مرّ وقت على إعادة فرض مجلس الأمن الدولي عقوباته على إيران. هذه العقوبات، التي عُلّقت عام ٢٠١٥ بعد مفاوضات إيرانية مع خمس قوى عالمية، أُعيد فرضها بناءً على طلب الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية وجهودهما في هذا الصدد. وذلك في الوقت الذي لم يحظَ فيه اقتراح الصين وروسيا بتأجيلها بدعم كافٍ في مجلس الأمن الدولي.
ما هي هذه العقوبات وما تأثيرها على اقتصاد إيران واستقرارها؟ وما تأثير إعادة فرض العقوبات على العلاقات التجارية بين إيران ودول آسيا الوسطى، بما فيها طاجيكستان، والتي شهدت نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة؟
في هذا التحليل حاول المحلل الطاجيكي قاسم بك محمد الإجابة عن هذه الأسئلة في تحليل له بموقع أسيا برس.
ما هي هذه العقوبات؟
من السابق لأوانه الحديث عن العواقب الحقيقية لهذه الخطوة وتأثيرها على إيران، إذ ستظهر آثار تلك العقوبات على مدى أشهر وسنوات. فهذه المرة، أُعيد فرض العقوبات في وقت كانت فيه إيران منخرطة في صراع عسكري مباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة قبل أقل من أربعة أشهر، وتكرار ذلك ليس مستبعدًا أيضا.
وبعد عشر سنوات، أُعيد تفعيل القرارات 1696 (حظر تخصيب اليورانيوم)، و1737 (حظر الأنشطة النووية الحساسة ونقل التكنولوجيا)، و1747 (تشديد العقوبات والقيود المالية والعسكرية)، و1803 (القيود المصرفية، وتفتيش الشحنات، وفرض مزيد من الحظر على سفر المسؤولين إلى الخارج)، و1835 (تأكيد التزامات إيران وإعادة تأكيد المطالب السابقة)، و1929 (حظر شامل للأسلحة، وقيود مصرفية وشحن).
فكما يتضح، تستهدف القرارات المذكورة أعلاه بشكل رئيسي الأفراد والشركات المرتبطة ببرامج إيران النووية والصاروخية، وذلك في الوقت الذي لا تخضع فيه العلاقات التجارية لهذا الإطار من العقوبات.
فعلى وجه الخصوص، لا تخضع صادرات النفط، التي تُعد محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي الإيراني، لعقوبات مباشرة، ولكن القيود المصرفية والشحن والنقل قد تُواجه بعض الصعوبات.
مع ذلك، صدّرت إيران نفطًا بقيمة 67 مليار دولار العام الماضي، وهو أعلى مستوى لها منذ عقد من الزمان. وتُعدّ الصين، التي تُعارض عودة عقوبات الأمم المتحدة، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، وستواصل تعاونها مع طهران. بالإضافة إلى ذلك، هناك دول أخرى مهتمة بالحفاظ على علاقاتها النفطية مع إيران.
تأثير العقوبات والإجراءات الإيرانية
قد تُقيّد عودة عقوبات الأمم المتحدة وصول إيران إلى الأسواق العالمية والنظام المصرفي الدولي، وتعيق جذب الاستثمارات الأجنبية، وصادرات النفط، وواردات بعض السلع، ما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية الإيرانية، الريال.
ومن المعروف أن العوامل المذكورة آنفًا تؤثر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران، وتقدم الحكومة إعانات وحزم حماية للفئات ذات الدخل المحدود، للحد من تأثرها بهذا الوضع.
كما تجدر الإشارة إلى أن إيران تعيش تحت وطأة العقوبات الدولية منذ نحو خمسة عقود، وقد اكتسبت خبرة كبيرة وقيّمة في مواجهتها. وقد اتُخذت إستراتيجيات، على المستويين الحكومي والخاص، للحد من تأثير العقوبات. من بين هذه الإستراتيجيات التعاون مع الدول التي تعتبر هذه العقوبات غير عادلة.
فالفرق بين الوضع الحالي والوضع قبل عقد من الزمن هو أن روسيا والصين، بصفتهما شريكتين إستراتيجيين لإيران، قد صوتتا هذه المرة ضد قرار الأمم المتحدة، ما قد يعني عدم التزامهما به. كما أرسلت بعض الدول الأخرى رسالة إلى طهران مفادها استعدادها لمواصلة التعاون الاقتصادي والتجاري معها.
