في صباح يوم “دوشنبه 17 آبان” الموافق الإثنين 8 نوفمبر الجاري وفي أكثر أوقات العمل التحريري ازدحامًا للصحف الصباحية، حظرت السلطات الإيرانية صحيفة “كليد” المملوكة للمؤسسة الدولية “طريق الإمام” للثقافة والتعليم، ما فهم منه أن التعسف الرقابي في إيران يتعاظم طرديا مع تصاعد الانتقادات والاحتجاجات الشعبية جراء تدهور الأوضاع المعيشية، وتجاهل الحكومة لمعدلات الفقر والبطالة، والتضخم المرتفعة.
تحاول هذه المقالة التركيز على حقيقة غلق صحيفة “كليد” الأصولية، وبداية بروز الرقابة القمعية للصحف بعد انتصار الثورة الإيرانية لعام 1979، وأهم الصحف المحظورة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
إلغاء امتياز صحيفة “كليد” الأصولية
نشرت أمانة هيئة الرقابة على الصحف الإيرانية، تقريرًا عن جلسة التحقيق حول قضية مخالفة صحيفة “كليد”، والتي ترأسها وزير الثقافة والإرشاد الإيراني الدكتور محمد مهدي إسماعيلي وخلصت إلى أنه تقرر على إثرها إلغاء ترخيص الصحيفة[1]، وصادق على القرار علاء الدين طهوريان رئيس هيئة الرقابة على الصحف الإيرانية.
استندت الأمانة على المادة 27 من قانون الصحافة الإيرانية في قرار الحظر وتنص تلك المادة على أنه “في حال رصدت هيئة الرقابة على الصحف إهانة للمرشد الأعلى يُلغى امتياز النشر ويعرض المدير العام والكاتب على السلطة القضائية”.
و”كليد” هي صحيفة شاملة وموقع إخباري باللغة الفارسية، صدرت عام 1392 هـ. ش – 2014م، ونُشر عددها الأول في ارديبهشت 1394 هـ. ش – مايو 2015م في عشرين صفحة وبقيمة 1000 تومان. بدأت نشاطها الصحافي تحت عنوان “كليد سياست” وتعني باللغة العربية: “مفتاح السياسة” ثم تغير اسمها إلى صحيفة “كليد”. مديرها العام هو عطاالله حکیمیپور، وهو سياسي أصولي ونائب في مجلس الشورى الإسلامي، ويرأس تحريرها الكاتب الصحفي منصور بيطرف.[2]
قبل القرار بيومين نشرت الصحيفة في صفحتها الأولى رسما كاريكاتيريا ليد المرشد الأعلى “علي خامنئي” وهي ترسم خط الفقر، وعنونته “ملايين العائلات الإيرانية تحت الفقر”. من جانب آخر، نشر أنصار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الصورة أعلاه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، واعتبروها إهانة للمرشد الأعلى.[3]
كما نشرت تقارير عبر وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص الرسم الكاريكاتيري مشيرة إلى أن موقع “كيهان لندن” المعارض نشره أولًا أي قبل صحيفة كليد[4] ما نتج عن ذلك تأججًا لمنصات التواصل الاجتماعي في إيران، وتصاعدًا للانتقادات المنددة بتقاعس الحكومة وعجزها عن إيجاد حلول ملموسة حتى الآن.
منذ عام 2017م و2019م والرأي العام الإيراني بين الفينة والأخرى يهاجم المرشد الأعلى “علي خامنئي” ويتهمه بالتورط في تردي الأزمات الاقتصادية وتفشي الفساد في السنوات الأخيرة.
في هذا السياق تعود إلى الأذهان شعارات الاحتجاجات الشعبية الإيرانية ضد زيادة أسعار البنزين وتردي الأوضاع الاقتصادية، والتي كانت ولا تزال منددة بالفساد والتمييز والفقر. علاوة على تنديد بعض النشطاء السياسيين والمهاجمين للمرشد الأعلى للثورة أمثال: أبو الفضل قدياني، الذي اتهم علي خامنئي بضلوعه في ظهور الأزمات الاقتصادية وتفشي الفقر، والعنف الممنهج الذي آل إلى الموت الصامت للشعب وسوء التغذية والفساد والإدمان، والدعارة.[5]
بدء الرقابة الصحفية عقب انتصار الثورة الإيرانية
تصدرت يوم 7 مرداد 1358 هـ. ِش الموافق الأربعاء 29 يوليو 1979م عناوين الصحف الإيرانية، خبر جذب انتباه الجميع وهو “إغلاق صحيفة آیندگان” بتهمة التواطؤ ضد الثورة الإيرانية وتعاونها مع دول أجنبية.
