أعلنت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في السادس من نوفمبر الماضي، تعاطفها مع إيران من خلال رفضها توقيع العقوبات الأمريكية التي فرضتها واشنطن على طهران عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وجاء هذا الموقف قبل أيام قليلة من إعلان طهران تبنيها ماليًا وعلاجيًا شهداء وجرحى مسيرات العودة من الفلسطينيين الذين واجهوا قوات الاحتلال على الحدود بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأعلن فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة حماس أن الموقف الإيراني جاء لدعم شهداء وجرحى مسيرات العودة وكسر الحصار، داعيًا الدول العربية إلى أن تسلك مسلك إيران في دعم المقاومة.
ملاحظات عديدة برزت في الأفق بعد إعلان حركة حماس رفضها العقوبات الأمريكية على إيران، خاصة أن ذلك الموقف لم يعلن رسميًا عقب الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بـ”الاتفاق النووي”، بل لم يعلن عن الموقف الحمساوي إلا في مطلع نوفمبر الماضي، وعقب الإعلان الأمريكي عن الحزمة الثانية من العقوبات المتعلقة بمجالات الموانئ والبنوك والطاقة، وفيما يبدو أن حماس تجاهلت أمر إعلان دعمها لإيران حتى تتلقى إشارات معينة.
الدعم الإيراني لحماس
رغم كل التحذيرات والضغوط التي تتعرض لها إيران بسبب العقوبات الأمريكية، والتي جاءت في الأساس لقطع أذرع إيران في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد في اليمن وسوريا وفلسطين ولبنان، مازالت تمد إيران يدها لتلك الأذرع، ولحركة حماس بالتحديد من أجل ضمان التشدق الدائم بدعم القضية الفلسطينية، وكنوع من ضمان التواجد على المشهد السياسي والإقليمي، ولتحقيق نوع من التمدد الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما كانت تقتات عليه إيران في علاقاتها مع دول الجوار، كما يعزز أيضًا النزعة التمددية وبسط سيطرتها على مجريات الأحداث في المنطقة.
وبالرغم من تراجع الدعم المالي الكبير الذي كانت تقدمه إيران لأذرعها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها مازالت تحاول توطيد العلاقة مع ميليشياتها في سوريا ولبنان واليمن وفلسطين والعراق، من خلال تقديم الدعم المالي للنظام السوري، ولميليشيا حزب الله في لبنان، وميليشيات الحوثي في اليمن، وحركة حماس والجهاد والصابرين في غزة، وتقديم معونات مالية ـ وإن كانت ضئيلة ـ بالرغم من أن الاقتصاد الإيراني يعاني انهيارًا كبيرًا بفعل العقوبات الأمريكية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب الانسحاب من الاتفاق النووي.
وكما اعتادت إيران أن تعلن عن دعمها لحركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، عمدت أيضًا حركة حماس إلى الوقوف بجانب إيران في كل المحافل لضمان تلقي الدعم، كنوع من دق أبواب الجميع من أجل التعريف بالقضية الفلسطينية ولضمان وجود أكبر نسبة من الداعمين لموقف المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل إيران بدأت في المبادرة لدعم حركة «حماس» كما دعمت في الوقت نفسه حركة الجهاد الإسلامي وحركة الصابرين في غزة من عدة أوجه أهمها:
أولًا: مبعوث إيران لدى المنطقة العربية «على أكبر ولايتي»
اعتاد على أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي، على زيارة الشرق الأوسط ولقاء قادة أذرع إيران هناك، والتي كان آخرها في شهر أغسطس الماضي، حين زار لبنان والتقي بقيادات حزب الله وعدد من قادة حركة حماس، خاصة بعد صعود نجم رجال إيران في حماس وهم صالح العاروري ويحي السنوار، وكان ذلك بعد أن استغلت حماس مراسم أداء القسم للرئيس روحاني لزيارة وفدها إلى طهران، والتقى الوفد مع مسؤولين إيرانيين شددوا أمامه على التزام إيران بمتابعة دعمها للفلسطينيين، وشددت حماس على دعمها لإيران في مواجهة الضغوط العالمية عليها، وفي الوقت ذاته حصلت على دعم مادي ولوجيستي كبيرين.
كما حرصت طهران على دعوة إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس بقطاع غزة، إلى مؤتمر الوحدة الإسلامية الـ32 والذي عقد بطهران بحضور عدد من رؤساء الدول المجاورة لإيران، وألقى هنية خلال المؤتمر كلمة متلفزة عبر تقنية السكايب أكد خلالها أن إيران اقتحمت كل الخطوط الحمر التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن حركة حماس تحتاج دائمًا للدعم الإيراني لصالح القضية الفلسطينية.
