تسلم يوم الثلاثاء الثالث من أغسطس 2021 الرئيس المنتخب في إيران إبراهيم رئيسي، رسميا منصب رئاسة الجمهورية في مراسم تقليدية جلس فيها على ميسرة المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي، فيما كان على ميمنة الأخير، الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، وأحاطه من الجانبين رئيسا السلطتين التشريعية والقضائية.
ولأن هذا الحفل هو فرصة سانحة لا يمكن تفويتها لمعرفة ما يدور في رأسي المرشد والرئيس الجديد، وتحري مواضع رجال النخبة في النظام، فمن الواجب قبل الخوض فى ولاية رئيسي الأولى تحليل مشهد الحفل وما حمله من رسائل من خلال الملاحظات التالية.
أولا: أعطى الإعلان عن حضور مساعد المنسق العام للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، حفل التنصيب دلالة لا تخطئها عين على رغبة بروكسل في فتح ــ أو بالأحرى الحفاظ على ــ قناة اتصال مع الحكومة الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي خاصة أن الأوروبيين ما يزالون يتشبثون بأمل إعادة إحياء الاتفاق من خلال تموضعهم الظاهري في منتصف الطريق على مسافة واحدة بين طهران وبين واشنطن.
ثانيا: بدا واضحا من خلال الأكثرية الكاسحة للحضور من آيات الله والعسكريين في المقاعد الأمامية بالحفل، أن هاتين الفئتين بالبلاد هما صاحبتا الحظوة الأعلى من حيث القرب من قلب الدوائر العليا لصنع القرار، ومن حيث تحالفات النظام الداخلية القائمة على التزاوج السياسي بين العسكرتاريا والثيوقراطية، وهي ملاحظة ضرورية لمن يتابعون الشؤون الإيرانية حديثا.
ثالثا: حرمت جائحة كورونا هذه المرة الرئيس، إبراهيم رئيسي من “نيل شرف” تقبيل يد المرشد الإيراني في لحظة تسليمه “حكم رئاسة الجمهورية”، وهو تقليد اعتاد عليه عدد من رؤساء البلاد السابقين الذين قبلوا يد خامنئي في مثل هذه المناسبة، تماما كما فعل حسن روحاني ومحمود أحمدي نجاد؛ لذلك أعرب رئيسي عن أسفه من عدم تمكنه من “الحصول على تلك البركة”.
رابعا: ركز مخرج الحفل ــ الذي نقله حصرا التلفزيون الإيراني الرسمي ــ في غير مرة على عدد معين من رجال الدين في الصفوف الأولى، وبالتحديق في ملامح وجوههم المتخفية نوعا ما وراء الكمامات الطبية اتضح أنهم أعضاء مؤسسة خطباء الجمعة المؤقتين الذين ينوبون عن خامنئي في خطبة جمعة طهران، ومنهم على سبيل المثال حجة الإسلام والمسلمين أحمد خاتمي، الذي عُيِنَ في نوفمبر 2020 عضوا بمجلس صيانة الدستور، ما يعني أن مستقبل الرجل آخذ في الارتقاء بالأشهر والسنوات المقبلات.
خامسا: ظل وزير الخارجية المنتهية ولايته محمد جواد ظريف محدقا بأسى في ملامح إبراهيم رئيسي وقت إلقاء كلمته، متأملا من خلال تلك النظرات العميقة وجه الرجل الذي خطط لتدمير مستقبله السياسي بعد تسريب تسجيلات نال فيها من بطل النظام الجنرال قاسم سليماني، وهو الذي كان يخطط (أي ظريف) لخوض الانتخابات الرئاسية؛ لا لشيء إلا لحماية صفقته النووية مع العالم.
البيئتان الداخلية والخارجية
يبدأ رئيسي ولايته الأولى ممسكا كتلا من الجمر المشتعل؛ نظرا لعدد من العوامل الخطيرة المحدقة بالبلاد في بيئتيها الداخلية والخارجية، والتي نادرا ما تجتمع أمام رئيس لإيران في اليوم الأول لولايته، ولعل الانتفاضة الأحوازية المشتعلة في جنوب غربي البلاد أولها وأبرزها.
فضلا عن ذلك تعاني إيران من علاقات مقطوعة مع أغلب دول الإقليم خاصة تلك الدول الواقعة في محيطها الخليجي، ولئن ارتسمت ملامح التهدئة بين إيران من جهة وبين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية من جهة أخرى، من خلال مباحثات بغداد التي أميط اللثام عنها؛ إلا أن عوامل الثقة بين الطرفين ما تزال تحتاج إلى مزيد من الإجراءات البنائية في هذا الصدد.
