لطالما كان استبعاد الشخصيات السياسية المعروفة والشهيرة عن ساحة الانتخابات والسلطة موضوعًا مشوقًا، ومثيرًا للاهتمام بالنسبة للمجتمع، والمحافل الإعلامية. ويتم ذلك الأمر في حالة رفض أهلية المرشحين، ويتضمن شخصيات وأحزاب سياسية في بعض الأحيان، وكذلك شخصيات كان لها سابقة وجود في المؤسسات والسلطة في أحيان أخرى.
من هذا المنطلق، إذا أخذنا رفض أهلية بعض الشخصيات خلال العقد الماضي في عين الاعتبار، وأهمها بطبيعة الحال رفض أهلية الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني، واستكمالًا لتأثير التيار المحافظ في العقد الأخير من القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحالي المتمثل في علي لاريجاني. مع ذلك لم يتم تحديد الأسباب الرئيسة لرفض أهلية المرشحين بأي شكل من الأشكال.
لكن في الآونة الأخيرة انتشرت رسالة عُرض من خلالها سبب رفض أهلية ترشح لاريجاني، وبعد ردة فعله يجب رؤية ردة فعل المجتمع، ومجلس صيانة الدستور نفسه على هذا الأمر.
الواقعة الكاملة لرفض الترشح
كان رفض أهلية ترشح علي لاريجاني في الانتخابات الرئاسية لهذا العام ضمن أكثر الأخبار التي حصدت رواجًا واسعًا، وامتدت تبعاته لشهور، ولم تتحقق هذه الأصداء في الأوساط عندما تم رفض أهلية ترشح بعض الشخصيات كإسحاق جهانجيري، ومحمود أحمدي نجاد، وغيرهما من قبل مجلس صيانة الدستور.
غير أن خبر رفض أهلية ترشح علي لاريجاني من قبل المجلس أدهش الجميع. كما شهدنا مواجهة علي لاريجاني للمجلس، واعتراضه مرارًا وتكرارًا على رفض أهليته للترشح من قِبَلِه، كما طالب بتوضيح سبب هذا الرفض.
وقد أعلن مجلس صيانة الدستور في كل مرة أن سبب رفض الأهلية سري حتى على المرشحين أنفسهم، ولكن لاريجاني طلب من المجلس الإعلان عن السبب مرات عدة. ومع ذلك تصاعد الصراع حتي وصل إلى نشر رسالة بتوقيع من أمين مجلس صيانة الدستور في وسائل الإعلام بشأن أسباب رفض أهلية ترشح لاريجاني التي كان لها انعکاس واسع وردود أفعال كثيرة، وأعرب كل شخص عن وجهة نظره الخاصة حول هذه الرسالة.
وقد ذكرت الرسالة عديدا من الأسباب من بينها مواقف سياسية تعود إلى عام ٢٠٠٩م، والدفاع عن المرشحين المرفوضة أهليتهم للترشح، وإقامة الأبناء في أمريكا وإنجلترا، كما اعتبرت المصادقة على خطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاق النووي في عشرين دقيقة في المجلس سببًا لرفض أهلية سياسي مخضرم في إيران.
في خلال هذه الأثناء كان أهم رد فعل للاريجاني نفسه عبارة عن رسالة مفصلة إلى مجلس صيانة الدستور عبر فيها عن شكواه من الأسباب المعلنة وجاء في أهم جزء من حديثه الآتي: “قولوا كلامًا مبنيًا على منطق، ومن ثم قمنا برفضك، في هذه الحالة على الأقل يكون الاعتراض من قبلكم بجملة ذات معنى”.
بغض النظر عن رد لاريجاني على رسالة مجلس صيانة الدستور كان يعتقد الكثيرون ــ ولا يزالون ــ أن سبب رفض أهليته للترشح ربما سبب رفض أهلية الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني نفسه، وذلك هو الرأي الأرجح.
ما قاله بوضوح حجة الإسلام حيدر مصلحي وزير المخابرات حينها بناءً على ثلاثين مليون صوت لآية الله هاشمي رفسنجاني. وعلى هذا الحال يعتقد البعض في المجتمع أنه ربما تم استبعاد لاريجاني لأنه كان المرشح الأوفر حظًا.
على الرغم من أن هذا الأمر لايزال غير مقبول بالنسبة للبعض؛ بحيث كان لاريجاني رئيس البرلمان لمدة اثنى عشر عامًا، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، كما تولى رئاسة هيئة الإذاعة والتليفزيون، ويعد ضمن الأفراد الموثوق فيهم في هذا النظام، فلماذا تم استبعاده ورفضت أهليته. وبطبيعة الحال يجب أن نرى هل الواقعة ستنتهي هنا أم سيكون لهذه القصة أبعاد أخرى؟!
الأسباب المعلنة ما هي إلا مبررات
صرح ناشط سياسي فيما يتعلق بالرسالة المنشورة المنسوبة لأمين مجلس صيانة الدستور بخصوص أسباب رفض أهلية علي لاريجاني في الدورة الثالثة عشرة للانتخابات الرئاسية قائلًا: “لست علي دراية كاملة بالقوانين لكني أتذكر قول المتحدث السابق باسم مجلس صيانة الدستور عندما ذكر أنه حين يتم التأكيد على أهلية الأشخاص للترشح، يمكن لمجلس صيانة الدستور التدخل الفوري، ومن ثم يقوم برفض أهلية هؤلاء الأشخاص إذا رأوا في عملهم ومسئولياتهم ما يخالف”.
وقد قال محمد هاشمي: “إذا كانت تلك هي آلية عمل مجلس صيانة الدستور، فإن الأدلة المقدمة بخصوص السيد لاريجاني مثيرة للدهشة؛ لأنها لم تحدث بين ليلة وضحاها. كان من المفترض طرح هذه الأمور من خلال المسؤوليات التي تولاها لسنوات عدة”.