وتركز إيران عادةً على تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة وزيادة الإنتاج المُستبدل للواردات في ظل العقوبات. ويساهم في نجاح هذه العملية الموارد البشرية الشابة والمتعلمة، وخاصةً نشاطها في مجالات الابتكار والتكنولوجيا.
علاوة على ذلك، تمتلك إيران موارد طبيعية هائلة، ومن شأن الاستخدام الأمثل لها أن يُغير الوضع. ويُمثل عدد سكان البلاد، الذي يزيد عن 80 مليون نسمة، سوقًا ضخمة للمنتجين المحليين.
باختصار، من خلال استغلال الإمكانات المحلية والأجنبية، يُمكن لإيران الحد من التأثر السلبي بالعقوبات.
على سبيل المثال، في عام 2012، وفي ذروة العقوبات الخارجية، بلغت صادرات إيران غير النفطية 32.5 مليار دولار، وارتفعت إلى 44 مليار دولار في عام 2018، على الرغم من العقوبات الاقتصادية الأمريكية الصارمة. وقد ارتفع هذا الرقم إلى 57.8 مليار دولار في عام 2024، وبلغ إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية لإيران 130.2 مليار دولار.
هذا يعني أنه حتى لو كانت مبيعات النفط الإيرانية محدودة (وهذا لن يحدث إذا استمر المستوى الحالي للتعاون في مجال الطاقة بين طهران وبكين: ففي العام الماضي وحده، تم تصدير نفط بقيمة 67 مليار دولار إلى الصين)، فإن التدابير المتخذة لاستبدال النفط بسلع غير نفطية لن تتحقق توقعات الولايات المتحدة والغرب بشأن الانهيار الاقتصادي الإيراني.
هناك نقطة أخرى تُوضح الوضع الحقيقي. في عام 2024م، بلغ حجم التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي 4.5 مليار يورو، وهو أقل من حجم التجارة مع روسيا (4.8 مليار دولار)، ولا يُقارن حتى بحجم التجارة بين إيران والصين (حيث يبلغ حجم التجارة غير النفطية بين طهران وبكين حوالي 36 مليار دولار فقط).
لذلك، حتى وقف العلاقات التجارية بين طهران وأوروبا لن يُلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الإيراني.
اللاعبون الرئيسيون ودول آسيا الوسطى
بالنسبة لدول آسيا الوسطى، يُعدّ موقف الشريكتين الإستراتيجيتين – روسيا والصين، اللتين عارضتا قرار الأمم المتحدة بإعادة فرض العقوبات – ذا أهمية بالغة في العلاقات مع إيران.
لذلك، من الممكن أن تُواصل دول المنطقة، مع الحفاظ على “الحياد النشط”، تعاونها التجاري والعبوري مع إيران، خاصةً إذا ما فكرت طهران في منحها امتيازات.
يُجرى التعاون بين دول آسيا الوسطى، وخاصة طاجيكستان، مع إيران بشكل رئيسي على أساس شروط غير خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا من شأنه أن يُخفف من التأثير الخطير للعقوبات على العلاقات الثنائية مع طهران.
علاوة على ذلك، يمكن لطاجيكستان ودول آسيا الوسطى الأخرى، في إطار منظمة شنجهاي للتعاون، مواصلة علاقاتها التجارية باستخدام عملاتها الوطنية أو من خلال بورصات السلع (مثل روسيا والصين).
وفي هذا الصدد، قد يتأثر التبادل التجاري بين طاجيكستان وإيران، الذي بلغ 378 مليون دولار أمريكي في عام 2024، بشكل أقل بعودة عقوبات الأمم المتحدة. وتتعلق المشاكل التي قد تنشأ بشكل رئيسي بقضايا مثل الضمانات المصرفية، والتحويلات المالية، والتأمين على السلع، وما شابه. ومع ذلك، من خلال الاهتمام بتعاون دول المنطقة وإيران حتى عام 2015 والخبرة التي اكتسبتها في هذا الصدد، سيكون من الممكن أيضًا إيجاد حل لهذه المشكلة المحتملة.
ميناء تشابهار
فرضت الولايات المتحدة مؤخرًا عقوبات على ميناء تشابهار الإيراني، الذي تستثمر فيه الهند بشكل رئيسي، ويُعد عاملاً رئيسيًا في سياسة نيودلهي الإقليمية تجاه أفغانستان وآسيا الوسطى.
