تعاطف الرأي العام مع الأكراد وهم يظهرون عبر شاشات التلفزيون ويجسدون نضالهم وكفاحهم ومقاومتهم ضد تنظيم داعش الإرهابي، وألهمت صور نسائهم وهن يحملن السلاح كتفا بكتف مع رجالهن كثيرين حول العالم، ولكن عندما تغيب الدولة وهيبتها ينتهي كل شيء، مهما ظهر خلاف ذلك.
فالأكراد أو “جماعات قسد” في شمالي سوريا وبالتحديد بالجزيرة السورية لم يعدوا يختلفون كثيرا عما كان يفعله تنظيم داعش، فمن استخدام أمريكا لهم بالأمس ضد العراق، واليوم ضد سوريا، واستخدام إسرائيل لهم في الحرب بالعراق وسوريا للتواجد فى أقرب نقطة ممكنة من الحدود الإيرانية، لمواجهة إيران من النقطة صفر، كما تواجه إيران إسرائيل من النقطة صفر عبر حزب الله فى جنوبي لبنان، باتوا أفضل من يملئ فراغ داعش.
فالجزيرة السورية لم يُترك فيها مبنى إلا ونهب الأكراد ما فيه، والشباب اعتقلوا وجندوا فى ميليشاتهم إجباريا، وتم سن قوانين (وكأنهم دولة مستقلة) خاصة بالالتحاق بالمدارس التى سيطروا عليها، وتمليك المنازل والسيارات لا يتم إلا باستخراج أوراق من إداراتهم الذاتية، بجانب الاستيلاء على الكنائس وكافة ممتلكاتها هناك، الأمر الذى استدعى اجتماع رؤوساء كهنة الكنائس السريانية والآشورية والأرمينية بمنطقتي الجزيرة والفرات، بعد استقدام العائلات الكردية بشرقي تركيا لتسكينها بالجزيرة بدلا من السوريين الذى طردوا على يد داعش لتغيير ديموجرافية الجزيرة ومن ثم شمالي سوريا الممزق بالأساس.
الأكيد أن إدلب ستكون على موعد مع الجيش العربي السوري شاء من شاء وأبى من أبى، فهل بعد اجتماع زعماء روسيا، وتركيا، وألمانيا، وفرنسا يتضح مستقبل المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد فى ظل حضور أقوى حلفائها؟!
خلاصة القول أن هناك ثلاثة مشاهد فى الماضي تشروح بكل دقة ماهية الأكراد والهدف الحالي من دعمهم.
المشهد الأول فى 11 إبريل بالعام 1974 حين زار الرئيس الجزائري هواري بومدين الولايات المتحدة، وفي أثناء لقائه مع الرئيس ريتشارد نيكسون وبحضور هنري كيسنجر وزير الخارجية وقتها، تحدث نيكسون وقال: “إن العلاقة بين الولايات المتحدة والعرب جيدة، ولكن توجد بيننا وبين العرب مشكلة إسرائيل ولا بد أن نتجاوزها”؛ فأجابه هواري بومدين قائلا: “نحن العرب نرى أن الولايات المتحدة لم تكتفي بإسرائيل واحدة، وتعمل على تأسيس إسرائيل ثانية في شمالي العراق”.
المشهد الثاني في عام 2009 عندما زار وزير الدفاع الإيطالي السابق ماريو مورو كردستان العراق، وخلال زيارته تفقد مساحات ضخمة أنشئت عليها مباني كثيرة وورش كبيرة للبناء، فسأل مورو عن الهدف من إنشاء تلك الأبنية الكثيرة فى مكان يعد بعيدا عن التجمعات السكانية، فجاءه الجواب بأنها للاجئي الحرب فى سوريا، وبرغم ذلك لم يستوعب الطليان ما قاله الأكراد لهم إلا بعد سنتين من إندلاع الفوضى بسوريا.
المشهد الثالث كان بالعام الماضي (قبل الاستفتاء على الانفصال) عندما تلقى مسعود بارزاني اتصالا من نور المالكي تضمن شبه تهديد بسبب نية الأول فى الانفصال بالإقليم عن العراق، فأجابه بارزاني قائلا: “نحن لم نخف من 9000 دبابة لصدام حسين فهل نخاف من 20 دبابة معطوبة تابعة لكم؟!”
حقيقة الأمر أنه من يتأمل الخريطة الليبية سيجد أن سيناريو شمالي سوريا نفسه يتكرر تجاه إقليم فزان الليبي، فى ظل تعمد قوى دولية أن تخرج فزان من تحت أي سيطرة للدولة الليبية فى المستقبل على الجنوب وتغيير ديموجرافيته تماما، عبر إغراقه بمهاجرين ومرتزقة ومسلحين من تشاد وغيرها.