شكل الاتفاق الصيني ــ الإيراني، صدمة كبيرة للإيرانيين، وخرجت التظاهرات في الشوارع ضد نظام المرشد علي خامنئي، واصفة الاتفاقية بـ”الاحتلال الصيني للبلاد”، وهو ما يشكل أزمة في المزاج وبنية الشخصية الإيرانية «الفارسية» ويسقط دعاوى استقلال قرار النظام التي يرددها مؤسسو الجمهورية الإسلامية.
فمع تطور الأوضاع في إيران وتصاعد التوترات الأمنية ونشاط رجال الدين المناوئ لنظام محمد رضا بهلوي في ستينيات القرن الماضي، لجأ شاه إيران الى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وصفه مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الموسوي الخميني بالقول: «الأمريكيون أحرار في ارتكاب أي جريمة، ولا يحق للشرطة الإيرانية ملاحقتهم والقبض عليهم، كما لا يحق للقضاء الإيراني محاكمتهم، لماذا؟ لأن أمريكا دولة الدولار، وحكومة إيران بحاجة للدولار»، وقد أدى هجوم رجال الدين كالخميني على الاتفاقية إلى تطور الأوضاع وتصاعد الأحداث بسقوط الشاه في 1979.
اليوم يسقط نظام المرشد الإيراني في خطأ الشاه، عبر اتفاقية «غامضة» مع الصين، رفضتها غالبية القوى السياسية وشرائح الشعب الإيراني، لكن هذه الاتفاقية تشكل حماية لنظام «آيات الله» في ظل الأوضاع التي يعيشها النظام على المستوى الداخلي والإقليمي، وغياب الحلفاء وانتكاسة في الأوضاع الاقتصادية.
أيضًا، وفقًا لكثير من المراقبين، أصبح نظام المرشد ومؤسساته شديدة الاعتماد على الصين، التي تتوق للاستفادة من العزلة الاقتصادية لهذا النظام الديني في العالم، في ظل العزلة التي يفرضها الغرب على إيران بفعل سياسية آيات الله.
ولعل الغضب الإيراني من اتفاقية الصين، يأتي في ظل البنود المسربة حول الاتفاقية والتي تعني سيطرة الصين على النفط والغاز والثروات باسثتمارات تصل لـ400 مليار دولار، لمدة 25 عاما وهو ما يعد “احتلالا” صينيا لإيران.
كذلك مما تم تسريبه أيضا هو شكل التعاون العسكري الصيني ــ الإيراني، ووجود قوات صينية (5000 آلاف عسكري وفقا لما تم تسريبه) في إيران، وهي تشكل سابقة تعد الأولى من نوعها منذ استقدام الشاه بهلوي المستشارين العسكريين الأمريكيين للبلاد.
الذاكرة الأكثر ألما للإيرانيين وخاصة قطاع كبير من المعارضة، هو أن الصين كانت الداعم الأكبر في قمع الثورة الخضراء عام 2009، عبر دعم نظام خامنئي بالقنابل المسيلة للدموع.
ويقول القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني أمير موسوي، حول رؤيته لاتفاقية التعاون العسكري بين إيران وبين الصين “هناك أيضا تعاون ولا زال في مجال التقنيات العسكرية، وخاصة في مجال الدبابات والمدفعية وربما الصواريخ، وكذلك استفادت إيران من الصين في موضوع الأقمار الصناعية، وأعتقد أن في مجال بيع الأسلحة وصلت إيران إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، لكن ربما هناك صفقات قد تم التوافق عليها”.
وخلال الأعوام الماضية، زاد التعاون العسكري بين إيران وبين الصين، ويعد قطاع نقل التكنولوجيا العسكرية أبرز القطاعات التي تعاونت فيها بكين وطهران، كما كان لافتا زيادة الشركات العسكرية الصينية في مجال الصناعات العسكرية الإيرانية، وفي مقدمتها مجال صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة.
ولقد كانت الصين ثاني أكبر مصدر للأسلحة والمعدات إلى إيران بين عامي 2009 و2002، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام CIPRI.
في الشؤون الدفاعية والعسكرية، تؤيد الحكومة الصينية اكتساب إيران السلطة إلى الحد الذي يمكنها فيه استخدام قوتها الرادعة ضد الولايات المتحدة لتأمين نفسها وإبقاء الولايات المتحدة مشغولة، فالجانبان مشتركان في هدف واحد وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
وتشير نتائج مقال بحثي نُشر في إيران أيضًا إلى أن التعاون وتوريد الأسلحة الدفاعية والعسكرية الصينية إلى إيران يتم من خلال اعتبارين، في مجال الدفاع المتبادل والتعاون العسكري، ومن خلالهما لا تريد الصين أن تكتسب طهران الكثير من القوة في المنطقة لكنها تحاول فقط زيادة قوة إيران ضد الولايات المتحدة.
كذلك يقع تعاون الصين العسكري والدفاعي مع إيران في نطاق الاعتبارات الأمريكية، وتتجنب بكين بيع أسلحة متطورة ستلقى معارضة شديدة من الولايات المتحدة والغرب وحتى روسيا.
ولطالما كانت مسألة توسيع التعاون العسكري مع الصين من أهم القضايا التي تهم مسؤولي النظام الإيراني وأحد اهتمامات الشعب الإيراني والعديد من الدول الغربية.
لذلك يمكن القول إن الاتفاقية الصينية ــ الإيرانية، تشكل حماية من أجل الحماية، تسعى بكين بكل الوسائل للحصول على أكبر المكاسب، وتريد استخدام طهران كخط دفاعي واستراتيجي في الصراع مع واشنطن.
ــــــــــــــ
علي رجب