وقتها عُدّت تلك الحادثة، أول حظر مدويّا بعد انتصار الثورة، حيث اقتحم مبعوثو الإدعاء العام للثورة الإسلامية مكتب الصحيفة واعتقلوا أحد عشر صحفيًا من أعضائها، ورُحِّلِوا إلى محكمة الثورة في حافلة صغيرة. علاوة على طرد موظفي دار طباعة مؤسسة آیندگان وإغلاق مبناها.[6]
وصحیفة “آيندگان” الإيرانية، هي صحيفة صباحية صدرت في 25 اذر 1346 هـ. ش الموافق 16 ديسمبر 1967م، وكان مؤسسها هو داريوش همايون، الصحفي والسياسي الإيراني وأحد النشطاء السياسيين منذ بداية حكومة محمد رضا بهلوي وحكومة رئيس الوزراء محمد مصدق، وعضو حزب العمال الاشتراكي الوطني الإيراني “حزب سومكا”، أما رئيس تحريرها فكان غلامحسين صالحيار، وهو مخرج وكاتب مسرحي، تخرج في كلية الحقوق جامعة طهران.
حقيقة الأمر أن الحظر المفروض على الصحيفة أوقد منذ بدايته، سجالا بين الجماعات والفصائل السياسية المختلفة حول تلك القضية، بل كان طبيعيًا آنذاك أن يقوم كل فرد أو مجموعة بتحليل ملابسات الحادث وفق معتقدهم السياسي والفئوي. وعليه اعتبر أنصار الصحيفة ومنتسبيها ذاك الإجراء من قبل المحاكم الثورية هو مقدمة لدق ناقوس الخطر للسلوك السياسي للنظام في إيران.
في المقابل، واستنادًا للوثائق اعتبرت الجمهورية الإسلامية وداعميها الداخليين، الصحيفة عملًا مأجورًا.
ولكن لا تزال القوى المناهضة للثورة وحلفائها المحليين يدينون إجراء المحاكم الثورية آنذاك، بل ويعدونه بداية الرقابة والقمع في الجمهورية الإسلامية. فقد ازداد الصخب والجدال والضغط على قوى الخط الأمامي والنظام بعد بضعة أشهر من تلك الحادثة، واشتكى أكبر هاشمي رفسنجاني في رسالة للإمام خميني، حول عزلة ووحدة قوى الثورة.
جاء في رسالته:
“سماحتكم تعلمون أن الوضع الصعب نسبيًا لمدرستنا اليوم، هو نتيجة لأرائكم الحازمة منذ بداية الثورة لليوم. بعد النصر عادة ما يكون هنالك تقصير في مثل هذه الحالات، وسماحتكم تعارضون ذلك. لكن عندما نفذنا آراءكم مع بعض التعديل، لم تسمحوا لتاركي الصلوات أو المتظاهرين عديمي الأخلاق بتقلد وظائف مهمة، وحظرتم صحيفة “آیندگان”، ومنعتم وجود النساء غير المحجبات في الدوائر الحكومية، وحظرتم الموسيقى والنساء غير المحجبات من الإذاعة والتلفزيون. ذاك اختلافنا معهم، فهل يصح أن ننخرط في تنفيذ أراء سماحتكم أم تتخذ موقفًا محايدًا ضدهم؟ أم هل يعجبكم أن تحظون بالرفاهية واللامحدودية؟”.[7]
العهد المظلم للصحافة الإيرانية
مع غروب شمس يوم الرابع من ارديبهشت 1389هـ. ش الموافق 24 إبريل 2000م، صدر قرار المحكمة بوقف 18 صحيفة ومجلة لنهاية الشهر. من بينها: “صبح إيران “صباح إيران” – آفتاب امروز “شمس اليوم” – عصر آزدگان “عصر الأحرار” – آزاد “الحرية” – مشارکت “المساهمة” – فتح “النصر” – آریا “الآريين”. أما المجلات الموقوفة فكانت “مجلة ايران فردا” ـ إيران الغد” – پیام هاجر “رسالة هاجر”.
