالمصالح الإيرانية وعلى الشعب والحكومة الوقوف في وجهها.
كذلك اعتمدت حماس على المنطق الإيراني نفسه، فكلما تتأزمت الأوضاع أكثر فأكثر تطلق صاروخًا أو اثنين على الأراضي المحتلة، لا تصيب تلك الصواريخ هدفًا ولا تقتل مستوطنًا، إلا أن فداحة خسائرها أوقع بكثير حين ترد الصواريخ الإسرائيلية على قطاع غزة وتصيب الأطفال والنساء وتقتل أهالي غزة، وبعدها تعلن حركة حماس أمام العالم أنها تهاجم من قوات احتلال وعلى العالم أن يتصدى لجيوش إسرائيل التي انتهكت المال والأرض والعرض.
الإحراج باسم “سلاح المقاومة”
عدة مسائل مهمة كانت النقاط الأساسية في أي اتفاق تعقده حركة حماس مع فتح برعاية مصرية، تتمثل في تسليم أسلحة المقاومة للسلطة الفلسطينية، وموظفي المعابر، ومسألة الرواتب، فكانت هذه النقاط الثلاثة أهم النقاط المفصلية في أي اتفاق مصالحة، وسرعان ما يتفق الطرفان على حلحلة تلك المسائل، وبعدها تخرج حماس معلنة عن عدم رضاها عن تسليم سلاح المقاومة على اعتبار أنه سلاح لمقاومة الاحتلال، ولن يتم ادماجه في السلطة إلا بعد القضاء على الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الأمر أكده نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة خليل الحية، حين أكد أن “سلاح المقاومة خط أحمر وغير قابل للنقاش”، ودعا كل الأطراف السياسية إلى الكف عن تناول هذا الموضوع، والملاحظ أن هذا التصريح جاء بعد أيام من زيارة أجراها خليل الحية إلى طهران.
وربما كان قول الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن “إنه لن يسمح باستنساخ تجربة حزب الله اللبناني في فلسطين، ولن يسمح بوجود ميليشيا تعمل خارج الإطار المعمول لها”، ردا على هذا الأمر.
في سبيل ذلك رد عزام الأحمد مؤكدًا أن منظمة التحرير الفلسطينية مصممة على ضرورة تسليم حماس ميليشياتها في القطاع، شريطة أن ترفع العقوبات المفروضة على قطاع غزة، واعتبر أن ذلك الشرط كافٍ لتحقيق المصالحة الفلسطينية في معدل زمني قدره 10 دقائق فقط، إلا أن حماس تشدد على ضرورة أن يبتعد النقاش الدائر في ملف المصالحة عن إثارة الحديث حول ميليشيا حماس والجهاد الإسلامي، تجنبًا لوقف التمويل المالي الذي تتلقاه حماس من طهران وقطر عبر طرق غير شرعية تسلكها في سبيل تحقيق مجد مالي يمكنها من الوجود على أرض صلبة وتحقق أهدافًا رسمت لها بدقة، فيما تعتمد حماس على سؤال توجهه لكل من يطالبها بتسليم سلاح المقاومة “كيف يمكن تسليم سلاح يقاوم الاحتلال؟ لن يحدث ذلك قبل جلاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل الأراضي الفلسطينية”.
خلاصة
تعتمد المصالحة الفلسطينية بشكل أساسي على عناصر محددة تتمثل في تسليم سلاح المقاومة، وهو ما تشدد إيران وتحرص على عدم حدوثه، كما تحرص حماس أيضًا على ذلك، من أجل ضمان حصولها على تلقي الدعم المالي من إيران، كما تشدد إيران على ذلك من أجل ضمان بقاء يدها في قطاع غزة ولضمان استخدام القضية الفلسطينية كجسر للعبور إلى الشعوب العربية والإسلامية.
وتعتمد إيران على إفشال كل الجهود التي تبذل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، لضمان وجود تهديد على إسرائيل، في الحرب الدائرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، في الوقت الذي تقول فيه إنها تهديد لإسرائيل من الناحية الجنوبية وبالتحديد من لبنان وسوريا من خلال قواعدها التابعة لها هناك، أو حتى قواعدها الموجودة في دمشق بمساندة النظام السوري.