أثارت حادثة وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال استقلاله طائرة هليكوبتر إثر عودته من محافظة أذربيجان الشرقية إلى طهران بصحبة وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وقائد حراسته وخطيب جمعة تبريز، ردود فعل واسعة النطاق على المستويات المحلية والعالمية، فيما لا تزال الأنظار تتجه إلى فريق التحقيق الإيراني الذي يحقق في الواقعة، لمعرفة سبب الحادثة على وجه التحديد، بالتزامن مع تقارير تتحدث عن احتمالية تعرض طائرة الرئيس الإيراني لتدخل بشري متعمد تسبب في سقوط الطائرة بشكل دراماتيكي على النحو الذي ظهرت عليه.
فرضية الاغتيال
أصوات عدة تحدثت عن احتمالين لا ثالث لهما، أولهما: هو احتمال تعرض طائرة الرئيس الإيراني لحادث مدبر نتيجة ما ذكرته تقارير تركية تشير إلى أن جهاز إرسال الإشارات بطائرة الرئيس الإيراني كان متعطلًًا، بدون معلومات عما إذا كان قد كان معطلًا عن عمد أو نتيجة تقادم الطائرة التي دخلت الخدمة الجوية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، كما أشار البعض إلى إسرائيل بأصابع الاتهام بعد أن أعلنت القناة الـ13 الإسرئيلية عقب الحادث مباشرة أن تل أبيب لا علاقة لها بحادث الرئيس الإيراني، وهو ما دعا البعض لإعادة تقييم الموقف على اعتبار أنه مادامت إسرائيل نفت ضلوعها في الحادثة فهي متورطة فيها.
يضاف إلى ذلك أن جهاز الموساد الإسرائيلي نشط بشكل كبير في أذربيجان في ظل علاقات قوية تربط بين باكو وبين تل أبيب، يعزز ذلك نجاح جهود الموساد في عام 2018 في الحصول على كمية كبيرة من الوثائق والمستندات من العمق الإيراني، وهي وثائق لها علاقة بمواطن إيرانية حساسة أبرزها المفاعلات النووية، إذ دخل عملاء الموساد إلى إيران عبر أذربيجان وحصلوا على الوثائق ثم خرجوا من إيران إلى أذربيجان مرة أخرى ومنها إلى تل أبيب،.
وقد عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو في ذلك الوقت تلك الوثائق في مؤتمر صحفي بحضور الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما أعاد للأذهان النشاط الإسرائيلي عل الحدود المحاذية لإيران.
كما نجحت إسرائيل في اغتيال العالم النووي الإيراني الشهير محسن فخري زاده، والقيادي في الحرس الثوري الإيراني حسن صياد خدياري في عام 2020، بعد شهور قليلة من اغتيال القيادي في الحرس الثوري وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد، وعزز ذلك استخدام وسائل الإعلام الإيرانية للفظ “استشهاد” بدلًا من لفظ “وفاة” أو “مصرع” أو “مقتل”، وهو ما دلل على احتمال تعرض قافلة الرئيس الإيراني لحادث مدبر تخشى إيران من الإعلان عن تفاصيله.
فرضية السقوط بسبب الطقس
هناك فرضية أخرى قد تركز عليها السلطات الإيرانية – وهي الأوجه – وهي الفرضية التي تشير إلى أن سقوط طائرة الرئيس الإيراني والوفد المرافق له حدث بسبب عطل تقني أو خلل فني أو اصطدام الطائرة بجبل خلال تحليقها في منطقة وعرة، في وقت تزايدت فيه الأمطار الرعدية في تلك المنطقة وانتشار الضباب الكثيف، وهو ما يعطي مبررًا للإعلان عن أن السقوط نتيجة خلل فني بالطائرة.
ويعزز تلك الفرضية أيضًا صعوبة وصول أطقم الإغاثة التي تحركت فور الإعلان عن سقوط المروحية الرئاسية إلى موقع السقوط، حتى مع تدخل فرق الإنقاذ الروسية والتركية، وكذلك الفرق الراجلة، في ظل صعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى المنطقة بسبب وعورة السطح وانتشار الضباب الكثيف في تلك الغابات على المنطقة الحدودية الجبلية الوعرة.
علاوة على عدم قدرة تحليق الطائرات الهليكوبتر التي حاولت مسح وتمشيط المنطقة ولكنها فشلت وعادت من حيث أتت نتيجة استمرار هطول الأمطار، وكذلك انقطاع الاتصال بين هيئة الهلال الأحمر الإيراني وعدد من أفراد الأطقم الإغاثية التي دخلت المنطقة راجلة.
ارتباك شديد
لا شك أن حالة ارتباك شديدة أصابت أجهزة الدولة الإيرانية بمجرد الإعلان عن سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حيث تداولت بعض وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية معلومات عن الوصول إلى موقع الحطام ومعلومات أخرى عن الوصول إلى الرئيس واقتياده إلى منطقة آمنة برًا، إلا أن وسائل الإعلام حذفت تلك المعلومات بمجرد نشرها.
فضلا عن فشل هيئات الإغاثة في الوصول إلى منطقة الحادث في أقرب وقت ممكن، حيث استمرت عملية البحث عن حطام طائرة الرئيس لمدة تراوحت بين 14 و 15 ساعة على وجه التحديد.
يضاف إلى ذلك أن إيران لديها تاريخ مع الارتباك السياسي في المواقف الحساسة، وكان أبرزها ما حدث يوم الثأر لمقتل قاسم سليماني بعد استهداف قاعدة عين الأسد والحرير في العراق، ووقتها سقطت طائرة مدنية أوكرانية بصاروخ إيراني، وتوفي كل من كان على متنها، وهو ما وضع النظام الإيراني في وضع محرج عالميًا، وبات يواجه دعاوى قضائية من أهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية.
خاتمة
في ظل استمرار الجدل بشأن التحقيقات الجارية حول الحادث، قد تجد إيران نفسها مقيدة بضرورة الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني نتيجة سقوط الطائرة بعد تعرضها لخلل فني أو تقني بسبب سوء الأحوال الجوية في ذلك اليوم، تجنبًا للدخول في حرب مفتوحة مع من أسقط الطائرة في حال أثبتت التحقيقات – التي ستكون سرية بالمناسبة ولن تشارك فيها أي دولة أخرى – أن الطائرة سقطت نتيجة استهداف معين، خاصة وأن استهداف الطائرة سيضع إيران في موقع محرج يستلزم ردها على من استهدف الطائرة.