يذكر أن القرار القضائي، صادق عليه ثلاثة قضاة من بينهم المدعي العام السابق سعيد مرتضوي. وقد جاء القرار بعد خطاب آية الله علي خامنئي في مصلى طهران، عندما وصف الصحف “بقواعد العدو” وأنها تفعل ما تمليه هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وأمريكا والنظام الصهيوني.
ما يعني أن معارضة على خامنئي لطريقة عمل الصحافة الإيرانية، كانت السبب وراء قرارات الإيقاف، ليبدأ عهد مظلم للصحافة الإيرانية في ظل تشدد الرقابة وضغطها على وسائل الإعلام المحلية، علاوة على تقييديها للحريات.
وقد استند قرار القضاة الثلاثة إلى المادة 13 من قانون التدابير الأمنية والتربوية لعام 1339 هـ. ش الموافق 1960م.
أما في فترة الحكومة الثانية لأحمدى نجاد “2009م – 2013م”، فقد ازداد الضغط الرقابي حتى وصل عدد الصحف المغلقة إلى 35 صحيفة سواء كانت “يومية – أسبوعية – شهرية – وربع سنوية”.
وبلغ عدد الجرائد الملغى تراخيصها 11 جريدة إضافة إلى 106 إنذارات خطية لوسائل إعلام خبرية. [8]
بين حرية الرأى ومقصلة النظام
تعد “صحيفة شرق” أكثر الصحف إيقافا في تاريخ الصحافة الإيرانية حيث توقفت أربع مرات، نذکرها علی النحو الأتي:
صدرت الصحيفة في 2 شهريور 1382 هـ. ش الموافق أغسطس 2003م، برئاسة محمد قوتشاني للتحرير، ومهدي رحمانيان للإدارة، وحضور محمد عطريانفر كرئيس لمجلس السياسات.[9]
كما كانت أول صحيفة إيرانية على منصة تويتر. وفي سبتمبر 2013 بدأت نشاطها على تلك المنصة، في نشر المقالات الصحفية والأخبار اليومية.[10]
الإيقاف الأول: 30 دي 1382 هـ. ش الموافق 20 يناير 2004م، وحتى اسفند 1382 هـ. ش الموافق 24 فبراير 2004م.[11] وذلك قبل انعقاد الانتخابات البرلمانية في فترتها السابعة، وسبب غلقها، هو نشرها مقتطفات من رسالة أعضاء مجلس الشورى الإسلامي في دورته السادسة إلى المرشد الأعلى يطلبون بتأجيل أو تعديل الإجراءات القانونية لانتخابات البرلمان في دورته السابعة. وبعد إرسال خطاب اعتذار إلى سعيد مرتضوي عن نشر رسالة نواب البرلمان السادس، استئنف نشاط الصحيفة.[12]
الإيقاف الثاني: في 20 شهريور 1385هـ. ِش الموافق سبتمبر 2006م، بسبب نشر رسم كاريكاتيري بعد عودة أحمدي نجاد من نيويورك، كان عبارة عن بيدق حمار يواجه بيدق حصان فوق رقعة الشطرنج وقد قامت الصحيفة برسم هالة حول بيدق الحمار، في إشارة لأحمدى نجاد في الصفحة الأخيرة من عددها رقم 853[13] في حين صرح رحمانيان رئيس تحريرها: “أنه في إحدى صفحات العدد الأخير للصحيفة، رسمت رقعت شطرنج وعليها بيدقين أبيض وأسود، ولا وجود لمعاني أخرى للرسمة”.[14]
الإيقاف الثالث: 15 مرداد 1386 هـ. ش الموافق أغسطس 2007م، أصدرت هيئة الرقابة على الصحافة قرارا بإيقافها، وكان السبب هو نشرها مقابله مع ساقي قهرمان شاعر الشعر “الأيروتيك”، وقد عادت الصحيفة للعمل يوم الأحد 22 فروردين 1389 هـ. ِش الموافق 11 إبريل 2010م، بعد ثلاث سنوات من قرار إيقافها.[15]