ثانيًا: الدعم المالي لميليشيا غزة
تنفق إيران على حزب الله ـ طبقًا لتقديرات بالعام 2017 ـ حوالي مليار دولار كمساعدات مالية وللإنفاق على الدعم العسكري الكبير لميليشيا حزب الله في لبنان، أما في مرحلة ما بعد تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية للعقوبات على طهران، تقلص ذلك المبلغ ليصل إلى 700 مليون دولار، وبما أن إيران داعم قوي للنظام السوري فقد حاولت دعمه بشتى الطرق من خلال إقراض النظام من 5 إلى 7 مليار دولار فيما قبل العقوبات، أما بعد تطبيق العقوبات النفطية بالتحديد، تقلص المبلغ الوارد إلى الخزائن السورية ليصل إلى ما دون الـ3 مليارات دولار.
أما في غزة فقد عمدت إيران إلى دعم حركات وتنظيمات مسلحة بعينها مادامت منفذة لسياساتها، وعلى الأرجح ما دامت تمد أواصر العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، نكاية في الدول العربية التي أعلنت مقاطعتها لها فيما سبق، إذ تمثل الدعم المالي الإيراني لقطاع غزة لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة الجهاد الفلسطيني، وحركة الصابرين «حصن»، التي تدين لها بالولاء والطاعة في كل أمورها السياسية والعسكرية بل والعقائدية، وتدفع إيران رواتب شهرية لتلك التنظيمات المسلحة تتراوح ما بين 500 إلى 1000 دولار لكل شخص، فيما تقلص ذلك المبلغ حاليًا وأصبحت تدر على تلك التنظيمات رواتب ما بين 300 إلى 400 دولار فقط.
ثالثًا: اتفاق الدعم الإيراني لحماس 2017
بعد ظروف صعبة مرت بها حركة حماس في العام الماضي في أعقاب الأزمة التي نشبت بين إيران والحركة في غزة، بعد إعلان موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي للحركة في ذلك الوقت، عن دعمه للمقاومة السورية ضد نظام بشار الأسد، وهو التصريح الذي أغضب إيران بأجهزتها التنفيذية كافة، بادر إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس في قطاع غزة السابق، إلى الاجتماع بقيادات الحرس الثوري بوساطة حزب الله اللبناني، وهناك عقد اتفاقا مبدئيا على استئناف الدعم المالي الإيراني لحماس.
رابعًا: المتاجرة بالقضية الفلسطينية
رأت إيران في القضية الفلسطينية، فرصة لمد جسور التعاون مع إحدى الحركات الفلسطينية السنية، وهي فرصة تسنح لوجودها كذراع قوية لها في تلك المنطقة بالتحديد، وهو ما فسر موقف إيران من بعض بنود الاتفاق الإيراني ـ الحمساوي الذي عقد ببيروت في العام الماضي، حيث تنازلت طهران عن شرط كانت أبدته للحركة وهو أن تعلن حماس موقفها المؤيد في الخلاف مع المملكة العربية السعودية، وتم الاتفاق على حذف هذا البند من الاتفاق، ما جعل إيران ترى في حماس جسرًا تعبر له في سوق المتاجرة بالقضية الفلسطينية حينما يستدعي الأمر ذلك، وهو ما يفسر وضع قناة العالم الإيرانية على يمين شاشتها هاشتاج #القدس_عاصمة_فلسطين، ما جعل من القضية الفلسطينية والدعم الإيراني لحركة المقاومة حائط صد لإيران ولحماس أمام كل المنتقدين.
خاتمة
يمكن إجمال موقف حماس من العقوبات الأمريكية على إيران في رؤية الحركة أن الضغط الأمريكي على طهران، فرصة لاستثماره استراتيجيا في مواصلة ومداومة الحصول على الدعم الإيراني، إلى جانب مناكفة المواقف الأمريكي بشكل عام في المنطقة مع الأخذ في الاعتبار الموقف العدائي الأمريكي للقضية الفلسطينية وانحيازه إلى الجانب الإسرائيلي عقب إعلانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة، وهو ما دفع حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى رفض كل أشكال الضغط التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الداعم القوي لها وهو إيران.
كما جاء دعم حماس لإيران كنوع من رد الجميل للجانب الإيراني الداعم المالي الكبير، الذي لم يتوقف عن إرسال رواتب ميليشياته والإنفاق على الدعم اللوجيستي لحركات المقاومة في غزة، وهو ما عزز الموقف الإيراني الداعم لشهداء وجرحي المقاومة الفلسطينية والتكفل بعلاج المصابين وصرف أموال للشهداء الذين وقعوا في أحداث مسيرات العودة بغزة.