قبل نحو 5 أيام من إعلان الإدارة الأمريكية فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأكثر قسوة في التاريخ على إيران، تلك التي تستهدف قطاعي الطاقة والبنوك في هذا البلد، وبعد يوم واحد فقط من تفاخر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في حديث له مع شبكة سي بي إس الأمريكية بأنها المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإيرانية التي يتم توقيع العقوبات عليها، بدون حصول أمريكا على التأييد الأوروبي، أعلنت الدنمارك، يوم الثلاثاء، استدعاء سفيرها لدى طهران، كاشفة عن مخطط إيراني لشن هجوم على أراضيها يستهدف 3 معارضين من العرب الأحواز يعيشون في العاصمة كوبنهاجن، وعلى رأسهم، حبيب جبر، رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز.
دلالات الخطوة الدنماركية
تعني تلك الخطوة الدنماركية إلى جانب خطوات أخرى مماثلة سابقة اتخذتها الحكومة الفرنسية، في بداية الشهر الراهن، وخطوة ثالثة اتخذتها الحكومة الألمانية العام الماضي، أن أوروبا اتخذت قرارا ـ بما يشبه الإجماع ـ بمحاصرة سلوك إيران العداوني والتخريبي على أراضيها، مع الإشارة إلى عدة نقاط ضوء كاشفة في هذا السياق.
أولا: أن العامل السياسي تضافر مع العامل الأمني وشكلا معا نموذجا لنبذ سلوك إيران في أوروبا، إذ لا يتم عادة الكشف عن العمليات الإرهابية التي تدار بواسطة أجهزة المخابرات الإيرانية في حينها، لكن أن تذهب أوروبا إلى الإعلان عن تلك العمليات، بعد أيام أو أسابيع قليلة من إحباطها، فهذا يصب في زاوية تحليلية مفادها أن بروكسل (باعتبارها عاصمة الاتحاد الأوروبي) تريد حرمان إيران من استخدام مظلتها السياسية في مواجهتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمام الرأي العام الداخلي، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
ثانيا: كشفت اللهجة الدنماركية الحادة والحاسمة عن حالة من الغضب العارم إزاء سلوك إيران على أراضيها؛ لذلك تحدث عن الأزمة أرفع المسؤولين في الدولة بمن فيهم رئيس الوزراء، لارس لوكه راسموسن، ووزير الخارجية أنديرس صامويلسون.
ثالثا: يتضح من صيغة البيان الرسمي للخارجية الدنماركية وحديث الوزير في المؤتمر الصحفي أن كوبنهاجن حصلت على دعم أمني وسياسي من العواصم الأوروبية المركزية، ومن ذلك أن رئيس الوزراء ضمّن في تغريدة له من خلال حسابه الرسمي على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، دعما صريحا حصل عليه من حكومة المملكة المتحدة ورئيسة وزرائها، تريزا ماي.
رابعا: أن الأزمة سيترتب عليها عدد من الإجراءات العقابية الأوروبية، وليس مستبعدا أن تنضم أوروبا في هذا الظرف إلى اللاعب الأمريكي في سياساته العقابية ضد السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قرار استدعاء سفير الدنمارك لدى طهران، باعتبار أن ذلك خطوة مبدئية في سيرورة التصعيد ضد إيران.
تداعيات ما بعد النقلة الدنماركية
عملا بقاعدة “أن علاقات التحالف أكثر تعقيدا من علاقات العداء”، ونظرا إلى حالة التحالف الظرفي الراهن بين طهران وبروكسل؛ فإن التعاطي بين الطرفين يشبة إلى حد كبير لعبة الشطرنج التي ابتكرها الفرس قديما، ولأن إيران اتخذت قرارا بعمل “نقلة” هجومية تكسر الثوابت والخطوط الحمر لدى أوروبا؛ فإن “النقلة” الدنماركية المقابلة تستهدف “كش” اللاعب الإيراني بالكامل في علاقته مع القارة التي منحته غطاءً سياسيا يقوي مركزه ويستخدمه في الاستهلاك المحلي الداخلي.
عليه فإن تلك الواقعة تعد حدثا مفصليا في حالة الوئام الظاهر بين الطرفين، ومن المؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرا في سلوك أوروبا الداعم لإيران، وتحوله من حالة الوئام إلى الخصام، خاصة أن إيران لم تقدم مسوغات حقيقية لتنمية العلاقات أو تطويرها، بل حتى لم تحافظ على الحد الأدنى من ثوابت العمل مع الأوروبيين.
كما يتضح أن أوروبا لن تسمح بتكرار عملية تصفية القادة الأحوازيين على أراضيها، خاصة بعد حادثة اغتيال الناشط والقيادي الأحوازي أحمد مولى، في مدينة لاهاي بهولندا، في الثامن من نوفمبر بالعام الماضي.
على كل حال يبدو أن إيران ارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا قبل أيام من الموجة الثانية الموجعة من العقوبات الأمريكية، بأن فقدت حليفها الأوروبي نظير عمليات إرهبية لا تغير كثيرا من قواعد اللعبة، كما يتضح أن تضارب التوجهات لدى أجهزة الاستخبارات في البلاد (الإطلاعات ـ استخبارات الحرس الثوري) سببَ حالةً من التردي المهني أدت إلى سهولة الكشف عن العمليات الإيرانية الإرهابية قبل وقوعها.
ـــــــــــ
(نقلا عن بوابة العين الإخبارية)