في الأسبوعِ الماضي قال رئيسُ الجمهوريَّةِ الدكتور بِزشكيان إبانَ مناقشةِ أداء الحكومة الرابعة عشرة في العامِ الأوَّل من البرنامج الإصلاحي السابع: “مَن استطاع أن يَحلَّ معضلةَ البلاد قبَّلتُ يدَه، أيًّا كان انتماؤه السياسي”.
ومع ما نعلمه من صدقِ رئيسِ الجمهوريَّةِ بزشكيان، كان من الطبيعيِّ أن يُرتقَبَ منه دعوة كلِّ من أبدى في الداخل أو الخارج استعدادًا لمعالجة أزمة المياه، وأن ينتفع بما عندهم من خبرةٍ في هذا الشأن.
فالماء، مع كونه نعمةً إلهية ومنحةً طبيعية، إلا أنَّه ذو صلة وثيقة بالعلم، وبعبارة أكثر وضوحًا هو مسألة علمية. ومن أجل الانتفاع به والحد من نقصانه أو الحرمان منه فلا بد من اللجوء إلى العلم، والاستفادة من خبرة المتخصصين في هذا المجال، ومن تجربة أهل المعرفة والخبرة العملية.
يقول المتخصصون في شؤون المياه، وأهلُ العلم في هذا المجال، إنَّ ما جرى في العقود الماضية من معاملة للبيئة لم يكن إلا سببًا في الإضرار بموارد البلاد من الماء، وإخلالًا بالميزان الطبيعي لهطول الأمطار.
فإن صحَّ هذا القول، وجب على القائمين بأمر الدولة أن يعجِّلوا بالتوقف عن هذا النهج المُفسد، وأن يلتمسوا أعمالًا توافق سُننَ الطبيعة. ولن يُنال هذا الأمر، وهو من الضرورات، إلا بالرجوع إلى العلم، والاحتكام إلى التجربة.
وإلى جانب النهج العلمي الذي ينبغي أن تُشيد عليه مسألة المياه في المدى البعيد، حقيقٌ بأن تتخذ جُملة من الإجراءات التنفيذية والاجتماعية تُباشَر في العاجل، لتُدرَأ بها أزمة المياه، بحيث تتمكن البلاد من تجاوز هذه المرحلة الحرجة.
وهذه الإجراءات يمكن ضبطها في بنود واضحة، وهي كالتالي:
1ــ أن يُبذل الجهد الدائب، وتُنفق العناية الشاملة في بثِّ ثقافة ترشيد المياه. وقد جاء في بعض التقارير أنَّ استهلاك الناس للماء في إيران يضاعف المعدَّل العالمي المعتاد.
فإن صحَّ هذا، كان ذاك الإسرافُ ثمرةَ غفلةِ أجهزة الإعلام الرسمية عن بناء الوعي السليم بثقافة الاستهلاك.
وقد دلَّت التجارب على أنَّ التوعية قادرة على كبح كثيرٍ من المُمارسات المُفرِطة، وحلِّ مشكلات لا تُحصى.
ومن هنا، كان خليقًا بالإعلام الوطني أن يبلغ رأسَ الأمر، فينهض بهذه الدعوة، ويجعل من ترشيد المياه ثقافةً عامة بين الناس.
2ــ الحؤول دون هدر المياه الذي يسببه تهالك شبكات التوزيع، لما في ذلك من مضرَّة جسيمة بهذه الثروة الوطنية.
ويتطلب هذا الإجراء العاجل ميزانية معتبرة، تستطيع الحكومة أن توفرها من خلال إلغاء مخصَّصات الأجهزة غير المجدية.
3ــ الرقابة الجادَّة والفاحصة على كل ما يُصرف من مياه بلا ضرورة، فيما يتجاوز العُرف المعتاد.
ويشمل: الاستهلاك الباذخ للمياه، وزراعة ما لا حاجة إليه من المحاصيل. وهي أمور تستطيع الحكومة أن تمنعها.
4ــ خفض عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى المستوى الذي تُقرَّه المعايير الدولية، ويقبله العقل والمنطق.
وقد ثبت بالمعطيات أنَّ أكثر من اثني عشر بالمئة من أهل البلاد من المهاجرين غير الشرعيين، يعيشون في أرجاء شتى، وترحيلهم يعين تلقائيًا على ترشيد استهلاك المياه بما ينيف عن اثني عشر بالمئة.
وللأسف، لا تزال عزيمة المسؤولين في إبعاد هؤلاء غائبة، والتحذيرات التي أطلقها المخلصون في هذا المجال لم تؤتِ ثمارها بعد.
فإذا قال الرئيسُ بزشكيان إنَّه يقبِّل يدَ كلِّ من استطاع أن يحلَّ مشكلة الوطن، وجب عليه أن يجعل قوله فعلًا، فيعمل بما ينبِّه عليه أهل الرأي والمخلصين، ممن ينادون بضرورة معالجة قضية المهاجرين غير الشرعيين.
ونحن نعلم أنَّ جهة ما في الداخل تحوم حولها الشبهات تصدُّ عن ترحيلهم، بل تسعى إلى فتح الطريق من جديد أمام تدفُّقهم الجارف إلى إيران.
إنَّ مواجهة هذه الجِهة بحزمٍ أمرٌ من شأنه أن يمدَّ الحكومة بعونٍ وافرٍ في ميادين الاقتصاد والاجتماع والأمن، فضلًا عن الترشيد في استهلاك المياه.
ولا يُقبل من الحكومة أي عذرٍ في التراخي عن هذا الواجب.
ــــــــــــــــــــــــ
مقال نُشر في افتتاحية صحيفة “جمهوري إسلامي” تحت عنوان “حل مشکل آب، اراده ميخواهد” (بالعربية: حلُّ مشكلةِ المياه يتطلب إرادةً) بتاريخ شنبه ۲۴ آبان ۱۴۰۴ هـ. ش. الموافق 15 نوفمبر 2025م.