سيكون لهذا الميناء البحري أهمية إستراتيجية في المستقبل بالنسبة لدول آسيا الوسطى غير الساحلية، إذ يتيح لها الوصول إلى المياه المفتوحة وتصدير واستيراد البضائع بتكلفة أقل وفي وقت أقصر.
كما توصلت طاجيكستان إلى اتفاق مع إيران قبل عامين بشأن الشحن الدولي والعبور عبر هذا الميناء، إلا أن هذا الميناء لم يعمل بكامل طاقته بعد، ولا يؤدي دورًا فعالًا في التجارة ونقل البضائع.
حاليًا، تستخدم دول منطقتنا ميناء بندر عباس، وهو مركز نقل رئيسي يتمتع ببنية تحتية متكاملة وواسعة النطاق. بمعنى آخر، يمكن القول إن العقوبات الحالية على تشابهار لن يكون لها تأثير خطير على صادرات وواردات دول آسيا الوسطى عبر إيران.
لماذا عادت العقوبات؟
السبب الرئيسي لعودة العقوبات على إيران هو برنامجها النووي، إذ تسعى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية إلى وقف توسع البرنامج النووي الإيراني بأي شكل من الأشكال. ومع ذلك، تُصرّ إيران على مواصلة تطوير برنامجها النووي السلمي.
من أهم الأسئلة المطروحة بشأن البرنامج النووي الإيراني هو لماذا يُنظر إلى هذا البلد بعين الريبة رغم توقيعه على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتعاونه المباشر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين أن بعض الدول، كإسرائيل، التي تمتلك أسلحة نووية وترفض التوقيع على المعاهدة المذكورة، لا تتعاون إطلاقًا مع الوكالة؟!
تستند معارضة إسرائيل لتفتيش الوكالة لمنشآتها النووية إلى كونها ليست طرفًا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقد أصبحت هذه النظرة المزدوجة لاستخدام الطاقة النووية من أكثر القضايا إثارة للجدل في السياسة الدولية اليوم، وتعكس اختلاف نظرة الغرب إلى إسرائيل وإيران.
بمعنى آخر، تُمثل الأسلحة النووية الإسرائيلية “رادعًا” للتهديدات الخارجية، بينما يُعتبر احتمال امتلاك إيران لمثل هذه الأسلحة “تهديدًا للأمن الدولي”!!!
فهل يُمكن لانسحاب إيران من المعاهدة أن يُخفف الضغط على البلاد؟ بالطبع: لا! لكن كوريا الشمالية فعلت ذلك. إذ انسحبت من المعاهدة عام 2003، وواجهت عقوبات الأمم المتحدة القاسية، وأجرت أول تجربة نووية لها عام 2006. وهي الآن تستخدم الأسلحة النووية كرادع، على الرغم من أن هذا أدى إلى عزلة وقيود اقتصادية.
القلق هو أن الضغط الغربي المتزايد قد يدفع إيران إلى هذا المسار (وهو أمر يود بعض السياسيين الإيرانيين اتباعه)، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع حتى الآن على أنها تنتهج مسارًا غير سلمي ببرنامجها النووي.
من الواضح أنه إذا اختارت كوريا الشمالية هذا المسار، فسيكون مصير إيران مختلفًا عن ذلك البلد، لأنها تقع في قلب الشرق الأوسط، وقد يؤدي وصولها إلى الأسلحة النووية إلى تغيير التوازن الجيوسياسي في هذه المنطقة الحساسة من العالم. هذا أمر لا تخشاه الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، بل تخشاه أيضًا قوى ودول أخرى.
على أي حال، ينبغي عليهم معرفة من الرابح النهائي في هذه “اللعبة”؟
لا شك أن هذا الرابح غير موجود. فرغم أن إيران تزداد اكتفاءً ذاتيًا وصمودًا تحت ضغط العقوبات، إلا أنها تعاني أيضًا من محدودية التواصل والتعاون مع العالم الخارجي. كما أن الولايات المتحدة وأوروبا مضطرتان إلى زيادة تكاليفهما الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية لحماية نفوذهما في الشرق الأوسط من خلال مواجهة إيران. بمعنى آخر، سيخسر كلا الجانبين إذا استمر هذا الوضع.