هاجمت إيران في الأول من أكتوبر الجاري مواطن عدة داخل إسرائيل ردًا على اغتيال الأخيرة للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في غارة جوية على منطقة الضاحية الجنوبية في لبنان، والتي أسفرت عن تحييد نصر الله وعباس نيلفورشان المستشار العسكري بالحرس الثوري الإيراني، والذي كان بصحبة نصر الله خلال اجتماع مغلق بأحد المنشآت تحت الأرض، واستدعى ذلك أن لا تزال إسرائيل تفكر في كيفية الرد على إيران خلال الفترة المقبلة بشكل تكتيكي ومنظم يجنبها فتح جبهة صراع جديدة.
محددات الرد الإسرائيلي
وفي خضم الحديث عن طبيعة الفعل ورد الفعل بين إيران وإسرائيل، اتجهت الأنظار إلى التساؤل عن طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على إيران، وما إذا كان من الممكن أن يفتح رد تل أبيب النار في منطقة الشرق الأوسط من عدمه، إذ من المتوقع أن يستند الرد الإسرائيلي على عدة محددات:
أولًا حتمية الرد: يشكل عامل حتمية الرد أحد المرتكزات المهمة إذ أن إسرائيل لا يمكنها ألا تكون مسلوبة الإرادة أمام حجم الضربات الإيرانية، خاصة مع تداول حجم الرد الإيراني إعلاميًا على مستوى ونطاق واسعين، فضلًا عن أن عدم الرد سيحرج حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نيتياهو داخليًا، ويؤثر على تماسك المجتمع الإسرائيلي الداخلي ومدى الارتباط الشعبي بحكومات إسرائيل.
كما تسعى إسرائيل لأن تكون دائمًا صاحبة رد فعل وألا تتلقى الضربات فقط بدون إظهار قوة ردع عسكري تفوق حجم النيران التي أصابتها وبالتحديد من الجانب الإيراني ووكلاؤه في الإقليم، الذي يسوقون لحجم الضربة وتأثيرها في العمق الإسرائيلي.
ثانيًا شكل الرد: تناقش الإدارة الأمريكية مع الجانب الإسرائيلي طبيعة وحجم الرد على الضربة الإيرانية في عمق إسرائيل، إذ ترفض واشنطن أن توجه تل أبيب ضربات إلى مفاعلات إيران النووية في ظل تقارير تشير إلى وصول إيران إلى نسب تخصيب عالية لليورانيوم التي تمكنها من صناعة القنبلة النووية، وتجنبًا لكارثة تماثل كارثة “تشيرنوبل” أو تأثيرات نووية على الإقليم، وهو ما يشير إلى وجود ضغوط أمريكية على إسرائيل لاستهداف منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، أو حتى مواقع إنتاج النفط أو مواقع استراتيجية وعسكرية تابعة للحرس الثوري الإيرانية، أو سلسلة عمليات تستهدف منها إسرائيل إشعال النيران داخل إيران على غرار حوادث الحرائق الغامضة التي ضربت إيران عام 2021 والتي استهدفت مواقع إنتاج وتكرير النفط ومستشفيات بوسط العاصمة طهران، علاوة على تفجيرات في موقع بارشين العسكري.
ثالثًا تبعات الرد: تحسب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حساباتهما من أجل توجيه ضربة إلى إيران لا تستوجب تداعيات أو رد فعل مقابل، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية لا تزال في طور المناقشات لإقناع تل أبيب بتوجيه ضربة إلى إيران بناءً على المحدد السابق واستهداف بعض المنشآت التي لا تسبب حرجًا لإيران ويجبرها على ضرب إسرائيل مرة أخرى أو استهداف السفارات الإسرائيلية في الخارج، وبالتالي يجب وضع حسابات دقيقة للجانب الإسرائيلي بناءً على معلومات استخباراتية لاستهداف المواقع الإيرانية المنكشفة إستراتيجيًا، أو حتى مواقع إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية على إسرائيل، كما حدث بعد استهدافها من قبل إسرائيل بعد هجوم إيران على تل أبيب في منتصف شهر إبريل الماضي، ردًا على قصف إسرائيل لمقر القنصلية الإيرانية في حي المزة السوري بدمشق.
مكاسب إستراتيجية
تدرك إسرائيل جيدًا أنه رغم الضربات الإيرانية – والتي تكشف عن وجود خسائر في إسرائيل لم تعلن عنها – إلا أنها حققت أهدافًا إستراتيجية مهمة في إطار حربها ضد محور المقاومة التابع لإيران، بعدما اغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في عمق طهران، وكذا اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله والمستشار العسكري بالحرس الثوري الإيراني عباس نيلفورشان بضربة واحدة في الضاحية الجنوبية ببيروت، علاوة على اغتيال شخصيات في الصف الأول والثاني للمقاومة الفلسطينية وحزب الله وهي أسماء تمثل أرقامًا مهمة في معادلة الصراع بين وكلاء إيران وإسرائيل.
ومن هذا المنطلق تشعر إسرائيل بحالة انتشاء عسكري بعد نجاح الجيش والمنظومة الاستخباراتية في رصد عناصر مهمة من محور المقاومة وتحييدهم في مناطق تمركزهم ونفوذهم، علاوة على أن الجيش الإسرائيلي في إطار عملياته العسكرية في الجنوب ضد الفصائل الفلسطينية يعمل حاليًا على تدشين منطقة عازلة وآمنة للمستوطنين في غلاف غزة، فضلًا عن أن العملية الإسرائيلية البرية تجاه الجنوب اللبناني تستهدف في الأساس إبعاد مقاتلي حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، لإعادة المستوطنين الإسرائيليين لمناطق الشمال مرة أجرى.
خاتمة
يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيدًا ضرورة عدم الانجرار إلى حرب شاملة في المنطقة بدافع من جر إسرائيل لإيران لنفس الحرب، وتعمل واشنطن على مساعدة إسرائيل من جانب ورفض توسيع نطاق الحرب من جانب آخر.. وعليه تحاول التهدئة من روع تل أبيب حيال ردها على إيران.
يزيد على ذلك إدراك إسرائيل نفسها أنها حققت مكاسب لا بأس بها من وجهة نظرها تتمثل في توغل عسكري شمالًا وجنوبًا، فضلًا عن تصفية عدد كبير من قادة المقاومة في كلا الجانبين، وبالتالي فإن إسرائيل ستعمل على تحجيم ردها على إيران بناءً على كل المحددات السابقة.