فقد شغل السيد لاريجاني منصب رئيس البرلمان لمدة اثنى عشر عامًا، فضلا عن مناصب أخرى، ويعني هذا أن السيد لاريجاني ليس مجرد شخصية عادية في النظام. وأردف قائلًا: “إنه شخص موجود منذ عام ١٩٩١م ويقوم بالمسؤوليات الحساسة للنظام حتى قبل ذلك، كما أدى دورًا فعالًا في الكثير من القضايا ذات الصلة”.
إذا كان مجلس صيانة الدستور يرى أنه يرتكب خطأ كان يجب تحذيره في الوقت المناسب على الأقل بناءً على أمر السيد عباس علي كدخدائي. والآن نقول إنه لم يكن من الضروري رفض أهلية الترشح وإخلاء المسؤولية. لكن علي الأقل كان بإمكانهم أن يخبروه قائلين “إنك أخطأت هنا من فضلك عليك بإصلاح نفسك”.
لكني أعتقد أن مثل هذا الشيء سواء قيل أو لم يُقل، فلن نعلم. ذكر الهاشمي: “لو نأخذ هذه الأوضاع في عين الاعتبار، يبدو لي أن ما قيل كان أغلبه مبررات، وما يقوله معظم الناس في المجتمع الآن، وما يقال بين العامة والخاصة هو أن السيد لاريجاني لو كان مرشحًا في الانتخابات لكانت لديه الفرصة في الظفر بمقعد الرئاسة”، ولكانت نسبه التصويت له مرتفعة وكان الشعب سينتخبه ويختاره، بأخذ خبرته في عين الاعتبار.
حدث شبيه هذا الأمر للراحل هاشمي رفسنجاني، وتم استبعاده ورُفضت أهليته لسبب آخر. أوضح عضو سابق في مجمع تشخيص مصلحة النظام قائلًا: “بالنسبة لموضوع السيد هاشمي فقد اعترف وزير المخابرات في عهد السيد أحمدي نجاد مؤخرًا أنه إذا أصبح السيد هاشمي مرشحًا سيحصل علي ٣٠ مليون صوت ولا يمكن السيطرة عليه في وجود ثلاثين مليون صوت”.
ولأنهما كانا من محبوبي الشعب، وكانا سيحصلان على أصوات، فقاموا بسحب الأهلية منهما. وقالوا أيضًا وقتها إنه تم رفض أهليتيهما للترشح بسبب أعمارهما. وحتى الآن يبدو من وجهة نظري أن الموضوع يُطرح بهذا الشكل، لكنه كان شيء آخر من الأساس، وهناك محاولات لتبرير هذا الأمر.
وقد تابع قائلًا: “تصور المجتمع أن السيد لاريجاني من ضمن الأشخاص الذين سيحصلوون على تصويت عالٍ، وينتقلون إلى الجولة الثانية، وللسبب نفسه بُذلت الجهود لمنعه من الوجود في الساحة الانتخابية”.
علي أية حال ما يقال من خلال الرأي العام أن سبب رفض أهلية ترشح السيد لاريجاني هو شعبيته في المجتمع، واحتمالية حصوله على نسبة مرتفعة في التصويت تسببت في هذه المشكلة.
الموافقة على خطة العمل الشاملة المشتركة
أعرب ناشط سياسي وإعلامي تابع للتيار الإصلاحي عن ردة فعله بعد نشر رسالة علي لاريجاني السرية.
وكتب عباس عبدي في تغريدة له علي تويتر: أكثر الأسباب المثيرة للاهتمام في رفض أهلية لاريجاني تعود إلى إدارته للبرلمان لمدة عشرون دقيقة في التصديق على خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي”، بينما كان مجلس صيانة الدستور بنفسه قد وافق علي القرار دون تأخير في اليوم نفسه! رد لاريجاني مدهش كذلك لأنه يوضح أين يتم اتخاذ القرار.
انتقاد عضو في جبهة ثبات الثورة الإسلامية
كتب ممثل التيار المحافظ في البرلمان رسالة للاريجاني كردة فعل على رد لاريجاني على مجلس صيانة الدستور. ورد في جزء من هذه الرسالة نصا: “لقد اطلعت على رسالتك إلى مجلس صيانة الدستور، لقد شرفت بتجربة فترتين في البرلمان تحت رئاستكم، وتعرفت على سلوككم وشخصيتكم، وأعتقد أنكم كتبتم عدة أمور لم تلتزموا بها في العمل على الإطلاق”.
وأورد مهدي كوجك زاده استكمالها كالآتي: “يمكنك إرسال خطاب رفيع وعالٍ إلى مجلس صيانة الدستور الموقر، الذي لا يدعي أحد براءته، أشكو أنا والكثير من المفكرين زملائي من بعض أعمال ذلك المجلس الموقر أكثر من الجميع، هم صحيح أفسدوا لكن بلا شك ستكونون عبرة بمجرد مشاهدة غرق هذا المجلس، وأنت هنا تعمل على إغراق الجميع”.
وتجدر الإشار إلى أن جبهة ثبات الثورة الإسلامية هي جماعة سياسية أصولية إيرانية وصفت بأنها “النهاية القصوى من المعسكر الأصولي”، وأكثر الأحزاب اليمينية في إيران. أنشأت باعتبارها القائمة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية عام ٢٠١٢م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مادة مترجمة عن صحيفة “آرمان ملى” بعنوان “دلواپسان دوباره لاريجانی را نواختند”، نشرها “حميد شجاعى” يوم دوشنبه ۲۹ آذر ۱۴۰۰ هـ. ش، الموافق الإثنين 20 ديسمبر 2021م.