في مساء الثلاثاء 14 سبتمبر الراهن أجرى وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب اتصالا بنظيره الإيراني أمير حسين عبداللهيان للتهنئة بتولي الأخير رأس الدبلوماسية الإيرانية، غير أن عبد اللهيان فاجأه بالقول: “إنه يتوجب على لندن تسديد ديونها القديمة لطهران”.
لم يكتف عبد اللهيان بذلك بل نشر فحوى المكالمة من خلال حسابه الحكومي الرسمي على موقع التغريدات المصغرة “تويتر” وكتب: “أبلغت نظيري البريطاني بأنه يجب سداد الدين القديم المترتب على بريطانيا لإيران، وانتقدت بشدة تقاعس أوروبا عن العمل بالتزاماتها في إطار الاتفاق النووي”.
اقرأ أيضا:
ولعل هذه الواقعة تعيد إلى الأذهان التاريخ الطويل المفعم بالتقلبات العنيفة بين بريطانيا وبين إيران، إذ مرت العلاقات الإيرانية ــ البريطانية بتوتر ملحوظ بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ثم عاد التوتر ليتصدرالموقف بعد فتح ملف السجناء والمعتقلين الأجانب في إيران مرة أخرى، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها وزيرا دفاع البلدين حول الديون القديمة العائدة لطهران والناتجة عن عدم تسليم بريطانيا صفقة دبابات من طراز “تشيفتين”، للجيش الإيراني قبيل الإطاحة بالشاه في عام 1979م.
سياق الديون البريطانية
استطاعت إيران بصفتها إحدى أكبر الدول إنتاجا للنفط الذي يوفر المزيد من العملة الأجنبية لاقتصادها أن تربح الكثير من الأموال خاصة في أعقاب أزمة النفط عام 1973 وذلك بعد الارتفاع العالمي الملحوظ في أسعاره، ثم وصول النفط إلى بداءة ذروته في العام 1974م.
في تلك الأثناء أراد شاه إيران توظيف هذه الأموال لصالح تقوية الجيش الإيراني، والابتعاد به في الصدارة بعيدا عن أي منافسة إقليمية؛ فدفع أموالا بشكل مسبق إلي الحكومة البريطانية لشراء أكثر من 1500 دبابة من طراز “تشيفتين”، وبالفعل استلمت منها إيران 185 دبابة فقط.
ولقد كانت بريطانيا في ذلك الوقت في أمس الحاجة إلي هذه الصفقة لتعويض عدم قدرتها على استيراد النفط بعد أزمة ارتفاع أسعاره، وفي نهاية الأمر رفضت الحكومة البريطانية تسليم ما تبقى من صفقة الدبابات التي طلبتها حكومة الشاه قبل الإطاحة بالعرش الشاهنشاهي لتصبح بريطانيا مدينة لإيران بمبلغ قدره 400 مليون جنيه استرليني، بأسعار العام 1979.
زاغري راتكليف كأداة ضغط
نازنين زاغري راتكليف مواطنة بريطانية إيرانية، اتهمت اعتبارا من العام 2016 بالتآمر للإطاحة بالنظام السياسي في الجمهورية الإسلامية، ومن ثم حكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات، وبعد انقضاء مدة الحكم مثلت زاغري مجددا أمام محكمة طهران آملة في الإفراج عنها، ولكن أصدرت المحكمة حكما جديدا عليها بالسجن لمدة عام مع منعها من السفر، ولكن هذه المرة بتهمة الدعايا ضد النظام السياسي في الجهورية خاصة بعد تظاهرها أمام السفارة الإيرانية عام 2009 في أعقاب اندلاع انتفاضة الحركة الخضراء.
اقرأ أيضا:
وقد أعربت الحكومة البريطانية عن استيائها من الحكم الجديد علي زاغري وتعهدت بأن تعمل جاهدة لإخلاء سبيلها، وبالتالي استثمر زوج زاغري الموقف وصرح بأن قضية الديون البريطانية القديمة أثرت بالسلب علي اعتقال زاغري، وقال إن الحكومة الإيرانية تستخدم قضية زاغري كأداة ضغط ومساومة لإجبار لندن علي سداد الديون وتسليم الدبابات.
في تلك الأثناء نفت الحكومة الإيرانية هذه التصريحات، وأعلنت أنه لا علاقة بين السجناء والمعتقلين الأجانب وبين الديون المستحقة على بريطانيا، مبررة ذلك بتأكيدها على أن قضية الديون البريطانية هي في يد حكم هيئات التحكيم الدولية القائمة علي قضايا قانونية مستقلة.
موقف لندن من الديون
اعترفت بريطانيا بأحقية إيران في الدين المستحق منذ 42 عاما وأكد وزير الدفاع البريطاني بن والاس ضرورة تسديد الديون المستحقة لبلاده لإيران والتي تقدر بـ400 مليون جنيه إسترليني، كما ربطت بريطانيا الدين بملف السجناء والمعتقلين وخاصة قضية نازنين زاغري وأكدت احترامها لهذا الدين من أجل الإفراج عن السجناء وهذا ما تجاهلته إيران.
بالرغم من هذا الموقف لا تزال لندن مترددة في تسليم الدين لإيران وتخشي في حال سداده على شكل مواد إنسانية أن ينتهي به الأمر في أيدي الحرس الثوري، بالإضافة إلى ذلك لا تريد بريطانيا أن ينظر إلى المبلغ المدفوع علي أنه فدية للإفراج عن السجينة.
وقد طالب العميد أمير حاتمي وزير الدفاع ودعم القوات المسلحة الإيراني السابق لندن بضرورة اتخاذ إجراءات فعلية لسداد الديون، وأوضح أن إيران غير مسؤولة عن العقوبات الاقتصادية التي تمنع لندن من السداد، وبالتالي يتضح أن فجوة كبيرة لا تزال قائمة بين اعتراف بريطانيا بالدين وبين طريقة سداده على أرض الواقع.
خاتمة
من الواضح أن اعترافات بريطانيا بالدين شفهية لم ترق إلى التطبيق، وهو ما أثار قلق الحكومة الإيرانية؛ لذا كثف المسؤولون الإيرانيون من مطالباتهم نظرائهم البريطانيين بسداد الدين، خاصة أن إيران تعاني من وقع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهي ــ الآن وأكثر من أي وقت مضى ــ في أمس الحاجة إلى كل عملة أجنبية تحد بها من التداعيات الكارثية لتلك المشاكل الهيكلية التي فاقم من تأثيراتها تفشي فيروس كورونا بالبلاد.
ــــــــــــــــــــــــ
بسمة عبد المحسن
باحثة مساعدة في العلاقات الدولية