لعل السؤال الذي يشغل بال متابعي السياسات العالمية والإقليمية بل ومجتمع الخبراء في الظرف الراهن بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وفراغ أمريكا ومحورها من سوريا هو: بعد غزة ولبنان وسوريا.. هل الدور أصبح على إيران؟!
ترامب ليس رجل أعمال فقط
للإجابة عن هذا السؤال لا يجب الارتكان إلى النظرية السائدة التي تقول إن ترامب هو رجل أعمال وإنه غير مستعد للقيام بأي حملة عسكرية على إيران، فطبيعة الرجل المتغيرة تشير إلى أنه قد يتخذ أقصى القرارات عنفا في المواقف العادية أو أقلها حدة في المواقف التي تحتمل اللجوء إلى القوة الصلبة لحسم النزاعات.
اقرأ أيضا:
على سبيل المثال: يذكر الجميع واقعة العام 2019 حين أسقطت إيران طائرة آر كيو-4 جلوبال هوك بصاروخ أرض جو في 20 يونيو 2019، أطلقته القوات الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني، وكانت تكلفة هذه الطائرة قبل 5 سنوات نحو نصف مليار دولار وهي الطائرة الأغلى سعرا في تاريخ الحضارة البشرية، وفي تلك الواقعة كانت كل الظروف تشير إلى ارتفاع احتمالية العمل العسكري الأمريكي لكن ترامب لم يفعل ذلك.
في ذلك الوقت رأى ترامب أن العقوبات الاقتصادية وحدها قادرة على منع إيران من مواصلة نهجها الإقليمي القائم على دعم وتمويل دول وجماعات محور المقاومة في سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة واليمن والعراق، لكن التجربة أثبتت أن إيران لم توقف دعمها حتى بعد تلك العقوبات التي وصفت بأنها الأقسى في التاريخ.
تأثير العقوبات على إيران
يقول عدد من الأصوات المسموعة في مجتمع الخبراء في إيران من الداخل إن هذه العقوبات أثرت للغاية على إيران بحيث إنها ضعفت اقتصاديا ولم يعد في مقدورها الإنفاق عالي المستوى على العمليات العسكرية الخارجية، وإلا لكانت أرسلت قوات محمولة جوا إلى الأسد لإنقاذ دمشق من سقوط الثامن من ديسمبر لعام 2024.
مع ذلك ينشر الإعلام الأمريكي في هذه الأيام بكثافة أن ترامب يرى أن هذه العقوبات لم تعد كافية لتحجيم أهم رافعة من روافع السياسة الإيرانية وهو البرنامج النووي خاصة بعد فشل المباحثات الإيرانية ــ الأوروبية.
وقد قال ترامب ذلك صراحة في المقابلة المطولة التي أجرتها معه مجلة “تايم” الأمريكية بعد أن اختارته شخصية العام ووضعت صورته بينما يرفع ركبته اليمنى في وجه المشاهد كرسالة على الاستعلاء والغرور بالقوة المفرطة.
خيارات ترامب ضد إيران
للتدليل على ما أعلاه نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم الجمعة 13 ديسمبر 2024 تقريرا مطولا قالت فيه إن ترامب يدرس الخيارات المتاحة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، بما في ذلك إمكانية شن غارات جوية وقائية، وهي الخطوة التي من شأنها أن تكسر السياسة القديمة المتمثلة في احتواء طهران بالدبلوماسية والعقوبات.
الصحيفة الأمريكية قالت أيضا إن خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية يخضع في الظرف الراهن لمراجعة أكثر جدية من قبل بعض أعضاء فريق ترامب الانتقالي، وهم يحاولون استثمار حالة الخسارة الإيرانية الناجمة عن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، ومستقبل القوات الأمريكية في المنطقة، وتدمير إسرائيل لحزب الله وحماس، لاسيما أن المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي توعد الأمريكيين بالهزيمة في سوريا بالرغم من السقوط المدوي لبشار.
اللافت هنا أن ترامب نفسه أخبر صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا أنه قلق من أن إيران ستنخرط في برنامج نووي في عهده، وبالتالي الرجل يريد الإجهاز على أكبر خطر من جانب إيران وهو تدمير مفاعلاتها النووية، بعد أن ينجح أولا في تحييد روسيا والصين من خلال تقديم مقبلات ومشهيات لموسكو وبكين في ملفي أوكرانيا وتايوان على الترتيب.
خاتمة
مجمل ما أعلاه أن ترامب في 2025 لن يكون بالضرورة هو ترامب نفسه في 2017، بمعنى أنه من الخطأ الارتكان إلى المنهج التاريخي فقط لتحليل سلوك ترامب واستقراء ما يمكن أن يقوم به تجاه إيران بناء على خبرة الدورة الرئاسية الأولى له والتي فضل فيها العقوبات على الحرب، وهنا يمكن القول باختصار إن كل الزلازل المدوية في الإقليم بعد طوفان الأقصى تجعل من اليسير توقع ما لا يمكن توقعه.
رابط قناة الكاتب على تليجرام
https://t.me/iran_with_egyptian_eyes