إلى جانب تلك الانتفاضة الأحوازية والعلاقات الإقليمية المتوترة هناك مشاكل لم يسبق لها مثيل تواجه هذا “الرئيسي” تتلخص في أزمة الهجوم الذي استهدف الناقلة الإسرائيلية “ميرسر ستريت” قبالة ساحل سلطنة عُمان والذي تشير فيه أصابع الاتهام الدولية إلى الحرس الثوري الإيراني، كما تشير ردود الفعل الدولية إلى أنها لن تمر من دون إجراءات عقابية إسرائيلية أو دولية.
بعد كل هذا وقبله ما تزال إيران تعاني بوتيرة عالية من تفشي فيروس كورونا حتى بعد أن أعلنت عن إنتاجها لقاحا مضادا للفيروس، وسجلت البلاد في 24 ساعة فقط (2 : 3 أغسطس 2021) 39 ألف إصابة، ليرتفع بذلك العدد إجمالي عدد المصابين إلى نحو 4 ملايين شخص، وهو تحد مستدام تسلمه رئيسي المنكود من روحاني المحاط بالعداءات الداخلية المحتدمة.
بين روحاني ورئيسي
اللافت في كلمة رئيسي أنه كال الانتقاد فيها إلى سابقه الرئيس حسن روحاني الذي كان جالسا لا يملك فرصة الدفاع عن نفسه وعن ولايتيه، وقال رئيسي بالحرف الواحد: “لقد شهدنا في الفترة الماضية زيادة العجز في الميزانية وارتفاع التضخم والبطالة، كما شهدنا مشاكل عديدة منها أزمة السكن، وسنعمل على حل هذه المشاكل وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية واحتواء تفشي فيروس كورونا”.
ولعل كلمات رئيسي تعني ضمنيا أن الرجل الحاصل على مقعد الرئاسة بأقل نسبة حضور في أي انتخابات رئاسية في تاريج الجمهورية الإسلامية، يريد أن يقول صراحة إنه يرث تركة من الفشل والتردي، وربما يكون ذلك تمهيدا لتبرير أي نكوص عن أداء مهامه والتحلل الاستباقي من الوفاء بالتزاماته الانتخابية أمام ناخبيه.
الأخطر والأهم بالنسبة لرئيسي أن روحاني أنهى ولايته يوم الإثنين 2 أغسطس 2021 بمقابلة تلفزيونية وخطاب أراد فيهما غسل عباءته من خطايا القوتين التقليديتين في البلاد (المرشد + الحرس الثوري) واعترف للمرة الأولى بأن إسرائيل قد سرقت بالفعل الأرشيف النووي الإيراني تماما كما أعلن نتنياهو من ذي قبل وليس كما نفت إيران على لسان عدد من مسؤوليها.
فضلا عما سبق يواجه إبراهيم رئيسي وضعا اقتصاديا داخليا مهترئا ورثه من روحاني ومفاوضات صعبة للغاية حول محاولات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا مع الغرب، لاسيما بعد أن أقر روحاني أيضا للمرة الأولى في خطاب الوداع بأن أمريكا طلبت بالفعل بشكل حازم إدراج الدور الإقليمي الإيراني على جدول أعمال المفاوضات، وهو مع ذلك ما يزال متفائلا بشأن عودة الاتفاق.
يجتمع كل ما سبق للمرة الأولى أمام رئيس إيران في اليوم الأول لولايته إلى جانب اشتعال الملف الأكثر حساسية على الحدود الإيرانية الشرقية المتمثل في صعود طالبان إلى قمة المشهد في أفغانستان وتزعزع سلطة الرئيس الضعيف أشرف غني في العاصمة كابول.
خاتمة
تشير تلك الأحداث مجتمعة إلى جانب تحليل محتوى كلمتي خامنئي ورئيسي في حفل التنصيب إلى أن الاهتمام بالسياسة الخارجية وتحسين علاقات إيران بدول الجوار والعالم لن يكون ذا أولوية على جدول هذه الحكومة التي أعلنت عن عدم ثقتها المطلقة في من وصفتهم بـ”الأجانب”، على العكس من خطابي الرئيس والمرشد في مثل هذه المناسبة عام 2013، وعلى المراقبين الانتظار إلى يوم الخميس 5 أغسطس 2021 حين يلقي رئيسي خطابه أمام البرلمان لمعرفة حجم التحالفات الإيرانية مع دول العالم والإقليم من خلال حضور الوفود، بالإضافة إلى شكل التناقضات والتوافقات في الحكومة الإيرانية المقبلة.