الإيقاف الرابع: سه شنبه 4 مهر 1391 هـ. ش الموافق يوم السبت الموافق 25 سبتمبر 2012م، وخلال أسبوع الدفاع المقدس نشرت رسما كاريكاتيريا لعينين معصوبتين، ونسبت الرسم للرسام هادي حيدري. وأثار ذلك الكاريكاتير الكثير من الاحتجاجات، حتى أعلن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي وقف الصحيفة.[16]
خاتمة
مما سبق يتضح أن حظر الصحف في إيران هو أمر طبيعي اعتاد عليه الصحفيون حتى أولئك الذين يقفون في جبهة الظهير الصلب على أقصى ميمنة النظام، وقد فطنوا إلى أن الحد الأدنى ــ تصريحا أو تلميحا ــ من انتقاد المرشد أو التحدث عن سياساته حتى لو بشكل رمزي معناه حظر الصحيفة بل وحبس صحفييها إذا لزم الأمر، وتبرهن أعداد الصحفيين والكتاب والمفكرين في سجن إيفين شديد التحصين في طهران على تلك الحقيقة، كما تدلل تلك الواقعة على أن الأفق السياسي بين الشعب الإيراني وحكومته آخذ في الضيق والانغلاق يوما من بعد آخر؛ ما ينذر بموجات انفجار اجتماعي على المديين القريب والمتوسط اعتاد النظام على قمع نظيراتها في الأعوام الأخيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] هيات نظارت بر مطبوعات روزنامه “كليد” را لغو مجوز كرد، سامانه جامع رسانه هاى كشور، 17 آبان 1400، لينك خبر: https://e-rasaneh.ir/News_Show.aspx?NID=162
[2] نخستين شماره روزنامه سراسرى “كليد” منتشر شد، خبرگزاری مهر، 11 اردیبهشت 1394، لینک خبر: mehrnews.com/xsBBQ
[3] انتشار گرافیکی از دست خامنه ای باعث لغو امتیاز روزنامه کلید شد، خبرگزاری رادیو فردا، 17 آبان 1400، لینک خبر: https://cutt.ly/rTa9Wxk
[4] روزنامه اي كه دست علي خامنه اي را در حال ترسيم خط فقر نشان داد سلب امتياز شد، شبكه جهاني كليد، 17 ابان 1400، لينك خبر: https://www.kalemeh.tv/1400/08/35840/
[5] مرجع سابق وكالة أنباء راديو الغد “خبرگزاری رادیو فردا”، لینک خبر: https://cutt.ly/rTa9Wxk
[6] اولین روزنامه ای که پس از پیروزی انقلاب توقیف شد، پایگاه خبری – تحلیلی مشرق نیوز، 18 مرداد 1393، لینک خبر: mshrgh.ir/333723
[7] المرجع السابق
[9] روزنامه شرق، سایت پیشخوان –روزنامه فروشی مجازی.
[10] حساب کاربری روزنامه شرق در تویتر تایید رسمی شد، سایت رسانه های اجتماعی، 13 فروردین 1393ه.ش، لینک: https://cutt.ly/6RHGyGJ
[12] نگاهی به شکل گیری روزنامه شرق و4 توقیف ان “آولین توقیف، بلندگوی مجلس متحصن”، پایگاه جریان شانسی دیدن بان، 11 دی 1348، لینک خبر: https://cutt.ly/zTsXZTV
[14] نگاهی به شکل گیری روزنامه شرق و4 توقیف ان “دومين توقيف چاپ کاریکتور سیاسی زنده”، پایگاه جریان شانسی دیدن بان، 11 دی 1348، لینک خبر: https://cutt.ly/zTsXZTV
[15] نگاهی به شکل گیری روزنامه شرق و4 توقیف ان، سومين توقيف، تريبون همجنس گرایان”، پایگاه جریان شانسی دیدن بان، 11 دی 1348، لینک خبر: https://cutt.ly/zTsXZTV
[16] تمام توقيف هاي شرق از تولد تا امروز، “توقيف چهارمین: دفاع مقدس یا جنگ بی بصیرتی”، پایگاه خبری – تحلیلی مشرق نیوز، 9 مهر 1391، لینک خبر: https://cutt.ly/oTsNBpw